IMLebanon

«هولوكوست» حلب تستعر.. والعالم ضمير غائب

طهران تخشى اتفاقاً روسياً ـ أميركياً «تحت الطاولة» يتجاهل مصالحها

«هولوكوست» حلب تستعر.. والعالم ضمير غائب

إنها «هولوكوست» بكل ما في الكلمة من وجع، تزيده مرارة حقيقة أن العالم يقف متفرجاً وليس عجزاً بالتأكيد، إنما تواطؤاً بانتظار أن يرسم الدم السوري خارطة مصالح جديدة في المنطقة. فالهدنة الروسية ـ الأميركية التي أسقطها نظام بشار الأسد، بتغطية من موسكو، فتحت أبواب الجحيم على حلب التي تتعرض منذ أيام لغارات أسدية ـ روسية من دون انقطاع، موقعة كل يوم عشرات الضحايا من المدنيين تحت أنقاض منازلهم، مع استخدام أفتك أسلحة الدمار بما في ذلك قنابل ارتجاجية تزن الواحدة منها 2000 كيلوغرام وتحدث هزة أرضية على مساحة كبيرة.

وبينما الـ«هولوكوست» الحلبية تشتد، كانت طهران، الشريك الفاعل في الجريمة السورية، مشغولة بخوفها من اتفاق روسي ـ أميركي «تحت الطاولة» يتجاهل مصالحها، هي التي استثمرت الكثير من خيرات الشعب الإيراني في حماية «ديكتاتور دمشق»، وهو ما عبّر عنه الجنرال يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي.

فعلى الرغم من الاجتماعات المكثفة والاتصالات المتتالية التي يعقدها أطراف المجتمع الدولي ابتداء بالولايات المتحدة وروسيا المعنيتين مباشرة بالملف السوري، مروراً بمجموعة الدعم الدولية التي اجتمعت أخيراً من دون أي نتيجة تُذكر، وليس انتهاء بالجمعية العامة للأمم المتحدة ومناشدات مسؤوليها وتحميلهم بشار الأسد مسؤولية الجرائم في الساحة السورية، فقد غرقت الأحياء الشرقية المحاصرة من مدينة حلب في شمال سوريا في جحيم الغارات الكثيفة التي شنتها طائرات سورية وروسية، متسببة بدمار هائل ومقتل أكثر من مئة مدني بعد ساعات من إعلان قوات الأسد بدء هجوم في المنطقة، في نعي مباشر وصريح لاتفاق الهدنة الذي كان وزيرا خارجية الولايات المتحدة جون كيري وروسيا سيرغي لافروف اتفقا عليه.

وفاق عدد الضحايا في مدينة حلب وريفها من جراء غارات الطائرات الأسدية الروسية المئة قتيل، حيث شنت الطائرات مئات الغارات الجوية على أحياء المدينة المحاصرة ومدن وقرى وبلدات الريف الغربي والشمالي والشرقي للمدينة.

وفي مدينة حلب نفسها استهدفت الطائرات الروسية والأسدية الأحياء المحاصرة بالقنابل الفوسفورية والعنقودية والبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، كما استخدمت الصواريخ الارتجاجية للمرة الأولى ما أدى لسقوط عشرات الشهداء والجرحى.

وأكد ناشطون أن الطائرات ضربت عشرات الأحياء المحاصرة، ما أدى إلى سقوط 3 شهداء في الفردوس و4 في طريق الباب و8 في الأنصاري و15 في الكلاسة و7 في القاطرجي و6 في باب النيرب و5 في الصالحين و6 في المرجة و3 في المعادي وشهيد في كرم حومد وشهيد في الشيخ خضر وشهيدين في الصاخور، بالإضافة لسقوط عشرات الجرحى.

كما تسببت الغارات التي ضربت المدينة أيضاً بخروج مراكز للدفاع المدني عن الخدمة، علماً بأن محطة مياه باب النيرب خرجت عن الخدمة مساء أمس بعد استهدافها من قبل الطيران الروسي.

وفي الريف الغربي أغارت الطائرات على نقاط عديدة ولا سيما على بلدة بشقاتين حيث سقط 19 شهيداً بينهم 10 أطفال من عائلة واحدة.

أما في الريف الشمالي فقد وثق ناشطون سقوط 3 شهداء وعدد من الجرحى من جراء غارات جوية على بلدة كفرحمرة.

وإلى الريف الشرقي سقط 20 قتيلاً في صفوف المدنيين من جراء الغارات الجوية التي استهدفت منازل المدنيين في مدينة الباب الخاضعة لسيطرة تنظيم «داعش».

وأفاد الناشطون أن القنابل التي استخدمت هي من نوع القنابل الارتجاجية، لكونها تتسبب بعد انفجارها باهتزاز الأرض في مساحات واسعة من المدينة ودمار كبير في المناطق المستهدفة.

