IMLebanon

لبنان يرصد هزّة الإنفصال وعينُه على «ســلّة آب» وبرّي «متشائل»

خلافاً للسلبيات والإرباكات التي أسقَطها الانفصال البريطاني عن الاتّحاد الأوروبي، على أوروبا والعالم، فقد تبَدّت للحدث البريطاني حسنةٌ لبنانية، تجلّت في أنّه تقدّم على الشأن اللبناني وأعطى الملفّات الداخلية إجازةً قصيرة وموَقّتة، وشدَّ الاهتمامَ السياسي العام إلى أرض الانفصال، لعلّه يتلمّس ضوءاً، أو يلتقط إشارةً ما حول الاتّجاه الذي سيميل إليه خط السير الأوروبي لا بل العالمي بعد الانفصال، ورقعةِ ارتداداته المباشرة، سواء الدولية أو الشرق أوسطية، وحجم تداعياته وموقع بريطانيا بعد هذه الخطوة.

لبنان على خط رصد ومتابعة ارتدادات الانفصال البريطاني، مع التركيز على مغزى ودقّة ما باتَ يسمّى في أوروبا «الزلزال»، وعلى الأصوات التي بدأت تتصاعد وتدعو إلى استنساخ هذا الانفصال في بعض الدول المرتبطة ببريطانيا تحديداً، وأيضاً، في دول أوروبّية أخرى.

ولأنّ لبنان ومِن موقعه الجيوسياسي اعتاد على مرِّ تاريخه، أن يتأثر بما يجري خارج حدوده، وأن يشكّل في كثير من الظروف والأحيان مرآةً عاكسة للحدَث الخارجي، إقليمياً كان أو دولياً، فإنّ مستويات سياسية رفيعة المستوى تستبعد أن تلفح رياح الانفصال لبنان، بل هو في منأى عن هذه العاصفة، ولذلك فهي تدعو إلى عدم الاستعجال في الحكم على الحدث البريطاني، وانتظار المدى الذي سيَبلغه ما بات يسمّى في أوروبا «الزلزال».

ولكن حتى الآن تبدو مفاعيله محصورةً في الميدانين البريطاني والأوروبي، إلّا أنّ احتواءَ تلك المفاعيل – هذا إنْ ظهرَت نوايا في هذا الاتجاه – يتطلّب بعضَ الوقت، ولكن قد تتفاعل أكثر إذا ما اقتدت ببريطانيا، دولٌ أخرى، وكرّت سُبحة الانفصال مع ما يتأتّى عنه من تغييرات سياسية وجغرافية، وربّما توتّرات!

برّي: لم أفاجَأ

سياسياً، يقول رئيس مجلس النواب نبيه بري: «لم أفاجَأ بهذا الانفصال، فقد كانت له مقدّمات، أنا شخصياً لمستُ بعضَها خلال لقاءاتي الداخلية مع السفراء والديبلوماسيين الاوروبيين، وخلال زياراتي الخارجية ولقاءاتي مع كبار المسؤولين الاوروبيين».

ويضيف: «الاتحاد الاوروبي لم يكن من الصلابة، التي لطالما حاوَلوا إظهارها، ولعلّ مجرّد مقاربة بسيطة، ولكن دقيقة ومعمّقة، لواقع الاتحاد فإنّها تظهِر أنّ الاتّحاد ليس سوى هيكل ضعيف لا يملك سياسة قوية موحّدة، بل يَسير خلف الولايات المتحدة الأميركية التي تقوده في الاتّجاه الذي تريد. وها هي أوكرانيا مثالٌ حيّ وقريب».

وأمّا لبنانياً، ففي رأي برّي «أنّ لبنان سيكون بمنأى عن الانفصال، سواء في القضايا السياسية أو غير ذلك، وأنا لا أرى رابطاً بينهما».

