IMLebanon

صراع الأولويات يهدّد بتمزيق «سلة آب»

بري غاضب.. وجنبلاط يتفهّم.. والسنيورة وجعجع «ممانعان»

صراع الأولويات يهدّد بتمزيق «سلة آب»

 

عماد مرمل

يبدو أن «أرنب» السلة المتكاملة الذي استعان به الرئيس نبيه بري لإنقاذ الاجتماع السابق لهيئة الحوار الوطني، لن يجد ما يكفيه من «الجَزْر السياسي» خلال عبوره «الغابة اللبنانية» في طريقه الى جلسات 2 و3 و4 آب المقبل، وذلك بفعل المقاربات المتباينة للمتحاورين، والتي من شأنها، إذا استمرّت على حدّتها، أن تثقب السلة.

ويُبين توزّع المواقف أثناء الجلسة الماضية وغداتها، ان هناك تجاذباً بين وجهتَي نظر: الاولى، تراهن على تسوية شاملة بـ «سعر الجملة» من خلال «سلة مقايضات» تحاكي دفعة واحدة ملفات رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب وتركيبة الحكومة الجديدة واللامركزية الادارية، والثانية ترفض هذا الطرح خشية تضمين «بطانته» نواة مؤتمر تأسيسي وتنادي باستخدام «المصعد» لبلوغ طوابق التسوية، الواحد تلو الآخر، على أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية هو الطابق الاول.

وأمام هذا الانقسام حول الحل، كما الازمة، لا يصعب الاستنتاج بأن «خلوة آب» لن تصنع المفاجآت، بل الأرجح أنها ستكون مسرحاً لعروض من الكرّ والفرّ بين «السلة».. و «المسلة»، ما لم يطرأ حتى ذلك الحين تطوّر نوعي في الإقليم يفرض إنجاز التسوية الداخلية، وعندها لن يكون مهماً شكلها.

بري: لم أخترع البارود

في هذا الوقت، لا يخفي الرئيس نبيه بري انزعاجه الشديد من حملة البعض على «السلة المتكاملة»، معتبراً ان إحدى غاياتها الاساسية منع النسبية.

ويلفت الانتباه، امام زواره، الى انه لم يخترع البارود أصلاً، وبنود «السلة» هي ذاتها المطروحة على جدول أعمال الحوار الوطني، منذ اليوم الاول، من رئاسة الجمهورية الى اللامركزية الادارية، مروراً بتفعيل العمل الحكومي وقانون الانتخاب، فكيف يوفق أصحاب الاعتراض بين مشاركتهم أصلاً في الحوار على أساس هذه البنود، وبين رفضهم «السلة» التي تنطوي على المحتوى ذاته؟

ويتابع: ليس صحيحاً أن «السلة» هي مرادف للمؤتمر التأسيسي، ثم لا أنا ولا «حزب الله» نسعى إلى مثل هذا المؤتمر، وإنني بكل صراحة أحذّر المتحاملين على السلة المتكاملة من أنهم يقودون لبنان بسلوكهم المتهوّر الى ما هو أسوأ من المؤتمر التأسيسي المزعوم، وتحديداً الى الفراغ الشامل الذي تصعب السيطرة على تداعياته.

ويضيف شارحاً وجهة نظره: أنا أخشى إذا بقينا على هذا المنوال من أن يأتي موعد الانتخابات النيابية ونصبح مضطرين الى إجرائها على أساس قانون الستين، كأمر واقع، من دون أن يكون هناك رئيس للجمهورية وحكومة، ما سيؤدي الى حالة من الفوضى الدستورية، فهل هذا ما يريده أصحاب الأوهام؟

ويعتبر بري ان الواقعية السياسية تفضي الى الاستنتاج بانه لن يكون لدينا رئيس للجمهورية من دون السلة المتكاملة، «علماً انني شخصياً مع انتخاب الرئيس فوراً، امس قبل اليوم واليوم قبل الغد، ولكن ثبت حتى الآن أن ذلك غير ممكن، تماماً كما حصل في الدوحة عام 2008، إذ لو لم يتم التوافق آنذاك على قانون الانتخاب والحكومة لما جرى انتخاب ميشال سليمان رئيساً، مع العلم بأن اسمه كان متداولاً قبل الذهاب الى قطر، إلا ان الظرف المؤاتي لانتخابه لم ينضج إلا بعد التفاهم على السلة المتكاملة في أعقاب أحداث 5 و7أيار».

ويتساءل بري: لماذا ما كان يصح قبل سنوات، بات لا يصح الآن؟ ولماذا «الدوحة اللبنانية» متعذرة او ممنوعة.. هل المطلوب وجود أمراء حتى يتجاوب البعض معها؟

وتعليقاً على تلميح بعض شخصيات «14آذار» الى ان بري ينفذ طلبات «حزب الله»، وأن اقتراح السلة يقف وراءه الحزب، يجيب رئيس المجلس: يربطني بحزب الله تحالف استراتيجي، ولكن الله وحده يمون على نبيه بري. أنا أتعاون وأنسق مع الحزب في أمور كثيرة، إنما لا أنا ولا الحزب ألعوبة في يد أحد، والعلاقة بيننا تستند الى الاحترام المتبادل.

