IMLebanon

إيجابيات على خط التأليف… لكنّ الحكومة ما زالت مُعلَّقة بحبل العقد!

إذا ما اقترنت الايجابية التي طَفت في الساعات الأخيرة على سطح تأليف الحكومة بترجمة موضوعية، فمعنى ذلك انّ المخاض الجاري على تجاوز حقل التعقيدات التي برزت في الطريق، لن يطول أمده. وبالتالي، تصبح حكومة العهد الأولى على وشك الولادة، وخلال فترة لا تتجاوز آخر الشهر الجاري، وذلك بحسب ما يؤكد عاملون على خط التأليف لـ«الجمهورية»، بأنّ الجهود منصَبّة حالياً في هذا الاتجاه. على انّ أجواء الساعات الأخيرة لم تحمل معها ما يؤشّر الى انطلاقة فاعلة على خط فكفكة ما قيل انها عقد ما زالت ماثلة في الطريق، او متى سيبدأ التفكيك فعلاً، خصوصاً انّ هذا المسار، وعلى رغم الايجابيات الكلامية، ما زال يراوح في المربّع الأول.

في وقت يستمر فيه لبنان مع انطلاقة العهد الرئاسي الجديد، محلّ استقطاب عربي ودولي، وتجلّى أمس برسالة قطرية مباشرة عبّرت عنها زيارة وزير الخارجية القطرية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ولقاؤه المسؤولين، كان الخط الداخلي يشهد برودة ملحوظة للجبهات الرئاسية التي لفحتها سخونة ملحوظة في الايام الاخيرة، شكّلت بدورها لحظة انتقال الجبهات السياسية كلها من التوتر خلف المتاريس السياسية، الى ضفة الايجابية التي انسحبت تلقائياً على ملف تأليف الحكومة، بإعادة التشديد على التعاون والتأكيد على النيات الحسنة المتبادلة، وكذلك اعادة تشغيل كاسحات الألغام من طريق الحكومة العتيدة، ولكن حتى الآن لم تظهر ايّ ترجمة فعلية او حقيقية لهذا التوجّه.

كسر الجليد

واذا كان الاحتفال بالاستقلال جمعَ الرؤساء على منصّة واحدة، فإنّ خلوة بعبدا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، والتي شارك فيها رئيس حكومة تصريف الاعمال تمام سلام، وكذلك «الخلوة السيّارة» الثنائية بين بري والحريري، شكلتا فرصة لكسر الجليد الذي تكوّن على الخطوط الرئاسية في الايام القليلة الماضية وهَدّد بتطويل أمد التأليف الى اجل غير مسمّى، وأعادتا فتح الباب لوضع قطار التأليف على السكة مجدداً.

وعلمت «الجمهورية» انّ أجواء الخلوتين بشكل عام اتّسمتا في الجانب الشخصي بمجاملات رئاسية وودية بمنسوب عال، وامّا في الجانب السياسي – الحكومي فكانت الايجابية قاعدة للنقاش، مع التأكيد على ضرورة التعاون بين الجميع، والاسهام، كلّ من موقعه ومحيطه، في فكفكة العقد وتذليل كل العقبات الموجودة، بما يسرّع في تأليف الحكومة، حتى ولو كان هذا التأليف ما يزال ضمن فترة السماح الطبيعية، على اعتبار انّ كل تأخير إضافي في توليد الحكومة فيه ضرر كبير على الجميع، وعلى البلد بوجه خاص.

وفيما بَدا الارتياح الى نتائج هذه الخلوة شاملاً كل الخطوط الرئاسية، خصوصاً انّ غيوم الاشتباك الرئاسي الاخير تبددت، وبالتالي لا ارتدادات او تداعيات له، على حدّ تعبير مصادر رئاسية، قال بري لـ«الجمهورية» انّ لقاءه مع عون والحريري كان طيباً، وتحديداً اللقاء مع رئيس الجمهورية الذي كان «منيح كتير».

