IMLebanon

هل يقتحم العهد «مغارة» المناقصات.. الناقصة؟

موفدان فرنسي وإيراني في بيروت.. ولجنة الخبراء الانتخابية تنطلق

هل يقتحم العهد «مغارة» المناقصات.. الناقصة؟

لا يترك الرئيس ميشال عون فرصة منذ تسلمه رئاسة الجمهورية إلا ويشدد فيها على ضرورة مكافحة الفساد ومواجهة رموزه، وهو أكد في الجلسة الاولى للحكومة أمس أن الوزراء سيكونون مسؤولين عن أي إهمال للفساد في وزاراتهم على قاعدة أن المسؤول مؤتمن على مسؤوليته، ومسؤول عن عمل مرؤوسيه إن كان سلبا أو إيجابا، فلا يسند الايجابيات لشخصه والسلبيات لغيره، لافتا الانتباه الى أن «أي خطأ لن يمر مرور الكرام».

وليس خافيا أن زعامة عون، في حقبة ما قبل انتخابه، استمدت العصب والجمهور من حربه المعلنة على الفساد تحت شعار الاصلاح والتغيير، وبالتالي فإن الجنرال أتى إلى الحكم مسبوقا ومثقلا بآمال اللبنانيين أن يكون عهده مضادّا لفيروسات الفساد بمختلف أشكالها وأنواعها.

بالتأكيد، مكافحة هذا الوباء ليست اختصاص شخص أو مسؤول لوحده، مهما علا شأنه وكبرت قدراته، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تناغم الادوار وتكاملها بين مؤسسات الدولة وأجهزة الرقابة، تحت مظلة القرار السياسي برفع الغطاء عن المرتكبين. ولكن هذا لا يمنع أن رئيس الجمهورية يستطيع انطلاقا من موقعه أن يكون محرضا ومحفزا على مواجهة الفساد وملاحقة مرتكبيه، وأن يدفع في اتجاه إيلاء هذا الملف الاهتمام الذي يستحقه.

وربما يحتاج اللبنانيون الى أن يقرن العهد الجديد أقواله الاصلاحية بالافعال الحسّية، لئلا يبقى التصدي للفساد مجرد شعار نظري، خصوصاً أن التجارب السابقة علمتهم أن الفاسدين غالبا ما يكونون أقوى من أي مساءلة ومحاسبة بفعل الغطاء السياسي والطائفي الذي يحظون به.

من هنا، فإن العهد مُطالب بأن يبدأ من مكان ما معركة الاصلاح وتطهير مؤسسات الدولة من «جراثيم» الهدر والسرقة والرشى والصفقات المشبوهة. صحيح أنه ليس من الحكمة فتح كل الجبهات والدفاتر دفعة واحدة، ولكن الصحيح أيضا أنه يجب توجيه رسائل مبكرة وواضحة حول نية العهد لجم ظاهرة الفساد المستشري، خصوصا أن الدولة التي تتخبط في العجز المالي لم تعد تحتمل الاستمرار في استنزافها و«عصرها».

ولعل البداية الفضلى تكمن في وضع قانون انتخاب عصري، على أساس النسبية التي تكسر الوكالات الحصرية النيابية وتفتح الباب أمام حد أدنى من التنوع الديموقراطي، إذ إن من شأن قانون كهذا أن يحرر المواطن من مفهوم الزبائنية الذي يفرض عليه أن ينال حقوقه ومطالبه عبر أقنية جانبية، تتمثل في الواسطة والاستزلام والولاء للزعيم أو حتى في دفع الرشى.

وحتى ذلك الحين، يعتقد خبراء اقتصاديون وماليون أنه لا بد من إجراء مراجعة شفافة لعدد من المناقصات الدسمة التي أجريت في الاشهر القليلة الماضية، وحامت حول بعضها تساؤلات وشبهات، لا سيما بعدما أبدت هيئات الرقابة المتخصصة اعتراضات او ملاحظات عليها، من دون أن يكون ذلك كافيا لدفع الوزراء المعنيين الى وقف مفاعيل هذه المناقصات التي تكلف خزينة الدولة ما يفوق المليار دولار، فيما الكلفة الحقيقية يجب أن تكون أقل بكثير كما يؤكد العارفون!

