IMLebanon

الطبقة السياسية مرتبكة.. و«الحراك» سيعلن شعاراته وقيادته

الطبقة السياسية مرتبكة.. و«الحراك» سيعلن شعاراته وقيادته

«عامية بيروت» لمحاصرة «أهل الحوار»: الأولوية للانتخابات

كتب المحرر السياسي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الرابع والسـتين بعد الأربعمئة على التوالي.

ولبنان ليس جزيرة مفصولة عن محيطها ولا هو مجرد متلق لارتدادات الإقليم، بل ثمة مفارقة متصلة بدور حزب لبناني لا يستطيع أحد تجاهل دوره في صياغة التوازنات الإقليمية، بمعزل عمن هو ضد هذا الدور أو يتحمس له أو يقف على الحياد.

وها هي «عامية بيروت» أو «انتفاضة التاسع والعشرين من آب» على موعد جديد، اليوم، مع جمهورها، للإفصاح عن مضمون خطواتها المتدحرجة في المرحلة المقبلة، في ضوء المهلة التي أعطتها للحكومة لتنفيذ مطالبها المتعلقة بملف النفايات وما رافق التحركات الأولى من أعمال قمع موصوفة.

هذه الانتفاضة إن دلت على شيء، إنما تدل على افتقاد النظام اللبناني لدعامتين أساسيتين، لطالما شكلتا ضامناً وحامياً تاريخياً له.

الدعامة الأولى، هي الحماية الإقليمية (والدولية ضمناً)، وثمة محطات كثيرة منذ الاستقلال حتى الآن، تشي بـ «تبرع» النظام الإقليمي لتوفير الحماية تبعاً للوظيفة أو الدور التاريخي للنظام اللبناني، وفي الوقت نفسه، كيف كانت تختل المعادلة الداخلية عند أي اختلال في المعادلات الإقليمية، فيدفع لبنان واللبنانيون كبير الأثمان.

وإذا كانت مرحلة ما بعد الطائف قد شهدت استقراراً لبنانياً استمر حتى مرحلة الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، فإن حالة اللاحرب واللاسلم التي يشهدها لبنان منذ شباط 2005، أنتجت استقرار الحد الأدنى، برغم ما تخلله من ندوب وحروب، إلى أن تم إبرام التفاهم النووي وخوض السعودية حربها ضد اليمن، فإذ بالنظام الإقليمي برمته في حالة انعدام وزن، وبالتالي، هو أعجز من أي وقت مضى عن التفاهم على استنفار من شأنه توفير الحماية للنظام اللبناني المريض.

ولولا أن «حزب الله» (وظهيره الإقليمي ضمناً) هو صاحب المصلحة الأكبر بالاستقرار الداخلي، فإن النظام الإقليمي بمعطياته الراهنة، قادر على تفجير لبنان، من دون إغفال مردود عملية تصفية الحسابات ضمن البيت الخليجي الواحد، على الواقع اللبناني وهو ما ألمح إليه وزير الداخلية نهاد المشنوق، أمس، للمرة الأولى.

أما الدعامة أو نقطة القوة الثانية، فتتمثل في قدرة النظام على حماية نفسه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فإذا كانت هذه المنظومة التي أعقبت مرحلة تنفيذ الطائف قد شهدت تدميراً ممنهجاً للحياة السياسية وجعل البلد أسير محاصصة طائفية وميليشيوية مقنعة، فإن لبنان يدفع اليوم ثمن بلوغ أزمته الاقتصادية ـ الاجتماعية منعطفاً خطيراً جداً، تدل عليها الأرقام النائمة في أدراج المسؤولين حول النمو والتضخم والدين العام والعجز في المالية العامة والاختناق العقاري والبطالة وتراجع المشاريع الاستثمارية وغيرها، وهذه بضعة مؤشرات تدل على أن لبنان يواجه أزمة قد تطيح استقراره الاقتصادي والاجتماعي.

لا يمكن مقاربة ما يجري من حراك غير مسبوق في الشارع اللبناني منذ الطائف حتى الآن إلا من زاوية سياسية ـ اجتماعية، ولذلك، حسناً فعل القيمون على التحرك من مجموعات تنتمي إلى مشارب مختلفة، بأن قرروا العمل على توحيد رؤيتهم والسعي لإيجاد إطار جامع يتناسب وتاريخ 29 آب المفصلي، وذلك على طريق بلورة قيادة يومية موحدة، على أن تتوج حراكها بتحديد سقف تحركها السياسي.

وبدا واضحاً من خلال معطيات الاجتماعات الأخيرة، أن ملف النفايات كان أحد تعبيرات الفساد الفاضح الذي عمره من عمر «جمهورية الطائف»، لكن المليار وربع المليون دولار المنهوبة من صناديق بلديات لبنان (أرباح «سوكلين» وحدها)، لا تختلف عن المليارات المنهوبة من قطاع الكهرباء (خصوصاً تلزيمات الفيول) وتلزيمات الخلوي والهدر السنوي في قطاع الجمارك والاختلاسات المفضوحة في قطاعات المستشفيات والطرق وكل مشاريع البنى التحتية، ناهيك عن العديد من المرافق والمرافئ العامة.

