IMLebanon

13 نيسان 2016: خطوط التماس تتمدد.. والدولة تتبدد!

13 نيسان 2016: خطوط التماس تتمدد.. والدولة تتبدد!

رسالة دموية لـ«فتح» في صيدا .. والجيش ينبّه «الفصائل»

41 عاما مضت على الذكرى المشؤومة لاندلاع الحرب الاهلية المركّبة في لبنان، لكنها لم تكن كافية، بالنسبة الى كثيرين، لاستخلاص الدروس والعبر.

بعد مرور أربعة عقود ونيف على وقوع المأساة، تكاد تكون معظم شروط تجدد الحرب متوافرة: احتقان متراكم، تحريض متواصل، هواجس متبادلة، أزمة ثقة مستفحلة، حرمان جوّال، تهميش بالمداورة، مؤسسات متحللة، واصابع تتحيّن الفرصة المناسبة لتمتد الى الزناد او الخناق..

وإذا كان هناك من فارق بين الامس واليوم، فهو ان خطوط التماس التي كانت تشطر الطوائف في السابق، باتت حاليا تشطر المذاهب، وبدل «الشرقية» و«الغربية» او المسلم والمسيحي، صار هناك إصطفاف على اساس «الخلية الاصغر»: سنة وشيعة ودروز وموارنة وكاثوليك وارثوذكس وأرمن.. حتى نكاد نترحم على الماضي!

انها الحرب الاهلية الباردة، القابلة للانزلاق نحو الأسوأ، خصوصا ان أمراء السياسة والطوائف في لبنان يمعنون في الاستثمار فيها، لحماية إماراتهم، والمحافظة على استقطابهم لولاء «المحاربين الجدد» من الاتباع والرعايا.

ولئن كان العامل الفلسطيني قد حضر في «بوسطة عين الرمانة» في 13 نيسان 1975، فان المصادفات شاءت في 13 نيسان 2016 ان يحضر هذا العامل مجددا في المشهد اللبناني العام، عشية ذكرى نشوب الحرب.

ما تغير فقط هو ان «البوسطة» حلت مكانها سيارة عائدة لمسؤول حركة فتح في مخيم المية ومية، العميد فتحي زيدان المعروف بـ«الزورو»، والذي جرى اغتياله في وضح النهار.

وما حصل أمس عند مستديرة الانجيلية في أطراف صيدا على الطريق بين «المية ومية» و «عين الحلوة» لم يكن مجرد اغتيال. انه إنذار «شديد اللهجة» بان بركان الاحتقان في المخيمات الفلسطينية يقترب من لحظة الانفجار الكبير، ما لم يتم تداركه بإجراءات أمنية وسياسية.. فوق العادة.

وأغلب الظن، ان زواريب المخيمات لم تعد تحتمل هذا الازدحام والتدافع في «الاجندات» المتعارضة، في إطار صراع محموم على النفوذ والسلطة، ضمن مساحة جغرافية ضيقة ومكتظة بالسكان، سواء «القدامى» منهم، او الوافدين حديثا هربا من الحرب السورية.

فصائل متنافسة، صراع محاور في داخل بعض التنظيمات، أجهزة مخابرات متعددة الجنسيات، مصالح متضاربة، امتدادات خارجية، اموال سياسية، لائحة طويلة من المطلوبين للعدالة.. كلها صواعق تفجير يعيش بينها ومعها عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، من الاكثرية الصامتة التي غالبا ما تدفع الثمن الاكبر لـ «الحروب الصغيرة» التي تدور في المخيمات.

وفي حين يعاني اللاجئون الفلسطينيون من ظروف معيشية صعبة، ونقص في ابسط بديهيات الحياة الكريمة، يبدو في المقابل ان هناك فائضا من السلاح العبثي والمتفلت الذي يهدد بتشويه إضافي للقضية الفلسطينية.

والمفارقة، ان فتحي زيدان الذي قتل بتفجير عبوة ناسفة (1 كلغ) زرعت تحت مقعده في السيارة، هو صاحب سجل نظيف لدى الاجهزة الامنية اللبنانية، وكان متعاونا مع مخابرات الجيش في الجنوب، وليس معروفا عنه انه متورط بعداوات شخصية في «المية ومية» او خارجه، ما يعزز الاعتقاد بان المقصود من استهدافه، ليس اغتيال شخصه وحسب، وإنما إيصال رسالة عبره الى «حركة فتح»، في إطار حساب مفتوح بين الحركة وخصومها.

وأبلغت مصادر أمنية واسعة الاطلاع «السفير» انها ترجح فرضية ان تكون جهة فلسطينية سلفية متشددة هي التي تقف وراء اغتيال زيدان، عبر اختراق أمني من داخل مخيم المية ومية، لافتة الانتباه الى ان سجالا حادا كان قد وقع قبيل قرابة أسبوع بين القيادي في فتح ماهر الشبايطة وبعض القوى الاسلامية المتشددة التي استخدمت لهجة قاسية في هذا الاشتباك الكلامي.