زوّار بعبدا

ونقل زوّار بعبدا عن عون ارتياحه لأجواء اللقاءات التي جرت على هامش الاحتفال بالاستقلال و»النيّة التي عبّر عنها الجميع لإنهاء ملف التأليف لكي تتفرغ الحكومة لمرحلة ما بعد التأليف ومقاربة الملفات التي تنتظرها، من البيان الوزاري الى قانون الإنتخاب، مع الإشارة الى انّ خطاب القسم سيشكّل نواة هذا البيان ولن يكون هناك ايّ عائق امام القضايا التي سيتناولها، من دون ان يظهر تقدّم فريق على آخر. فعناوين خطاب القسم كافية ليتوفر الإجماع حولها بعيداً من النقاشات الذي كانت تستغرقه بعض العبارات مع تأليف أيّ حكومة».

وأكدت المصادر المعلومات التي يعكسها «بيت الوسط» و«لقاء الأربعاء النيابي» أنّه تمّ تذليل بعض العقد ويبقى البتّ بمصير وزارة الأشغال لمَن ستكون، لفرنجية او «القوات» او انها تبقى لبري؟ وعندها سيُصار الى إعلان التشكيلة النهائية التي قد تضم بعض الاسماء الجديدة ولكن ليس بالحجم الذي سيبتعد كثيراً عن اللائحة المتداولة التي بقيت بمعظمها على ما هي عليه».

الأسس وشيطان التفاصيل

وبحسب عاملين على خط التأليف، فإنّ الخلوات الرئاسية أعادت صوغ الأسس لاستئناف العمل على هذا الخط، وفق القواعد التالية:

– الايجابية المتبادلة والصادقة، ينبغي ان تحيط عنوان المقاربة السياسية من كل الاطراف.

– التعاون الكلي بين الرؤساء، والعمل، كلّ من جانبه على تذليل العقد، وكل ما يمكن ان يتسبّب في تأخير الولادة الميمونة للحكومة.

– تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وهذا المبدأ هو الذي ينبغي ان يحكم التأليف وان يغلّب على ايّ اعتبار آخر.

واللافت في اجواء الايجابية هذه، هو العزف السياسي على وتر التقدم في التأليف، ولكن مع الاشارة الى بعض التفاصيل التي ما زالت تعترض الولادة حتى الآن.

واللافت اكثر هو الخشية غير المعلنة من ان يكون الشيطان ما يزال كامناً في بعض هذه التفاصيل. ومن هنا، لم تحدد الجهات المتابعة في بعبدا او عين التينة او «بيت الوسط» ماهيّة هذه التفاصيل، كما لم تشر الى حجم الصعوبة في إمكان تذليلها، لا إن كانت سهلة الحل، او مستعصية.

وبحسب العاملين على خط التأليف، فإنّ التعقيدات المتبقية، والتي سمّيت «تفاصيل»، كامنة في أكثر من مكان، الا اذا كانت هذه التعقيدات سياسية تخفي اموراً وخفايا خلف الأكمة، علماً انّ بعض الاصوات تؤشّر الى ذلك، بين فريق يرى انّ ما يسمّيها

«المطالب التعجيزية» هي محاولة واضحة لإطفاء وهج العهد الرئاسي الجديد ووضع العصي في دواليب انطلاقته، وبين فريق يرى انّ هناك فريقاً يسعى الى التعطيل وعدم التسهيل تبعاً لعدم فهمه – حتى الآن – معنى التسوية التي حصلت وحجمها، وأنتجت الواقع الرئاسي والحكومي الجديد، وبين فريق يُلقي مسؤولية التعطيل على فريق يقصد تدجين العهد في مستهلّ انطلاقته، بدليل بعض العروض العسكرية التي طَفت فجأة على السطح، وانطوَت على رسائل داخلية، على حدّ ما يقول هؤلاء.

وامّا التعقيدات التي صار إسمها تفاصيل فهي، وكما يحددها عاملون على خط التأليف، كامنة في المواقع التالية:

– في عقدة تمثيل «القوات اللبنانية» لناحية عدد الحقائب الوزارية التي ستُسند لها، ونوعيتها، وهو أمر ينبغي ان يبتّ فيه ما بين «التيار الوطني الحر» و«القوات» من جهة، وما بين تيار «المستقبل» و«القوات»، ومع سائر الاطراف.

– عقدة تمثيل «الكتائب»، حيث ما يزال هناك من يقول بتجاوز هذا التمثيل تبعاً للموقف الذي اتخذه الحزب ضد انتخاب عون رئيساً للجمهورية.

– عقدة تمثيل الحزب «القومي» حيث ما يزال هناك من يرفض إشراكه، وفي حال إشراكه فهذه الشراكة لن تكون من ضمن الحصة المسيحية بل يجب ان تكون من ضمن الحصة الشيعية.

