IMLebanon

حتى لا تنهب إسرائيل و«المافيا» نفط لبنان

كتب المحرر السياسي:

لا يأتي عيد الفطر، غدا، سعيدا كما يشتهيه الصائمون. يأتي ممتزجا بمنسوب من الخوف مما يحمله كل فجر ومساء في ضوء «الفدية» التي دفعتها بلدة القاع البقاعية بالنيابة عن كل لبنان.

عيد تزنّره مخاوف من تسلل الظلاميين لحرمان الأطفال بهجتهم.. والشهداء مواعيدهم مع ورود أحبتهم. كل الرهان على قوى عسكرية وأمنية مستنفرة بكل طاقتها لحماية البلد، وكل الرهان على أن يكون كل مواطن خفيرا إذا اشتبه بظلامي، من دون مبالغات عنصرية، خصوصا أننا نقترب من عشية الذكرى العاشرة لحرب تموز، يوم استقبل السوريون أهل لبنان في بيوتهم ومدارسهم وفتحوا لهم قلوبهم.. وما قصروا في صغيرة أو كبيرة معهم.

يأتي العيد ويكاد لا يصدق أحد منا أن ما يتداول في ملف النفط هو حقيقة. تأخر اللبنانيون كثيرا في مقاربة هذا الملف الحيوي، وعندما بدأوا خطواتهم الأولى، في سياق مناخ إقليمي محفز (عشية ما يسمى «الربيع العربي»)، قبل أن يتعثروا بانقساماتهم وحساباتهم الطائفية والانتخابية، وبدل أن يتقدموا إلى الأمام، كانوا يعودون خطوات إلى الوراء، فيما تتوالى الأخبار من إسرائيل عن استثمار تلو استثمار في حقول مشتركة مع لبنان بشراكة كاملة مع شركات أميركية مشغلة (كونسورتيوم) مثل «نوبل انيرجي»، وبعقود بمئات ملايين الدولارات، حتى أن العديد من دول المنطقة مثل قبرص ومصر، كانت تستثمر، فيما كان لبنان يبرهن للآخرين عدم جهوزيته سياسيا وإداريا وقانونيا للاستثمار في حقوقه!

ولا يخفى على أحد، سواء في لبنان أم في الخارج، أن «البعبع» الأساس الذي يجعل الإسرائيليين حتى الآن لا يتجرأون على سرقة علنية للمكامن النفطية والغازية اللبنانية، بالحفر العامودي أو الأفقي، هو صواريخ «حزب الله» التي صارت ركيزة في معادلة الدفاع عن حقوق لبنان في بحره، كما في الدفاع عن حدوده البرية، ناهيك عن المعادلات التي تكرّست حماية للمدنيين منذ عقدين من الزمن.

ولعل السؤال الذي لم يجد له كثيرون الجواب الشافي حتى الآن، متصل بمعرفة «الوحي» الذي نزل في النصف الأخير من شهر رمضان، على أهل السياسة، وتحديدا على قيادتي «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» من أجل ابرام «تفاهم نفطي» من خارج جدول اشتباكهما السياسي والكهربائي المفتوح على مصراعيه؟

إذا كان الموفد الأميركي آموس هولشتاين هو من حرك المياه الراكدة في «البلوكات» النفطية، فهو يستحق أن يتحول «بطلا وطنيا لبنانيا» وإذا كانت بضع خرائط جيولوجية مشكوك في أمر بعضها، خصوصا في ضوء التعديلات التي تطرأ عليها بين يوم وآخر، هي ما حرك الملف، صار لزاما على هيئة إدارة القطاع أن تستقيل إذا كانت كل «اكتشافاتها» ستكون على هذه الشاكلة؟

في السياسة، لا شيء يشي بتحول في موقف الرئيس نبيه بري من ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، بل ثمة مقولة يرددها «الجنرال» أمام «مجموعة السبت» دوريا، أن القائد الفعلي لـ «جوقة 14 آذار» التي تمنع وصوله إلى بعبدا، هو رئيس مجلس النواب، وأنه على قناعة بأن الرئيس سعد الحريري إذا تحرر من الاعتبارات الخارجية، وخصوصا السعودية، يمكن أن يقترب منه رئاسيا، لكنه لا يلمس أية مبادرة من بري في الاتجاه نفسه!

يعني ذلك أن لا إطار سياسيا للتوليفة النفطية محليا، فهل ثمة تحريك خارجي للملف النفطي في المنطقة، بعنوان إعادة رسم الخارطة النفطية، وهل يمكن أن يحصل ذلك بمعزل عن بداية وضع سوريا على سكة التسوية السياسية، خصوصا أن مكامنها البحرية مشتركة مع لبنان وقبرص وتركيا؟ وهل يمكن أن يتم ذلك من دون تفاهمات بين أبرز اللاعبين الإقليميين والدوليين، مثل الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران وتركيا والاتحاد الأوروبي؟

ثم هل يمكن أن ترسم هكذا خارطة نفطية من دون التفاهم حول حصص الدول وشركاتها الكبرى (الكونسورتيوم) مثل «شفرون» الأميركية و «توتال» الفرنسية و «شل» الانكليزية ـ الهولندية و «آني» الإيطالية؟ ومن يملك تصورا واضحا لخطوط أنابيب النفط وأين ستلتقي وتفترق وما هي المنصة الرئيسية، هل هي اليونان أم قبرص أم تركيا أم الدول الثلاث مجتمعة؟

