IMLebanon

حلب بين الهدنة والمجزرة

لا يُبشّر إعلان سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي عن هدنة في حلب خلال ساعات بأنّ إراقة الدماء وإزهاق الأرواح سيتوقف في وقت قريب لا في حلب ولا في سوريا، يمتلك الشَّعب اللبنانيّ خبرة نادرة بين الشّعوب العربيّة بمعنى كلمة «هدنة» فقد شهدوا منذ اندلاع الحرب الأهليّة في لبنان مئات الهُدنات التي جاءت بعد جولات عنف دمويّة مروّعة، وتلتها جولات أشدّ عنفاً ودمويّة من الأولى، وكان مصير كل هدنة معلنة الانهيار!!

إيقاع مجزرة مستشفى القدس في حلب أرهق العالم، روسيا وأميركا تحتاجان إلى فسحة لالتقاط أنفاسهما وإطفاء الشاشة وحجب مشهد الأطفال القتلى، كذلك العالم العربي بحاجة لإطفاء الشاشة وحجب المشهد، حفظاً لما تبقّى من ماء الوجه و»النخوة» و»المروءة» والغضب لدماء الأبرياء، وكلّ الأطراف محتاجة لتطويل عمر الأزمة في سوريا إلى حين اكتمال عقد الشركاء وحصتهم من جبنة إعادة الإعمار، فالدّمار ضروري جداً لرفع كلفة إعادة الإعمار!!

من يتذكّر اليوم صباح الأربعاء 21 آب من العام 2013، وذاك الهجوم الكيميائي على الغوطة والمجزرة التي راح ضحيتها المئات من سكان الغوطة بسبب استنشاقهم لغاز الأعصاب؟ ومن يتذكّر اليوم أن الهجوم الكيميائي حدث بعد ثلاثة أيام من وصول بعثة المفتشين الدوليين إلى دمشق للبحث عن السلاح الكيميائي في سوريا وزيارة قرى وضواحي الغوطة التي تعرضت لمجزرة غاز السارين؟

ومن يتذكّر اليوم أنّه كان هناك تجربة فاشلة وقبلها بعام لفريق أرسلته الجامعة العربية إلى سوريا في نيسان العام 2012 كانت كارثية وكان الصراع ما زال محصوراً في حدوده المحلية وكان عمر الثورة عاماً واحداً وكانت لا تزال تحمل عنوان «سلميّة»، وتعرض فريق الجامعة العربية برئاسة (السوداني) الفريق عمر الدابي لإطلاق النار [والذي اتهم بانحيازه للنظام]، وأعلنت الجامعة إنهاء المهمة، مهمة الفريق في آب 2012…

ومن يتذكّر  اليوم أنّ الأمم المتحدة كانت قد بدأت بدراسة خيارات لمراقبة وقف محتمل لإطلاق النار في سوريا، بناء على قرار مجلس الأمن المتخذ مساء الجمعة 18 أيلول من العام 2015 حول سوريا لوضع خيارات في غضون شهر لمراقبة تنفيذه فيها، وخلاصة الدراسات أكدت أن المجتمع الدولي يرفض إرسال قوات أجنبية إلى سوريا على الأقل في المراحل الأولى من مراقبة وقف إطلاق النار!!

بالكاد نجد اليوم من يتذكّر متى أعلن بدء سريان الهدنة في سوريا قبل مجزرة حلب، العالم العربي مشغول كلّ دولة بحالها، والتي لم تطالها الثورة والاضطرابات الأمنية سيأتي دورها في مقبل الأيام، ومن يلتفت صوب الجزائر يُدرك أنّ أيّام رئيسها عبد العزيز بوتفليقة باتت معدودة بفعل وضعه الصحي، وأنّ الجزائر ما بعد بوتفليقة لن تكون كما قبلها والصراع على السلطة سيكون على أشدّه، والمغرب العربي لن يكون بمنأى عمّا يحصل في المشرق العربي، والمسألة مسألة وقت ليس إلا…

قبل مجزرة مستشفى القدس في حلب لم تكن أعمال القتل قد توقفت بل كانت مستمرة يومياً وقتلى إيران وحزب الله كانوا يسقطون يوميّاً وبالعشرات، مع أنّه وفي ليل الجمعة – السبت 27 شباط 2016 دخلت أوّل هدنة حقيقيّة اتفق عليها بين روسيا وأميركا حيّز التنفيذ، ومن دون استشارة إيران ولا حزب الله، وتُركت حلب لتشتعل فيها النيران الإيرانيّة بدعم من الميليشيات الشيعيّة، وكان رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية سيرغي رودسكوي، قد أعلن عن نشر روسيا 70 طائرة من دون طيار لمراقبة وقف إطلاق النار، وأنّ الولايات المتحدة الأميركية أنشأت مركزاً في عمّان لمتابعة الهدنة على غرار المركز الروسي في قاعدة حميميم (مطار باسل الأسد) في اللاذقية، منذ إعلان الهدنة في شباط كان واضحاً أنّ استثناء حلب كان لترجيح الكفّة بالحسم العسكري!!

هذه المرّة عن إعلان هدنة خلال ساعات في حلب، إن تحقّقت، سيُشكّل صفعة قويّة على وجه إيران وحزب الله وميليشياتها الأفغانية والباكستانيّة والعراقيّة، فبعد ما يزيد على الشهرين لم يقدر هؤلاء مجتمعين على فرض حسم عسكري لصالح النظام في حلب، على الأقل إعلان الهدنة إعلان خسارة مبدئيّة لإيران، أما أميركا وروسيا فلم يختلف شيئاً عليهما سوى حديث لافروف بالأمس عن إنشاء مركز روسي – أميركي لمراقبة الهدنة سيكون مقرّه في جنيڤ!!