IMLebanon

الشيوعيون يُحيون «جمّول»: الذاكرة تحرس مقاومتها

34 عاماً مضت على انطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ــ جمّول، ولا تزال من أكثر المحطات التي تلتصق بذاكرة الشيوعيين الذين يحرسون مقاومتهم. أمس، أحيا الحزب الشيوعي اللبناني الذكرى من أمام صيدلية «بسترس»، ونظم معرض صور للمناسبة واحتفالاً تكريمياً لجورج بطل وكمال البقاعي ورضوان حمزة

ليا القزي

بعيداً عن أن أيلول هو شهر «النوستالجيا» والكآبة بالنسبة إلى الكثير من الناس، أيلول هو أيضاً شهر البطولات. في مثل هذه الأيام، قبل 34 عاماً، بدأ فشل المشروع الصهيوني بعدما انطلقت عمليات المقاومة في بيروت، ضد جنود العدو الإسرائيلي وعملائه المحليين.

وأيلول هو شهر العشاق الأكثر وفاءً وصدقاً في حبهم، رغم مرور أكثر من 3 عقود على «اللقاء الأول». مضى زمن طويل منذ أن قرر الرفاق جورج حاوي وخليل الدبس ومحسن إبراهيم وفواز طرابلسي وحسين حمدان تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 16 أيلول 1982، وتكليف الرفاق إلياس عطالله وزهير رحال وحسن حمدان «الإشراف على العمل المقاوم كلّ في تنظيمه»، كما يروي طرابلسي. أرادوا، ومئات المقاومين المعروفين وغير المعروفين، تغيير التاريخ والتأكيد أنّ «واجب الدفاع عن الوطن هو أقدس واجب، وأن شرف القتال ضد المحتل هو الشرف الحقيقي الذي ينبغي لكل وطنيٍّ أن يفاخر به». هكذا جاء في البيان التأسيسي الذي يحمله أحفاد السنديانة الحمراء أمانة في أعناقهم. من أجل ذلك التاريخ يعودون في كلّ عام إلى موقع «الطلقة الأولى»، مُجددين العهد والشعارات. هو الحنين إلى ماضٍ جميل، وإلى «بارودة» سُلمت إلى جبهة أخرى. يبدو ذلك جلياً في لباسهم وشعاراتهم وذكرياتهم التي يُصرون على احتضانها. كانوا كثراً أمس أمام صيدلية بسترس ــ الصنائع. في عيون كل منهم حكاية خاصة مع «جمّول» كتبوها بدمائهم وقبضاتهم. معركتهم لم تنته بعد، «نحنا بلشنا وهلق إنتو بتكفّوا»، يقول أحد منفذي عملية «بسترس» فهد مدلج. يداه تطوقان عنق كل شخص، حتى ولو لم تربطهما معرفة مسبقة. يضحك كثيراً وهو يؤكد: «جمّول بتعقّد وبدنا نخليها ترجع تعقّد».

ارتفعت أعداد المشاركين في إحياء الذكرى في هذا العام. ثلاثة أسباب دفعت الشيوعيين إلى شحذ الهمم. أولاً، هي المرّة الأولى التي يُحتفل بها بـ«جمّول» بعد تجديد القيادة الشيوعية وانتخاب النقابي حنا غريب أميناً عاماً. ثانياً، يترافق الحدث مع إعادة صياغة العلاقة بين «الشيوعي» حزباً مقاوماً والمرحلة الحالية، التي تتطلب مواجهة المشروع التكفيري والإسرائيلي على حدّ سواء. وهو الأمر الذي بان بعد أن عاد الشيوعيون إلى احتضان السلاح وتنظيم عملهم العسكري في البقاع منذ قرابة سنة ونصف سنة. أما السبب الثالث، فهو هجرة ثلاثة من طيور السنديانة الحمراء إلى سماء أخرى. «جمّول» 2016 انحنت وفاءً لذكرى جورج بطل وكمال البقاعي ورضوان حمزة.

قبل السادسة بقليل، بدأ الشيوعيون يتجمعون في المكان. رايات «الأحمر» الكبيرة تُرفرف في السماء، وفي الخلفية يصدح صوت الفنان خالد الهبر، واعداً: «(…) إلى ما بعد بعد حيفا»، كما تقول كلمات أغنيته. الأصوات المرتفعة تدفع أحد المشاركين الثلاثة في عملية «بسترس» مازن عبود إلى طلب الابتعاد عن الضجة. لا يزال من الصعب دفع الرجل إلى الكلام، «إذا عطيت موقف سياسي بتحطّيه؟»، يسأل طالباً ضمانة. أمام إلحاح رفاقه بأنه «عيب» ويجب أن يدلي برأيه، يقول إنه بعد 34 سنة «كنا نتمنى لو أنه تم تحرير الإنسان أيضاً». هو «شيء مؤسف أن تُحرر المقاومة الوطنية 73% من الأرض، ومشكورين حزب الله أنهم أكملوا، ثُمّ يُسحب البساط من تحت المقاومين على مستوى الداخل من قبل مكونات الطبقة السياسية». أهمية «جمول» بالنسبة إليه هي «أننا كنا معتادين أنّ اسرائيل لا تُقهر، أصبحت اليوم تقوم بألف حساب قبل أن تُفكر بالهجوم. شوفي هالناس يللي حاضنة المقاومة». يعرف أنه كان بالإمكان أن يقوم أحد آخر بالمقاومة، «ولكن قديش كان انذلّ شعبنا؟».