وهل سيتم التسييل في كل دولة، ومن يحمي المصافي في حالة اسرائيل، أم يجري البحث عن منصات تسييل إقليمية، ثم من سيقرر طبيعة الجهات المستفيدة من الغاز المستخرَج، وكيف يمكن أن يعبر صوب أوروبا؟ وما هي مصلحة روسيا بتبلور «محور غازي» يمكن أن يشكل تهديدا لها وهي المتحكمة إلى حد كبير بالطاقة الأوروبية؟ وإذا لحظ الأميركيون حصة لروسيا، هل نحن أمام بداية تبلور تحالف غازي يمكن أن يتحول إلى شراكة سياسية واقتصادية مستقبلا؟ وهل يمكن للنفط أن ينتج معادلات في المنطقة (تسوية أو هدنة) حماية للثروات الواعدة، بعدما عجزت الحروب عن ذلك؟ وهل هناك مَن سمع في لبنان حكومة بنيامين نتنياهو تتحدث هي والإدارة الأميركية، مطلع هذه السنة عن «تحولات إستراتيجية» أساسها «تجارة الغاز في خدمة السلام والاستقرار»؟

وليس خافيا، أن الإقليم يشهد لقاءات متعددة الأبعاد: قمة ثلاثية إسرائيلية قبرصية يونانية، تمحورت مناقشاتها حول سبل استخراج وتسويق الغاز القابع في الحوض الشرقي للمتوسط. لقاءات تركية ـ إسرائيلية ومصرية ـ إسرائيلية تردد أنها أبرمت تفاهمات معينة. طلب الإسرائيليون من الروس أكثر من مرة ضمانات خصوصا بعدما تعذر حصولهم عليها بشأن حقولهم الشمالية من الأميركيين. هم يريدون تطوير حقولهم ومنصاتهم ولا يفارقهم التهديد الآتي من ناحية لبنان، فكيف إذا أضافوا إلى شاطئ حيفا مصافي تسييل الغاز؟

أما الإيرانيون فقد دخلوا على الخط بقوة وهم يمتلكون خططا على الورق لخريطة أنابيب تبدأ ولا تنتهي شرقا وغربا وجنوبا وشمالا، بما في ذلك مع لبنان وشمال أفريقيا…

ومنذ الأسابيع الأولى لاندلاع النار في سوريا، كتب الكثير عن البعد الغازي للصراع في سوريا وعليها، خصوصا في ضوء ما تم تداوله منذ أكثر من عقد من الزمن عن نية قطر بناء خط غاز يمر عبر السعودية ـ العراق ـ سوريا فتركيا ومن ثم أوروبا أو عبر السعودية ـ الأردن ـ سوريا فتركيا ومن ثم أوروبا. لم ينتصر ولن ينتصر أي مشروع بمفرده على أرض سوريا، فهل بدأ اللاعبون يقرون بذلك، وهل يبدأ التظهير عبر خارطة النفط الإقليمية الجديدة؟

إن خارطة طريق للنفط اللبناني وضعتها «السفير» مع عدد من الخبراء، تُبيّن أنه إذا وُضع ملف النفط على سكته السياسية ـ القانونية في مجلس الوزراء ومجلس النواب، خلال صيف العام 2016، فإن لبنان يحتاج إلى فترة تمتد من سبع إلى 10 سنوات لإنتاج نفطه، فهل هناك إدارة سياسية وتقنية قادرة على التخطيط لجعل هذا البلد وأجياله المقبلة تستفيد من ثروته النفطية، تماما كما هو الحال مع نظامه المصرفي الذي يتعرض لضغوط بنيوية هي الأولى من نوعها منذ الاستقلال حتى الآن؟

لقد كرّس لبنان، من خلال مقاومته، سواء أقر البعض بشرعية سلاحها أو شكك به، نفسه جزءا من معادلة إقليمية كبيرة، وها هو اليوم على عتبة فرصة لا يجب تضييعها في زواريب الحسابات اللبنانية الضيقة. فرصة ليس باستدرار مليارات الدولارات إلى خزينته المفلسة ولا بتكون «مافيا نفطية» تريد أن تأخذ حصتها من هذا القطاع كما من كل قطاع حيوي في البلد، بل فرصة لمقاربة وطنية تتضمن بين ما يمكن أن تتضمنه إنشاء شركة وطنية تكون شريكة في بلورة دينامية حمائية، وصولا إلى إنتاج كهرباء على الغاز، وإنشاء صناعات بتروكيميائية تخلق عشرات آلاف الوظائف للبنانيين بما يعيد إنتاج طبقة وسطى تحمي الاستقرار الاجتماعي ولا تجعل شباب لبنان وشاباته يقفون عند كل فجر على عتبة السفارات الأجنبية استجداءً لـ «فيزا» ومن ثم «إقامة» فجنسية.

ولعل الأخطر لبنانيا، هو القدرة على بلورة إدارة مستقلة وشفافة للقطاع النفطي، وإلا فإن «أهل الفساد» صاروا جشعين إلى حد أن سرقاتهم صارت مكشوفة وهم يجندون كل الهيئات بما فيها الرقابية والقضائية خدمة لمنظومة الفساد التي لم تعد تستثني أحدا منهم…