السنيورة: أكثر من تفسير للمصطلح

أما رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة، فأبلغ «السفير» أنه غير معني بمصطلح «السلة» الذي يمكن أن يحتمل أكثر من تفسير، مشدداً على ان المطلوب من هيئة الحوار الوطني استكمال بنود جدول الأعمال المقرر لا أكثر ولا أقل، ومضيفاً باستهجان: أصلاً، ماذا تعني «السلة».. وما هو المقصود منها حقاً؟

وحين يقال له إن المتحمّسين لـ «السلة» يفترضون أنها تسمح بتحقيق حل متكامل يشمل رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب والحكومة، على غرار ما جرى في الدوحة، يجيب: أين الدستور من هذا الكلام؟ وماذا عن الاستشارات النيابية التي ينص عليها لتشكيل الحكومة على سبيل المثال؟ بالنسبة إليّ، أداة القياس الوحيدة التي أعترف بها وأركن إليها هي الدستور حصراً.

وينفي السنيورة علمه بأن تكون هناك سلة كاملة قد جرى التفاهم عليها داخل اجتماعات مؤتمر الدوحة، «أما ما الذي حصل خارجها فهذا شأن آخر»، ويتابع: ثم، أي نموذج عظيم هو نموذج الدوحة حتى نكرّره؟

ويُعيد السنيورة التأكيد بأن مفتاح الأبواب المغلقة يكمن في انتخاب رئيس الجمهورية فوراً، متفادياً الحكم المسبق على الاجتماعات المتلاحقة لهيئة الحوار في 2 و3 و4 آب المقبل، قائلاً: ما أعرفه هو أن أي أمر على طاولة الحوار يحتاج الى التوافق، وكما انني لا أستطيع أن أفرض رأيي على الآخرين، لا يمكن للآخرين أن يفرضوا آراءهم عليّ.

جنبلاط: لا بديل عن السلة

يتعارض كلام السنيورة مع موقف النائب وليد جنبلاط الذي يقول لـ «السفير» إن الهجوم الذي تشنه قوى على «السلة المتكاملة» هو غير مبرّر، ويهدف الى عرقلة جلسات الحوار وجعلها غير مجدية، «وأنا أعارض موقف رافضي «السلة»، خصوصاً أنه لا يوجد بديل ملموس عن هذا الطرح».

ويؤكد جنبلاط انه داعم لطرح الرئيس بري، «وسأحاول أن أساعده قدر ما استطيع، علماً انني لا أعرف بعد كيف سنتمكن من إحداث الخرق المطلوب في جدار الازمة، خصوصاً ان ظروف مؤتمر الدوحة عام 2008 تختلف عن تلك السائدة حالياً، ولكن لا بد برغم ذلك من مواصلة الحوار.»

جعجع: من مشكلة إلى مشكلات

في المقابل، يعتبر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن السلة المتكاملة تصعّب الحلول ولا تسهلها، «لأنه بدلاً من أن نكون في مواجهة مشكلة واحدة هي الرئاسة، سنصبح في مواجهة مجموعة مشكلات متراكمة».

ويقول جعجع لـ «السفير» إنه يحبذ اعتماد التسلسل الطبيعي والمنطقي للأمور، من دون تعقيدات او اجتهادات ليست في محلها، لافتاً الانتباه الى ان الاولوية البديهية والتلقائية في هذه المرحلة هي لانتخاب رئيس الجمهورية، فلماذا نحاول تجاهلها ونقفز الى سلة محشوة بمسائل خلافية ومستعصية، يحتاج حل كلٍّ منها الى جهد خارق، فكيف إذا كانت مجتمعة؟

ويرى جعجع ان المسار الصحيح والمتدرج لمعالجة الأزمة المركبة يبدأ من انتخاب الرئيس فوراً، يليه تشكيل الحكومة، ثم إقرار قانون الانتخاب، وإجراء الانتخابات النيابية.

ويلفت جعجع الانتباه الى أنه «مضى سنوات على النقاش حول قانون الانتخاب من دون ان نصل بعد الى نتيجة، ومضى أكثر من سنتين على الشغور الرئاسي من غير ان نملأه حتى الآن بالرئيس المناسب، اما البحث في تركيبة الحكومة المقبلة فكلنا يعرف كم يمكن ان يستنزف من الوقت والجهد، وعليه، لا يوجد سبب مقنع كي نتورط بحمولة زائدة من هذا النوع، في حين أن بمقدورنا أن نتدرج في المعالجة، وفق التسلسل المفترض للاولويات».

ويتساءل: أليس من الافضل ان نأكل العنب الموجود في السلة حبة بعد حبة، بدلاً من أن نغوص في كومة شوك؟

ويشير الى انه إذا كان هناك مَن قاطع في السابق جلسات المجلس النيابي تخوفاً من احتمال انتخابي رئيساً للجمهورية، فإن هذه الفرضية لم تعد قائمة، بل ان المرشحين الاثنين المطروحين حالياً هما من «8 آذار» وبالتالي لم يعد يوجد مبرر داخلي لدى هذا الفريق ومن يحرّكه للامتناع عن الحضور الى المجلس، مشدداً على ان «القوات» لا تزال عند دعمها للعماد ميشال عون، والمطلوب من «حزب الله» أن يثبت مصداقيته في تأييده.

وحين يقال له إن الرئيس بري يرفض مقولة «القوات» بان «حزب الله» يستطيع لو أراد ان يفرض عليه التصويت لعون، يرد جعجع: أقصى أمنيتنا، بل حلمنا ان يكون العكس هو الصحيح، وعندها أمور كثيرة في لبنان تُحَل..