جابر: لا انعكاسات

وفي السياق ذاته، لا يرى النائب ياسين جابر تأثيراً على لبنان، وقال لـ»الجمهورية»: لا انعكاسات مباشرة ستَظهر، لكن في المطلق، فإنّ لبنان دولة داخلة في الشراكة مع الاتّحاد الاوروبي، لذلك يجب طرح سؤال: «ماذا سيَحصل في الاتحاد»، لأنّ ما حدث في بريطانيا، يهدّد بتفكّك ما يُسمّى بـ«المملكة المتّحدة» نفسِها، والاتّحاد كذلك، إذ إنّ بريطانيا فتحَت الباب أمام غير دول بأخذِ المبادرة نفسها».

ورأى جابر أنّه يجب تحويل السؤال إلى: «ما انعكاسات ما حدثَ في الشرق الأوسط على الاتّحاد الاوروبي؟»، معتبراً أنّ «ما حدث بـ»الربيع العربي» منذ العام 2011 وثمّ تفجّر الأزمة السورية وانتشار نحو 5 ملايين لاجئ في العالم، واستغلال تركيا وأردوغان لهذا الملف من خلال دفعِ مئات آلاف المهاجرين على الانتقال من الشواطئ التركية إلى أوروبا، خلقَ حالة هلعٍ عند المجتمع الاوروبي أدّت إلى ما حصل في بريطانيا».

إلّا أنّ مرجعاً سياسياً كبيراً يقرأ في الحدث البريطاني، نتيجةً لبنانية سريعة وسلبية على الاستحقاق الرئاسي، إذ إنّ هذا الحدث أعاد بشكل أو بآخر، جدولةَ الاهتمامات الدولية، بحيث وضَع الحدث البريطاني على رأس قائمة العناية والاهتمامات والمتابعات، ووضَع سائر الملفّات الأخرى على الرف.

وبديهيّ القول هنا إنّه إذا كان الملف الرئاسي اللبناني واحداً من «الملفّات الأخرى»، فمعنى ذلك أنّه وضِع على الرفّ الدولي حتى إشعار آخر. إلّا إذا كان خلفَ الأكمة ما خَلفها، ويحضر لبنان بجدّية في محادثات ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في باريس، ويتمخّض عنها ما يسرّ القلبَ بالمعنى الرئاسي اللبناني.

مرجع مالي: وضعُنا صلب

وأمّا اقتصادياً، فلدى المراجع المصرفية والمالية «تطمينات جدّية». وقال مرجع ماليّ كبير لـ«الجمهورية»: وضعُنا المالي صلبٌ رغم كلّ الضغوط التي نواجهها.

أمّا في شأن مستجدّات الانفصال البريطاني عن الاتحاد الاوروبي، فهذه المسألة لها تداعياتها البريطانية والأوروبية، وبالتأكيد سيكون هناك ضغط سلبيّ كبير على اليورو والجنَيه الاسترليني، وقد بدأ ذلك فعلاً، حتى داخل السوق اللبناني. أمّا في ما يعنينا، فلا تأثيرات مباشرة للانفصال البريطاني، على الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان.

برّي: السلّة أو الـ «60»؟

وكما أنّ عين الرصد اللبنانية تلاحق تطوّرات الانفصال البريطاني وتداعياته، فإنّها ما زالت شاخصة على مجموعة الملفّات المعقّدة:

– أوّلاً، سياسياً، العين على الجلسات الثلاث التي حدّدها بري مطلعَ آب المقبل للتفاهم على سلّةِ حلّ متكامل رئاسياً وانتخابياً وحكومياً.

مصادر واسعة الاطّلاع أكّدت لـ»الجمهورية» وصولَ إشارات فرنسية أخيراً تؤيّد مبادرة برّي واجتماع اللبنانيين لمحاولة صياغة الحلّ اللبناني والتوافق على السلّة.

كان اللافت للانتباه بروز أصوات داخلية معترضة على التوجّه نحو عقدِ «دوحة لبنانية»، أو التوافق على سلّة، على اعتبار أنّها تقود إلى «المؤتمر التأسيسي»… إلّا أنّ الرئيس برّي استغربَ الذهابَ إلى هذا الحدّ، وقال لـ«الجمهورية: «لا أحد يتكلّم عن المؤتمر التأسيسي من قريب أو بعيد، كلُّ الأمور تجري تحت سقف «الطائف»، وهذا ما تمّ التأكيد عليه في جلسة الحوار الأخيرة، وخصوصاً مِن قبَل رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الذي أكّد على سقف الطائف.