وأشارت المصادر الى ان هناك نفوذا واسعا للمجموعات الفلسطينية المتطرفة في «المية ومية»، وحضورا فاعلا لها في «عين الحلوة».

وكشفت المصادر عن ان الشبهات تدور حول مجموعة محددة، معروفة بتطرفها وتناغمها مع «جبهة النصرة».

وأعربت المصادر عن مخاوفها من انتقال حرب الاغتيالات والتصفيات الفلسطينية – الفلسطينية، لاسيما بين «فتح» والسلفيين المتشددين، من داخل المخيمات الى خارجها.

وأكدت المصادر ان الفصائل الفلسطينية مدعوة الى تحمل مسؤولياتها واتخاذ قرار سياسي برفع الغطاء عن كل من يخل بالامن، محذرة من ان استمرار التهاون في التعامل مع الحالات النافرة قد يؤدي، مع تراكمها، الى انفلات الامور وبالتالي تفجير شامل للوضع، مع ما سيتركه ذلك من انعكاسات مدمرة على المخيمات، خصوصا «عين الحلوة.»

المخابرات للفصائل: احسموا..

وأمام تزايد الحوادث الامنية وعمليات الاغتيال في مخيم عين الحلوة، تبدو القوة الامنية المشتركة بقيادة منير المقدح امام اختبار صعب، وسط مآخذ متصاعدة على «أدائها الرخو»، من قبل الاجهزة الرسمية اللبنانية التي ترصد بدقة ما يجري في داخل المخيمات، علما ان الكلفة الشهرية لعمل هذه القوة (رواتب ومتطلبات) تتجاوز الـ200 ألف دولار.

وفي المعطيات المتوافرة، ان مخابرات الجيش في الجنوب تضغط على «اللجنة العليا» التي تضم قادة الفصائل، كي تفوّض القوة المشتركة المكونة من الاطراف الفلسطينية حسم أي إشكال على الارض، من دون الرجوع الى أحد لأخذ إذنه او رضاه، خصوصا ان هناك شكوى لدى المخابرات من ان حوادث عدة تجري لفلفتها او يتم التساهل مع مرتكبيها بسبب مداخلات من هذا الفصيل او ذاك.

وعُلم ان مخابرات الجيش نبهت قادة الفصائل الى ان استمرار التقصير او القصور في الامساك بالارض سيتسبب بمشكلة مع الدولة اللبنانية.

وتصر مخابرات الجيش على وجوب تسليمها كل المطلوبين والمرتكبين، من دون أي استنسابية او تمييز، بحيث لا يتم فقط تسليم المشتركين في حوادث فردية، بينما تجري محاولات من حين الى آخر للاكتفاء بتوقيف بعض مرتكبي الجرائم الحساسة لدى القوة المشتركة، نتيجة ضغوط تتعرض لها او تسويات تحصل معها.

وعلمت «السفير» ان مدير مخابرات الجيش في الجنوب العميد خضر حمود كان قد اجتمع أمس الاول الى مسؤولي الفصائل الفلسطينية، ومن بينهم زيدان، طالبا منهم الايعاز الى القوة الامنية المشتركة التشدد في تدابيرها واستخدام الحزم في مواجهة أي خلل.

وأكد حمود لممثلي الفصائل، وفق المعلومات، ان المطلوب منح القوة المشتركة الغطاء السياسي الكامل لفرض الامن بيد من حديد، من دون الحاجة عند كل حادثة الى استشارة المرجعيات السياسية والعسكرية في المخيمات، منبها الى ان «الامن بالتراضي» اثبت عدم جدواه.

وعُلم ان اتصالات مكثفة جرت بعد جريمة اغتيال زيدان بين حمود من جهة والسفير الفلسطيني في لبنان اشرف دبور وقيادات الفصائل من جهة أخرى، جرى خلالها التباحث في كيفية تفعيل عمل القوة المشتركة في المخيمات وكشف ملابسات التفجير الذي ادى الى مقتل زيدان.

وبينما وصف مسؤول قيادة الساحة اللبنانية في حركة «فتح» وفصائل منظمة التحرير فتحي ابو العردات الاغتيال بـ «الاستهداف الخطير»، وضع قائد القوة الأمنية المشتركة في لبنان منير المقدح اغتيال زيدان في اطار»الحملة الكبيرة على مخيم عين الحلوة»، مشددا على أن ما حصل هو استهداف لامن «فتح» في المخيمات الفلسطينية، «ونحن لن نسمح أن يأخذ أي فريق المخيمات رهينة».