ويرى الخبراء أن هناك مشاريع حيوية تحتاج الى تدقيق، للنظر في مدى مطابقتها للقوانين، هي:

– مناقصة المعاينة الميكانيكية التي جمدها عون لاحقا.

– مناقصة نشر الكاميرات في بيروت.

– مناقصة طمر النفايات في الـ «كوستابرافا» وبرج حمود.

– مناقصة مواقف السيارات في المطار.

– مشروع سد «جنة» الذي دخل في «جحيم» التجاذبات الطائفية.

– تلزيمات الكهرباء التي تداخلت فيها العوامل السياسية والشخصية، حتى كادت الحقائق التقنية والمالية تضيع وسط غبار الحملات المتبادلة.

ووفق هؤلاء الخبراء، فإن معظم هذه المشاريع يعاني عيوبا بنيوية في دفاتر الشروط التي أتت مخالفة للقوانين والاصول، كما ثبت في تقارير لهيئات الرقابة (ديوان المحاسبة، شورى الدولة..). والمفارقة، أن مجلس الانماء والاعمار، المساهم في تنفيذ أحد المشاريع (مطمرا النفايات في «كوستابرافا» وبرج حمود) انتهت ولايته قبل خمس سنوات تقريبا، وبالتالي هو يواصل العمل بحكم قوة الاستمرار في المرفق العام، لكنه برغم ذلك يتابع إنفاق مئات مليارات الليرات، من دون أن يرف له جفن، ما يستدعي من مجلس الوزراء تعيين أعضاء جدد بأسرع وقت ممكن.

والمفارقة، أن الشركتين اللتين تتوليان إنشاء المطمرين هما متخصصتان في أعمال ردم البحر حصرا ولا تملكان أي تجربة سابقة في مجال الطمر الصحي، ما يشكل مخالفة فاضحة في محتوى دفتر الشروط.

كما أن مناقصة الميكانيك التي كان قد صدر قرار قضائي عن «شورى الدولة» بوقفها، ظلت سارية المفعول الى حين تدخل رئيس الجمهورية لتجميدها، علما أن المعترضين عليها يعتبرون أنها ترتب على الخزينة أعباء هائلة تقارب 440 مليون دولار، كان بالامكان خفضها الى النصف تقريبا، وتحديدا الى 210 ملايين دولار، لو جرى الاخذ بالعرض المقدم من شركة أخرى والذي يحقق لها باعتراف القيمين عليها ربحا كبيرا!

ويرى الخبراء أن المطلوب عاجلا تشكيل لجان متخصصة للتدقيق في مدى مطابقة المناقصات الملتبسة للمعايير القانونية، مؤكدين أن دفاتر الشروط فُصلت في العديد من الحالات على قياس الشركات والجهات التي يراد لها مسبقا أن تفوز.

ويشير هؤلاء الى أن من الغرائب والعجائب التي تحصل في لبنان، أن الوزير المتخصص يتعمد في أحيان كثيرة تجاهل اعتراضات وملاحظات هيئات الرقابة ويمضي في تنفيذ المناقصة المشكو منها، وكأن شيئا لم يكن، بينما تقضي الاصول بأن يُرفع موقف الهيئة الرقابية المعنية الى مجلس الوزراء للبحث في حيثياته، فإما أن يأخذ بها وإما أن يقرر استكمال المناقصة وفق قرار معلل، وبالتالي ليس من حق الوزير أن يتولى هو، من تلقاء نفسه، استمرار العمل بها من دون أن يكون قد حصل على تغطية مجلس الوزراء.

الخبراء الانتخابيون

على صعيد آخر، التأمت أمس لجنة الخبراء الانتخابيين، التي تضم ممثلين عن «حركة أمل» و «حزب الله» و «تيار المستقبل»، سعيا الى التوافق على مشروع موحد لقانون الانتخاب. وعُلم، أن اللجنة قررت اعتماد مشروع الرئيس نبيه بري المختلط (64 نسبي و64 أكثري) قاعدة انطلاق في النقاش.

الى ذلك، وصل أمس، الى بيروت، وزير الخارجية الفرنسي جان ماري ايرولت الذي سيلتقي الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل.

كما وصلها مستشار رئيس مجلس الشورى الايراني حسين شيخ الإسلام للقاء كبار المسؤولين، ومن بينهم الحريري الذي سينطوي اللقاء بينه وبين الزائر الايراني على دلالة خاصة، في هذه المرحلة.