IMLebanon

حتى لا تُذبح الجمهورية بسكين.. «الستين»!

بري ينصح عون.. وفرنجية ينتظر مبادرة.. والحريري يفاوض جعجع

حتى لا تُذبح الجمهورية بسكين.. «الستين»!

عماد مرمل

بات واضحا أن أزمة التأليف الحكومي هي رأس جبل الجليد، ليس إلا. وعليه، يبدو أن أحدا لا يخوض معركة التأليف على قاعدة الفن للفن، بل ان حسابات معظم الأطراف باتت تتجاوز حدود الحقائب بحد ذاتها الى الحسابات المتصلة بالانتخابات النيابية المقبلة، حيث أصبحت تقاس جدوى هذه الحقيبة أو تلك، انطلاقا من مردودها الانتخابي المحتمل.

وأمام التفريط المستمر بالوقت الثمين، يغدو مشروعاً الافتراض أن التأخير في تركيب «البازل» الحكومي لم يعد بريئاً، بل يندرج في إطار مسعى ضمني للبعض الى استهلاك المهل الزمنية والدستورية، في اتجاه محاولة فرض أمر واقع على اللبنانيين، يتراوح بين سيئ هو إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين، وأسوأ هو تأجيلها بذرائع غب الطلب.

بهذا المعنى، فإن كل يوم يمر من دون تشكيل الحكومة، يقرّب سكين «الستين» من رقبة الجمهورية التي استعادت رئيسها بشق النفس، لكنها مهددة بفقدان فرصة النهوض الحقيقي، نتيجة قانون الانتخاب «المسن» الذي يراد له أن يستمر في الخدمة برغم بلوغه «سن التقاعد».

والأغرب، أن هناك من يحاول أن يمنّن اللبنانيين بأن الانتخابات ستحصل ولو على أساس «الستين»، متجاهلا أن من شأن «جرعة السم» قتل «جنين» الديموقراطية الرخوة في رحم هذا الاستحقاق.

وأخطر ما في قانون «الأرواح السبع» أنه يعيد إنتاج الحلقة المفرغة التي يدور فيها لبنان منذ عقود، ويعمّم الإحباط الذي كان يشكو منه المسيحيون ليشمل كل اللبنانيين المتطلعين الى «دولة طبيعية» عابرة للمحميات الطائفية والمذهبية المتمددة.. والممدد لها.

يتخصص هذا القانون بحكم «طبيعته البدائية» في توليد الاصطفافات والمحادل الفئوية التي تختزل حيوية الشارع اللبناني وتنتج مجلسا نيابيا مشوّه التمثيل، يتولى بدوره إفراز سلطة قائمة على المحاصصة الفجة والولاءات الضيقة، حيث الناخب ليس سوى «كائن مذهبي» مجرد من حقوق المواطنة.

وهذا يعني ببساطة شديدة، أن النظام سيجدد خلايا أزماته ومآزقه عند كل محطة، فلا الرئيس يُنتخب في المهلة الدستورية، ولا الحكومة تتشكل بسلاسة، ولا التحالفات تراعي الاعتبارات الوطنية، ولا المؤسسات تعمل بانتظام، ولا الإصلاح قابل للتحقق.

وقد أتت النتائج التقريبية المتوقعة لانتخابات «الستين»، وفق دراسة «الشركة الدولية للمعلومات» التي نشرتها «السفير» السبت الماضي، كي تعكس مؤشرات سلبية جدا، وتنذر بمستقبل قاتم سترسمه تحالفات مكوّنة من بلوكات مقفلة وصافية، لا يمكن أن يفتتها ولو جزئيا، إلا «إكسير النسبية».

وإذا كان التفاهم بين «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» سيعزز قدرة هذا الثنائي على تحسين نسل التمثيل المسيحي في المجلس النيابي والتخفيف من أرجحية المكوّنات الاخرى التي كانت تستفيد من الانقسام المسيحي، إلا أن هذا لا ينفي حقيقة أن ما يمكن أن تربحه الرابية ومعراب بموجب «الستين» سيبقى دون مستوى المناصفة الحقيقية تمثيليا، وإن كانت مكتملة عدديا.

والأهم، أن هذا الربح التكتيكي لن يكون إلا الوجه الآخر لخسارة وطنية ستبتلع كل المكاسب الجانبية التي يمكن أن يحققها هذا الطرف أو ذاك.

أما التحالفات التي قد تجمع البعض وتعزل البعض الآخر، على أساس الفرز الطائفي، فإنها وصفة نموذجية لأزمة جديدة، كما تثبت التجارب السابقة. ولعل ما عاناه «التيار الحر» في زمن التحالف الرباعي بعد عودة الجنرال ميشال عون من المنفى هو أحد الأمثلة الصارخة على تبعات أي اصطفاف من هذا النوع.

… ولأن الانتخابات النيابية المقبلة سترسم توازنات سنوات العهد، فإن أغلب القوى تتعامل مع الحكومة المرتقبة باعتبارها «مخزن سلاح»، يسعى كل طرف الى أن يقتطع منه ما يناسبه في معركته الانتخابية، خصوصا لجهة الأسلحة الخدماتية الثقيلة.

ويندرج في هذا السياق، سعي «القوات» الى انتزاع «الأشغال» من الرئيس نبيه بري، مفترضة أن حقيبة من هذا الوزن، أو ما يعادلها، ستفيد في تعزيز أوراق قوّتها في المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابية.

وفي المقابل، لا يزال بري يتصرف على أساس أن «الأشغال» لم تخرج من عنده حتى تعود اليه، موحياً بأن مصير هذه الحقيبة هو خارج البحث، بمعزل عما إذا كان الرئيس سعد الحريري قد وعد «القوات» بها أم لا.