يتفق القيمون على تحرك «طلعت ريحتكم» على أن ما جرى «يؤسس لخرق سياسي ما»، وأن السقف السياسي الواضح «صار مطلباً ملحاً في ضوء جملة سلسلة مؤشرات، إن دلت على شيء إنما تدل على ارتباك الطبقة السياسية كلها في مواجهة انتفاضة التاسع والعشرين من آب».

ومن بين هذه المؤشرات:

* توقيت الدعوة إلى استئناف جلسات الحوار الوطني في مجلس النواب وتجاوب معظم المعنيين بسرعة معها، وخصوصاً النائب سعد الحريري و «حزب الله»!.

* الهجمة الوقائية للقمة المسيحية دفاعاً عن النظام بكل مؤسساته، ويفترض أن تلاقيها قمة مسيحية ـ إسلامية تتبنى المضمون نفسه قريباً.

* محاولة «التيار الوطني الحر» التبرؤ من «شراكته الجزئية» مع أهل النظام منذ عشر سنوات حتى الآن، بالدعوة إلى تظاهرة تتبنى الشعارات نفسها، اعتقاداً منه بأن القيمين على تحركات «طلعت ريحتكم» يخالفون قانون «الحصرية» برفعهم شعاراته، والأنكى من ذلك ذهاب النائب نبيل نقولا إلى حد اتهام القيمين على التحركات بأنهم «مرتزقة وعملاء عند السفارات»، وهو موقف بدا «منسجماً» إلى حد كبير مع «مبادرته السبّاقة» بتعليق عضويته في مجلس النواب تضامناً مع التحرك قبل عشرة أيام!

* تلعثم «القوات اللبنانية» التي تشكر الله لأنها غير موجودة في الحكومة، لكنها تقدم نفسها في الوقت نفسه بوصفها من ألد المدافعين عنها وعن مجلس النواب والمؤسسات العسكرية والأمنية، ويبادر رئيسها سمير جعجع إلى نصيحة الحراك بتبني شعار «القوات»: «رئيس الجمهورية أولاً».. وإلا سترتد عليكم الأمور!

* تنحي وزير البيئة محمد المشنوق عن رئاسة لجنة النفايات الوزارية بطلب من رئيس الحكومة تمام سلام بعد استنجاده بالنائب وليد جنبلاط، طالباً إسناد المهمة للوزير الاشتراكي «الخبير» أكرم شهيب.

* إعلان وزير الداخلية أنه سيعلن غداً نتائج التحقيق في ما جرى من أحداث وتجاوزات، وتلميحه أمس للمرة الأولى إلى وجود جهات داخلية وخارجية تقف وراء أعمال الشغب (تمويلاً وتحريضاً) «وسيحين وقت الإعلان عنها عند اكتمال التحقيقات»!.

* تصريحات النائب وليد جنبلاط المرتبكة صعوداً ونزولاً، مع التحرك ودفاعاً عن الحكومة وضد الوزير نهاد المشنوق ومع الوزير محمد المشنوق الخ…

* حرص بعض المؤسسات، وخصوصاً قيادة الجيش، على النأي بنفسها عن كل «المجريات البوليسية» في ساحتي رياض الصلح والشهداء.

* عجز «تيار المســتقبل» تحديداً عن استنفار ماكينته الإعلامية والسياسية والتنظيمية للنزول إلى الشارع في معظم المناطق اللبنانية تحت عنوان «رفض التعرض لمقام رئاسة مجلس الوزراء»!.

هذه المؤشرات وغيرها رصدها القيمون على التحرك بطريقة إيجابية، وهم يعتبرون أنها تشكل أساساً للمضي إلى الأمام، على أن تلعب البلديات دورها في المرحلة الثانية عبر تحركات موضعية مناطقية، ستتبلور صورتها في غضون الساعات المقبلة.

ومن المرجح ألا يحدد القيمون على التحرك «الساعة الصفر» لتحركهم المركزي المقبل في العاصمة، إلا بعد أن يحدد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعد التئام طاولة الحوار في مجلس النواب، حيث ينتظر أن يكون هذا التاريخ «مفصلياً» من وجهة نظر المجموعات المدنية واليسارية والنقابية، بحيث سيصار إلى إحكام الطوق على كل مداخل ساحة النجمة، «مع إبقاء كل الخيارات مفتوحة، بما فيها خيار الاعتصام السلمي الدائم».

لماذا اختيار هذا التوقيت؟

يقول أحد القياديين إن كل المجموعات المنضوية في التحرك «لا تملك أوهاماً بإمكان تحقيق نتائج سريعة ولا بإسقاط النظام الطائفي، لكننا متفقون أننا أمام فرصة تحقيق خرق سياسي من خلال المطالبة بقانون انتخابي نسبي عصري، يمهد لإجراء انتخابات نيابية تتيح للشباب اللبناني أن يتمثل بوجوه جديدة قادرة على إطلاق ورشة وطنية ضد الفساد بكل مسمياته وأنواعه.. وركيزته هذا النظام الطائفي».