IMLebanon

أي علاقة بين ترشيح فرنجية ومستقبل الأزمة السورية؟

أي علاقة بين ترشيح فرنجية ومستقبل الأزمة السورية؟

جعجع يستعين بـ«الصدم» في مواجهة «صدمة» الحريري

عماد مرمل

لم يعد سراً أن النائب سليمان فرنجية بات مرشح الرئيس سعد الحريري لرئاسة الجمهورية.

وهناك من يتوقع أن يبادر رئيس «تيار المستقبل» قريبا الى الإعلان رسميا عن ترشيح رئيس «تيار المردة»، كي يُبنى على الشيء مقتضاه، كما أوضح فرنجية نفسه بعد انتهاء جلسة الحوار أمس!

حتى ما قبل «لقاء باريس» كان هذا الطرح يبدو ضرباً من ضروب الخيال السياسي، على قاعدة ان من يرفض انتخاب ميشال عون لن يقبل بسليمان فرنجية الأكثر جذرية في تحالفه مع سوريا ـ الاسد، وصاحب «الأقدمية» في علاقته مع المقاومة، قبل أن يتبين أن للحريري وحاضنته الاقليمية والدولية حسابات من نوع آخر.

ليست فقط قوى «14 آذار» هي التي فوجئت بـ «انقلاب» الحريري، بل حتى فريق «8 آذار» بوغت بـ «النقلة» غير المتوقعة لرئيس «تيار المستقبل» فوق رقعة الشطرنج الرئاسية، الى حد أنه نُقل عن أحد قياديي «8 آذار» قوله: لقد أعطونا أكثر مما كنا نتوقع.. صحيح أننا كنا نسعى الى انتخاب رئيس من صفوفنا، لكننا لم نكن ننتظر أن يذهبوا بعيدا الى هذه الدرجة..

وفي المقابل، تتخذ الصدمة والدهشة في صفوف بعض شخصيات «14 آذار» شكلاً آخر، كما يتبين من رد فعل نائب «متشدد» في «تيار المستقبل»، نُقل عنه قوله: يبدو أن سليمان فرنجية كان وزيراً للثقافة لا للداخلية عندما جرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وإذا كان البعض في «8 و14 آذار» لا يزال يدقق في حيثيات قرار الحريري المفاجئ بدعم خيار انتخاب فرنجية، إلا ان العارفين بما دار في كواليس باريس يؤكدون ان الحريري لا يناور في دعم وصول فرنجية الى الرئاسة، انطلاقاً من قناعة لديه بـ «ضرورة الإسراع في إعادة الانتظام الى النظام، وتصحيح نصابه الدستوري وتوازناته الدقيقة، قبل وقوع الانهيار الكبير الذي لن ينفع بعده البكاء على الأطلال».

ويعتبر «الواقعيون» في «المستقبل» أن المواقف الأخيرة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله والتي أكد فيها احترام اتفاق الطائف، وأهمية إنتاج تسوية شاملة تحت هذا السقف، شجعت الحريري على فتح كوة في جدار الأزمة الرئاسية.

ولا يخفي هؤلاء «الواقعيون» أن انعطافة الحريري تمت بتغطية أميركية – سعودية، لكنهم في الوقت ذاته لا يملكون تفسيرا حاسما وقاطعا لأبعاد الموقف السعودي، وإن تكن الفرضية الأقوى التي يرجحونها هي «أن الرياض تتوقع رحيل بشار الاسد بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي سيتم الاتفاق عليها، وبالتالي لا بد من «رئيس استباقي» في لبنان يكون قادرا على طمأنة حلفاء سوريا ولملمة الوضع الداخلي بعد التحولات الكبرى المرتقبة».

بالتأكيد، يخالف المتحمسون لفرنجية هذه النظرية غير «المطابقة للمواصفات»، إلا أنهم لا يشغلون بالهم بالتدقيق في خلفيات القرار السعودي، ويفضلون أن يتعاملوا معه، كما هو، بمعزل عن النيات الكامنة خلفه.

ولا يتردد المقربون من «تيار المردة» في التأكيد أن فرنجية الذي لن يتخلى يوماً عن ثوابته وقناعاته، سيكون في الوقت ذاته رئيسا لكل اللبنانيين وضامنا للجميع، «وليس صحيحا ان الحريري يحتاج الى تطمينات بعدم إزاحته لاحقا من رئاسة الحكومة، ذلك ان وجوده في السرايا هو شرط موضوعي من شروط إنجاح عهد فرنجية، انطلاقا مما يمثله على مستوى ضرورات الشراكة الوطنية».

والمعادلة بالنسبة الى المتفائلين بلقاء باريس واضحة: فرنجية رئيسا للجمهورية، والحريري رئيسا للحكومة. انها ثنائية الضمانات التي من شأنها أن تحقق للبنان استقرارا طويل المدى، وان تجعل تركيبة الحكومة المقبلة وقانون الانتخاب الجديد أقل تعقيداً. هذه المرة، لن تُستمد الضمانة للقلقين في «8 و14 آذار» من النصوص وحسابات الأكثرية والأقلية، بل من الحيثية التي يمثلها كل من فرنجية والحريري، كما يؤكد المبشرون بهذه الثنائية.