بري: قدمت أقصى التسهيلات

وقال بري لـ «السفير» إنه قدم أقصى التسهيلات الممكنة لتأليف الحكومة، ولم يعد لدي ما أقدمه، معتبرا ان محاولة تحميله المسؤولية عن التأخير في التأليف تجافي الواقع.

وأوضح ان الحكومة، برغم العقبات الظاهرة، قد تتشكل في أي وقت، مشددا على ان الازمة مفتعلة ولا مبرر لها أصلا، ومشيرا الى ان هناك مؤشرات توحي بأن البعض بدأ بمراجعة مواقفه، «وربما تحصل حلحلة تفضي الى إنجاز التأليف قريبا، إلا إذا أرادوا ان يلعبوا لعبة حافة الهاوية وعض الأصابع».

وحذر من ان قانون الستين هو «السكين» الذي سيُغرز في طموح اللبنانيين الى التغيير، لأنه سيؤدي الى تعزيز الاصطفافات الطائفية الحادة، وسيرتب نتائج في غاية الخطورة، مؤكدا ضرورة وضع قانون جديد قبل فوات الأوان.

وأضاف: أزعم أنني حين اقترحت «السلة المتكاملة» للتسوية كنت حريصا على إنجاح التجربة الرئاسية للعماد ميشال عون، أكثر من بعض المزايدين.

وأمل بري أن يبادر رئيس الجمهورية الى الانفتاح على فرنجية وإنهاء الخلاف معه، على قاعدة انه «بيّ الكل»، كاشفا عن انه سبق له ان فاتح عون في هذا الامر، خلال لقائهما في قصر بعبدا، على هامش التهاني بعيد الاستقلال. وتابع: كلمة «بتحنن» وكلمة «بتجنن»، وأعتقد انه إذا بادر عون في اتجاه فرنجية، بطريقة ما، فإن رئيس «المردة» المعروف بشهامته وأخلاقه سيرد على التحية بأحسن منها.

رسائل فرنجية

على خط بنشعي، أكدت مصادر مقربة من النائب سليمان فرنجية لـ «السفير» انه ما من جديد على مستوى العلاقة مع قصر بعبدا، كما لا عروض وزارية معدلة طُرحت على «تيار المردة».

وحذرت المصادر من ان «القوات اللبنانية» تحاول تحوير الحقائق والترويج بأن هناك خلافا مسيحيا – شيعيا، في حين ان الامر ليس كذلك، إذ ان خلل التوازن في السلطة لم يتسبب به الثنائي الشيعي حتى يكون هو مسؤولا عن معالجته.

وأشارت المصادر الى «ان فرنجية، برغم التنافس الرئاسي الذي حصل بينه وبين عون في المرحلة السابقة وما خلّفه من حساسيات شخصية، لا يزال يتناغم مع رئيس الجمهورية في الخيارات الكبرى، وهو أكد بعد انتخاب عون مباشرة ان الخط المشترك انتصر، الامر الذي كان يستدعي مقاربة رئاسية مغايرة حيال مطلبه بالحصول على حقيبة أساسية».

وشددت مصادر فرنجية على «ان رئيس «المردة» ملتزم بالتحالف الاستراتيجي العريض مع الجنرال، لكنه ليس ملزما بالاتفاق القائم بين «التيار الحر» و «القوات»، إلا إذا أتى سمير جعجع الى خطنا، أما وان جعجع لا يزال متمسكا بخياراته المعروفة، فيما نحن والرئيس تجمعنا الخيارات المفصلية المعروفة ايضا، فإن ذلك يقتضي من القصر الجمهوري التفاتة بديهية نحو فرنجية، والمبادرة تلقائيا من دون تدخل أحد الى منح حقيبة أساسية لـ «المردة» الذي هو أولى من «القوات» بالرعاية والاحتضان».

واعتبرت المصادر ان القضية بالنسبة الى فرنجية لم تعد تتمحور حول الحقيبة الوزارية بحد ذاتها، بل باتت تتعلق بنمط السلوك حياله، لافتة الانتباه الى ان طلبه توجيه دعوة اليه من عون، حتى يزوره في قصر بعبدا، «لا يهدف بالتأكيد الى إحراج رئاسة الجمهورية التي يحرص فرنجية على كرامتها، وهو الذي سيتبوأ يوماً سدّتها، ولكن التضحية الرئاسية التي قدمها واستحقت إشادة من السيد حسن نصرالله، تستوجب ملاقاتها من الرئيس بطريقة مناسبة».

وأوضحت المصادر ان التنسيق تام بين فرنجية من جهة وبري و «حزب الله» من جهة أخرى، «وإذا كان من المحتمل ان يتنازل بري عن «الاشغال» لـ «المردة»، فإن السؤال المطروح هو: أليس الافضل ان تأتي التفاتة كهذه من رئيس الجمهورية، ثم أين المشكلة إذا أخذت «القوات» حقيبة «التربية» من ضمن حصتها الوازنة وأخذنا نحن «الاشغال» او «الطاقة» او «الاتصالات» باعتبار ان حصتنا تنحصر في حقيبة واحدة؟».

الحريري – جعجع

الى ذلك، استقبل الحريري مساء أمس في بيت الوسط جعجع وعرض معه الاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة. وحضر الاجتماع الذي استكمل الى مائدة عشاء كل من النائب عقاب صقر والدكتور غطاس خوري ونادر الحريري وملحم رياشي.

وبحث الحريري مع جعجع في احتمال ان تقبل «القوات» بتنازل او بتعديل ما، في حصتها الوزارية، الامر الذي من شأنه ان يفتح الباب امام إمكان توزيع جديد لبعض الحقائب، شرط موافقة معراب.