وقال ضابط في الجيش السوري الحر إن طائرات النظام والطيران الروسي قصفت أحياء مدينة حلب صباحاً بقنابل ارتجاجية شديدة التدمير والاختراق وأحدثت دماراً واسعاً في الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة وتسببت بسقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين«. وأوضح أنها تستخدم بشكل رئيسي لضرب الملاجئ الأرضية والأنفاق والأماكن شديدة التحصين وتتكون حشوتها المتفجرة من خليط لمادة «تي أن تي» ومسحوق الألمنيوم وتزن الواحدة منها حتى ألفي كيلوغرام، وتصدر بعد انفجارها صوتاً قوياً وتتسبب بهزات أرضية متقطعة نتيجة لمكوناتها وضخامتها.

وأشار المتحدث الى أن القنابل التي يتحدث عنها لم تُستخدم سابقاً في المناطق المأهولة وإنما تم استخدامها مثلاً من قبل الطيران الأميركي في قصف مواقع «القاعدة» في جبال أفغانستان ولاحقاً العراق.

ونشر مركز «حلب الإعلامي» مقاطع فيديو وصوراً لآثار الدمار الكبير الذي حل بالأحياء التي تعرضت للقصف بالقنابل الارتجاجية، وأظهرت مشاهد مروعة حجم الدمار الذي أحال أبنية سكنية إلى أكوام من الركام.

وأفادت منظمة أطباء بلا حدود أن المستشفيات التي تدعمها «تلقت في يومين 145 جريحاً«، مضيفة «نعلم بأن الجرحى والمرضى في العديد من الأحياء لا مكان يذهبون اليه وهم ببساطة متروكون للموت».

وندد الائتلاف السوري المعارض في بيان بتنفيذ «نظام الأسد والاحتلال الروسي حملة إجرامية من القصف الجوي المسعور، مستهدفاً الأحياء السكنية المحاصرة لمدينة حلب»، منتقداً صمت المجتمع الدولي.

وفي السياسة قال البيت الأبيض إن صدقية روسيا مهددة بشدة بعد الهجوم الأخير لقوات الأسد في حلب، وأوضح أن موسكو مسؤولة عن ضمان التزام الاسد بوقف إطلاق النار قصير الأجل.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست في إفادة صحافية «إن روسيا تستحق اللوم، وإن كان لهذا الاتفاق مستقبل ينبغي لروسيا أن تضاعف جهدها وتثبت ذلك«.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري في ختام لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف في نيويورك أن «هناك تقدماً محدوداً جداً» لحل الخلافات المتعلقة بالأزمة السورية. وقال كيري «التقيت وزير الخارجية (لافروف)، لقد حققنا تقدماً محدوداً جداً(…) نجري تقويماً لبعض الأفكار المشتركة بطريقة بناءة».

واعتبر لافروف من على منبر الأمم المتحدة أن «من الأساسي» الحفاظ على الاتفاق الموقع في 9 أيلول مع كيري بجنيف لفرض وقف لإطلاق النار في سوريا مدة سبعة أيام قبل أن ينتهي العمل به الاثنين.

وفشلت المجموعة الدولية لدعم سوريا الخميس في تمديد العمل باتفاق الهدنة في سوريا.

ولم يتحدث كيري صراحة عن فشل لكنه لم يخفِ تشاؤمه بشأن استئناف المفاوضات السياسية حول سوريا.

وفي سياق آخر، قال الجنرال يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إن «هناك اتفاقاً أميركياً – روسياً يجري تحت الطاولة بشأن سوريا يتجاهل مصالح إيران».

وأكد صفوي في برنامج تلفزيوني مساء الخميس، أن «إيران تخشى أن يخدع الأميركيون الروس في هذا الاتفاق، بما يحقق المصالح الأميركية ويتجاهل مصالح إيران في سوريا«.

ووفقاً لوكالة «مهر» الإيرانية شبه الرسمية، فقد طلب صفوي من الساسة الإيرانيين أن يكونوا يقظين لكي لا تحصل طهران على حصة أقل من هذا الاتفاق الذي يجري بين واشنطن وموسكو» على حد تعبيره.

وأضاف المستشار العسكري للمرشد الإيراني والقائد السابق للحرس الثوري، أن «الثقة لا معنى لها في عالم السياسة، ولذا على إيران أن تلاحظ مصالحها في هذا العالم«. وتابع أن القوى الرئيسية التي تدير المعارك في سوريا هي القوات السورية والإيرانية وحزب الله، وزعم أن دور الروس يقتصر على «الإسناد الجوي» فقط، لكنه أكد أن «المعلومات الاستخباراتية تصل لهذه القوات عن طريق القوات البرية الروسية أيضاً».