وأعربَ برّي عن أمله في أن تكون الجلسات الثلاث في آب المقبل منتجةً، فنتمكّن عبرَها مِن بلوَرة التفاهم. «وأودّ أن يعلم الجميع أنّ تلك الجلسات هي «الخرطوشة الأخيرة» التي نطلِقها، في محاولةٍ لخلقِ حلٍّ كامل متكامل يُنهي الحال الشاذة التي يعيشها البلد.

وقال: لا أستطيع أن أقول إنّني متفائل إلّا إذا صارَ في يدي شيءٌ ملموس. أنا «متشائل»، وما أتمنّاه هو أن يحصل التفاهم، أنا مع الاتّفاق على السلّة الكاملة من دون تقديم أو تأخير بندٍ على آخر.

ولا يكفي في هذا السياق، الاتّفاق على انتخاب رئيس الجمهورية بمعزل عن أيّ أمر آخر، ذلك أنّ الاتفاق على الرئيس، وعلى رُغم الاهمّية الكبرى لهذا الاتفاق على طريق سد الفراغ الرئاسي، إلّا أنّ العقبة الأساسية والرئيسية الكبرى التي سيصطدم بها الرئيس الجديد هي قانون الانتخابات النيابية، وعليه فإنّ الأفضل والأسلم للبلد ولسَير المؤسسات فيه أن يُصار إلى الاتفاق أوّلاً على القانون الانتخابي.

وتوجَّه برّي إلى سائر القوى السياسية على اختلافها: يجب أن يحصل تفاهم على السلّة، للسير بالبلد الى برّ الأمان، البلد لم يعُد يحتمل، هناك فوضى وفَلتان يضرب كلّ شيء، حرام أن يستمر الوضع على ما هو، يجب أن نمسك البلد من جديد قبل أن ينهار أكثر.

ولفتَ برّي انتباه الجميع: «الجلسات الثلاث، كما سبق وقلت، هي الخرطوشة الأخيرة أمامنا لبلوَرة الحلّ المطلوب، ولكن ما لم نصِل الى هذا الحلّ فساعتئذٍ «أبشِر بطول بقاءٍ يا ستّين». أي سنجد أنفسَنا مضطرّين لكي نجريَ الانتخابات النيابية على أساس القانون النافذ حالياً، أي قانون الستّين.

ولفتَ برّي أيضاً، إلى أنّ الوقت يداهمنا، وإن فشلنا في جلسات آب، في الاتفاق على قانون انتخابي يعتمد على النسبية بشكل كامل أو جزئي، فلن يعودَ لدينا متّسَع من الوقت، وبالتالي احتمالُ أن نصل الى قانون فيه نسبية بَعد ذلك، يصبح احتمالاً ضعيفاً جداً، ذلك أنّ أمرَ شرحها وكيفية تطبيقها يحتاجان بين ستّة وسبعة أشهر.

– ثانياً، برلمانياً، العين على مجلس نيابي معطّل، ينتظر أن ينتشل مفتاحه من مغارة الخلافات والانقسامات التي تنذِر بطول إقفال وتعطيل.

– ثالثاً، حكومياً، العين على حكومة ما زالت عرجاء، إلّا إذا نجَحت محاولات تفعيلها في بثّ الروح فيها من جديد. وها هي تدخل في اختبار جدّي مع التقرير الأخير لمجلس الإنماء والإعمار بالمشاريع المنفّذة أو التي هي قيد التنفيذ. والبالغة كلفتُها مليارات الليرات.

وها هي وزارة المالية تقرّر شدَّ حزام التمويل… ووزير المالية علي حسن خليل أكّد صراحةً في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء ما مفادُه: «الوزارة لا تستطيع التمويل، السبيل إلى ذلك عبر النزول إلى مجلس النواب وفتح الاعتمادات اللازمة».