– عقدة تمثيل شخصيات سنية خارج «المستقبل» وخصوصاً من كانت ضمن 8 آذار. والمطروح هنا من دون ان يبتّ في مبدأ التمثيل بعد، إسما الوزيرين السابقين عبد الرحيم مراد وفيصل كرامي.

– عقدة تمثيل تيار «المردة» حيث ما زال يخضع هذا التمثيل لتجاذب بين من قائل بعدم التمثيل وبين قائل بضرورته، وإن أُشرِك بين قائل بإسناد وزارة أساسية له، وبين قائل بإسناد وزارة متواضعة، فيما النائب سليمان فرنجية يصرّ على وزارة اساسية رافضاً الطرح التي قدّم بتولّي «المردة» وزارة التربية. ومعلوم انّ فرنجية يتكىء في موقفه على دعم واضح من بري و«حزب الله» اللذين أعلنا صراحة ضرورة إنصافه بحقيبة مهمة، ورفض تحجيمه على حساب تضخيم أحجام آخرين، ورَبطا مشاركتيهما في الحكومة بمشاركته.

– عقدة إعادة الاعتبار الى حصة النائب وليد جنبلاط، الذي يشعر انها تتعرض للتآكل والتقزيم، بل وتخفيض رتبة حقائبه او حقيبتيه الوزاريّتين من وزارتين إحداهما مهمة، الى وزارتين ثانويتين. ويبدو انّ جنبلاط قد عبّر هذا الشعور في تغريدة أطلقها امس، وفيها صورة «غوريللا»، تاركاً لسائر الاطراف ان يسألوا عمّن هو المقصود في هذا الرسم؟

حركة مشاورات

وعلمت «الجمهورية» انّ الساعات الماضية شهدت حركة مشاورات ما بين عين التينة و«بيت الوسط» تولّاها الوزير علي حسن خليل الى جانب بروز دور للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي زار بري والتقى خليل، في وقت كانت اتصالات التأليف تركز على محاولة حسم الوزارة الاساسية التي ستسند لـ«القوات» وكذلك الوزارة الاساسية التي ستسند لـ«المردة».

واكدت المصادر انّ حقيبة العدل حسمت لجنبلاط فيما يجري البحث حول وزارات الطاقة والاتصالات والتربية، علماً انّ الحريري سبق واكد انّ وزارة الاتصالات تُسند الى «المستقبل» كما انّ فرنجية رفض وزارة التربية.

بري

وكان بري اكد انّ منسوب الايجابية أعلى من السلبية التي تكمن فقط في بعض التفاصيل. وأبدى تفاؤله بتشكيل الحكومة وجدّد تمسّكه بوزارة الاشغال. ونقل النواب عنه قوله: «هناك ورشة عمل تنتظر الحكومة الجديدة وفي مقدمها درس وإقرار قانون جديد للانتخابات»، مؤكداً انّ «هذا الموضوع يبقى على رأس المواضيع التي يجب إنجازها تمهيداً للانتخابات النيابية المقبلة».

باسيل

والأمر نفسه أكد عليه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الذي أشار بدوره الى انّ الاتفاق تمّ «على الاجزاء الاساسية والكبيرة ما عدا بعض التفاصيل التي يمكن ان تكون مهمة لدى البعض وأقل أهمية لدى البعض الآخر، وبالتالي لا سبب فعلياً لتأخّر اعلان الحكومة».

وإذ اشار الى انّ الحكومة هي من 24 وزيراً، كان لافتاً قوله «في هذه الحكومة لا أعراف ولا حجز وزارات لا لطوائف ولا لأحزاب لأنها حكومة انتقالية وليست معياراً»، وكذلك رفضه «الفيتو على أحد، أكان على مستوى التمثيل او نوع الحقيبة، الّا انّ هناك اعتبارات معينة ضمن ظرف سياسي معين لإراحة الجو العام».

«القوات»

وكان لافتاً للانتباه موقف عضو كتلة «القوات» النائب أنطوان زهرا الذي قال انّ مشكلة «القوات» ليست مع بري، «بل إنّ حقوقنا لدى رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية». وأكّد أنّ «القوات» تنازلت كفاية، ولن تتنازل من الآن وصاعداً».