يصل حنا غريب مُحاطاً بشابين، وينتقل إلى المنصة حيث سيُلقي كلمته ويتلقى التهاني بـ«العيد» من الرفاق. محمد ابن بلدة زوطر الجنوبية (قضاء النبطية)، مراهقٌ يقف بكل جدية حاملاً العلم الأحمر. أتى لأنه «من هنا انطلقت أول رصاصة ونريد أن نعيد النضال». امرأة أخرى لا تعرف لماذا «هذه هي المرة الأولى التي أُشارك فيها». أسرى محررون ومقاومون ترك العمر آثاره على وجوههم، اصطفوا جنباً إلى جنب أطفالٍ وشباب. وفيما كان غريب يلقي كلمته، وصل الأمين العام السابق للشيوعي خالد حداده، معانقاً إحدى الفتيات الصغيرات، قائلاً: «أنا يهمني الجيل الجديد».

في كلمته، وجّه غريب تحية إلى «شهداء جمول، الذين فتحوا درب الكفاح والمقاومة إلى الجبل والبقاع والجنوب…»، مُذكراً «الرفاق» بأنهم «بإمكاناتكم المتواضعة دخلتم التاريخ، لأنكم كنتم مقاومين وطنيين عروبيين أمميين، تقارعون مع رفاقكم في العالم الإمبريالية». وعلى بعد أيام من عيد «الشيوعي» الـ92، قال غريب إنه «آن أوان العمل والمصارحة كي يكون الشيوعي حزباً باستطاعته التحرير والتغيير الديموقراطي». ولن يكون بالاستطاعة تحقيق ذلك دون أن يكون الحزب «متجدداً ثورياً مبادراً على صورة ومثال جمول… نُطلق مبادرتنا بضرورة العمل معاً لتوحيد كل المبادرات في مبادرة واحدة موحدة وقادرة على تجميع كل الأطر في إطار وطني شعبي واحد». لم ينسَ غريب في كلمته أن يتحدث عن التنظيم، واعداً بأنه «سيتم الإعلان عن عدد المنظمات الحزبية التي استأنفت نشاطها وعدد الرفاق العائدين إلى التنظيم… مجددين الدعوة لكل الرفاق بالعودة إلى التنظيم والمشاركة في المؤتمرات».

انتهت الكلمة السياسية، فانتقل المشاركون في الذكرى إلى سينما «كونكورد» حيث نظم «الشيوعي» معرض صور بالتعاون مع نقابة المصورين الفوتوغرافيين في لبنان، ضمّ أعمال مصوّرين واكبوا الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982. احتاج «الرفيق عماد»، كما عرّف عن نفسه، الكثير من الوقت لإقناع الشباب بالتوقف عن الغناء والتوجه إلى صالة العرض حيث سيُستكمل الاحتفال الفني ــ الثقافي كتحية لجورج بطل وكمال البقاعي ورضوان حمزة. الازدحام دفع العديد من الأشخاص إلى متابعة الحدث خارجاً، حيث وضعت شاشة كبيرة. «قال كان بدن ياخدوا صالة أصغر»، تُعلّق إحداهن على الحشد الكبير.

داخل الصالة، ظهرت مشكلات تقنية صغيرة، كأن تنقطع الكهرباء مثلاً فتضطر مشارِكة إلى استعمال مصباح هاتفها ليتمكن الأسير عفيف حمود من قراءة كلمته. لا ضخامة في تنظيم الاحتفال. هو حزب الفقراء. على الرغم من ذلك، كان الفرح بادياً على وجوه الشيوعيين وهم يتفاعلون مع كلمات شوقي بزيع، سامي حوّاط، غادة غانم، أشرف الشولي، أميمة الخليل، مارسيل خليفة، زياد الرحباني، خالد الهبر، مكادي نحّاس، أنور ياسين، عفيف حمود، سمعان بو موسى، حسّان مراد وسهى بشارة. الرابط العاطفي والإيمان بهذه القضية، سيعيدان الشيوعيين كما كل عام، وستبقى «فلسطين جزءاً لا يتجزأ من النضال… والمسار طويل»، قالت سهى بشارة.