وقبل 48 ساعة على الجلسة المالية، أعلن الوزير خليل أنّه سيقدّم في جلسة مجلس الوزراء الثلثاء المقبل شرحاً مفصّلاً عن الوضع المالي بالتفاصيل والأرقام، وغرّد عبر «تويتر»: «سأطرَح الحلول والحاجات لتحصين الوضع المالي وعدم ذهابه إلى حدود الأزمة».

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّه وفي ضوء التقرير المالي الذي وَعد به وزير المال، قد تُبادر الحكومة إلى اقتراح عقدِ دورةٍ استثنائية لمجلس النواب لإقرار بعض الاعتمادات والتصويت على برامج ومشاريع قروض وهبات تنتظر إقرارها، ولا بدّ مِن إحيائها لمواجهة المستحقّات المالية الكبرى التي تواجهها البلاد في ضوء التعثّر الذي أصابَ الهبات المقرّرة مالياً وعسكرياً.

وكشفَت المصادر أنّ في نيّة رئيس الحكومة تخصيص جلسات أخرى يمكن أن تلي الجلسة المالية، ومنها لملفّ النفايات، وأخرى للكهرباء، وثالثة للقضايا الاجتماعية والبيئية، وقضايا أخرى.

درباس لـ«الجمهورية»

وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«الجمهورية» إنّ النوايا موجودة عند الوزراء لتسهيل أمور الحكومة، وبالنسبة لجلسة الثلثاء المقبل، فالأمر يعود لرئيس الحكومة عمّا إذا كان سيطرح جدول الأعمال أو بعضَ المواضيع المعلّقة».

وعن انعكاسات استقالة وزير الكتائب آلان حكيم، والتي لم يقدّمها بعد خطّياً لرئيس الحكومة، أكّد درباس أنّ «ما يشكو منه وزير الكتائب يشكو منه جميعُ الوزراء، ولكنّ هذه الاستقالة فجوةٌ في آخِر جدارٍ حامٍ للدولة، فكيف لحزبٍ عريق ولديه تمثيلٌ كحزب «الكتائب» أن يستقيل في مِثل هذا الوقت»؟.

زعيتر لـ«الجمهورية»

وعبّر وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر عن عدم رضاه على عمل الحكومة وعلى الآليّة الغريبة عن الدستور التي تُعتمد في اتّخاذ القرارات، وإذا استمرّ العمل وفقَها ستفقد الحكومة إنتاجيتها».

– رابعاً، بيئياً وصحّياً، العين على فَلتان صحّي ورقابي حول الأساسيات. وعلى النفايات وأزمتها المستفحلة، والتي قد تتجدّد في الآتي من الأيام حول «المطامر السياسية» التي تعطّل بلوغَ الحلّ النهائي والجذري. وبحسب مصادر واسعة الاطّلاع فإنّ هذا الملف قد يَشهد قريباً طرحاً لحلّ مشكلة النفايات، يقوم على العودة إلى اعتماد المحارق.

وعلِم في هذا السياق أنّ مرجعاً سياسياً تلقّى في الأيام القليلة الماضية تقريراً مِن دولة أوروبية (يتردّد أنّها بلجيكا)، يتضمّن الإشارة إلى محرقة حديثة معتمدة في إحدى الدول الأوروبية، ونتائجُها ممتازة، إلّا أنّ ثمنَها يبلغ 900 مليون يورو.

– خامساً، إجتماعياً، العين على أزمة النازحين السوريين التي تستفحل على مدار الساعة في بلدٍ صغير متروك لوحده في مواجهة هذه القضية، وبالتالي لم يعُد يستطيع أن يتحمّل هذا العبء، الذي يفاقِمه ما يقارب المليونَي نازح سوري، أمنياً واقتصادياً.

إستعادة الفلوجة

أما البارز على المستوى الإقليمي، فكان إستعادة القوات العراقية، أمس، كامل السيطرة على مدينة الفلوجة، أحد أهمّ معاقل تنظيم «داعش»، بعد «تطهير» حيّ الجولان في المدينة التي سيطر عليه الإرهابيون مطلع عام 2014، فيما دعا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من الفلوجة، العراقيّين، إلى «الاحتفال باستعادة السيطرة على المدينة (راجع صفحة 16)».