الحريري.. والحلفاء

يدرك الحريري أن مهمة تسويق اسم فرنجية لن تكون سهلة لدى حلفائه المسيحيين، ولعل الجانب الأصعب في «مغامرته» يتصل بكيفية إقناع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بالموافقة على انتخاب خصمه التاريخي رئيساً للجمهورية اللبنانية.

وبهذا المعنى، سيكون على الحريري أن يخوض عاجلا أم آجلا نقاشا مع جعجع حول ثمن القبول باسم فرنجية، تماما كما ان رئيس «المردة» سيكون معنياً بنقاش مشابه مع عون حول «الأكلاف»، الأمر الذي يطرح تساؤلا حول مدى قدرة طرفي لقاء باريس على تسديد ضريبة «القيمة المضافة «التي ستترتب على شاغل الموقع الرئاسي وداعميه.

وبرغم التواصل المفتوح هاتفياً بين الحريري وجعجع، منذ لقاء باريس، إلا أن كل المؤشرات المنبعثة من معراب تفيد بأن جعجع يستعد لمواجهة «صدمة» ترشيح الحريري لفرنجية بقوات «الصدم» السياسي.

ويؤكد العارفون أن رئيس «القوات» منزعج كثيرا من مبادرة الحريري الى طرح اسم فرنجية للرئاسة، معتبرا انها تنطوي على خطأ استراتيجي غير مبرر وغير مفهوم، خصوصا أن التطورات في المنطقة عموما، وفي سوريا خصوصا، لم تكن تستدعي، برأيه، تقديم تنازل بهذا الحجم الى الفريق الآخر.

هذا في المضمون، أما في الشكل فإن جعجع ممتعض من محاولة الحريري فرض أمر واقع عليه، عبر ترشيح فرنجية، من طرف واحد، ومن دون التشاور المسبق معه، كما تقتضي أصول العلاقة بين الحلفاء.

كما أن جعجع لم يكن مرتاحاً الى نمط «الاستدعاءات» الذي اتبعه رئيس «المستقبل» لإبلاغ حلفائه بمحتوى اجتماعه بفرنجية، ما يفسر أن رئيس «القوات» تجنّب الذهاب الى العاصمة الفرنسية للقاء الحريري، منطلقاً من أن حيثيته التمثيلية والقيادية تستوجب أسلوباً مغايراً في التعاطي معه.

وما يُسمع همساً في معراب، يستكمله في المجالس الخاصة مصدر بارز في صفوف مسيحيي «14 آذار»، يُنقل عنه اعتباره أن قرار ترشيح فرنجية يرتكز على حسابات سياسية خاطئة، مشيرا الى ان حرب الاستنزاف طويلة في سوريا، وبالتالي فإن الأسد لن يسقط ولن ينتصر في المدى المنظور، «ما يعني انه لم يكن هناك مبرر لكي يصرخ الحريري باكراً في لعبة عض الأصابع».

ويؤكد المصدر أن بمقدور عون وجعجع تعطيل تفاهم الحريري – فرنجية، لافتا الانتباه الى أن بحوزة طرفي «إعلان النيات» أوراقاً عدة قابلة للاستخدام، عندما تستدعي الضرورة ذلك، ومعرباً عن اعتقاده أن زعيمي «التيار الحر» و «القوات اللبنانية» سيزدادان تقارباً في مواجهة الأمر الواقع الذي يراد فرضه عليهما.

ويعتبر المصدر أن الخيار يجب أن يصنع القرار لا العكس، وبالتالي فإن خيارات «14 آذار» يجب ان تقود الى اختيار مرشح، لا يكون على الاقل خصما لها من طراز فرنجية.

ويلفت المصدر الانتباه الى انه من السوريالية بمكان ان يصبح أحد رموز «14 آذار»متحمساً لترشيح فرنجية ومروّجاً له، وان يتطوع لإقناع حلفائه بهذا الترشيح، الى حد ان الحريري بات يبدو كأنه يخوض معركة فرنجية.

وينبه المصدر الحريري الى أنه لن يصمد طويلا في رئاسة الحكومة، إذا انتُخب فرنجية، وان سيناريو الانقلاب عليه في عهد ميشال سليمان سيتكرر في عهد سليمان فرنجية، «الذي سيضمن ولاية كاملة لست سنوات، بينما لن يكون بمقدور الحريري أن يضمن رئاسة الحكومة لأكثر من ستة أشهر»!

ويضيف المصدر: إذا أصرّ الحريري على قراره، فإن «14 آذار» ستنتهي وبالتالي فإن العلاقة بين «القوات» و «المستقبل» لن يبقى لها مسوّغ.