IMLebanon

 الانتظار والترقُّب يحكمان المرحلة والاتصالات ناشطة ولا حسم رئاسياً بعد

لا حديث في لبنان اليوم يطغى على حديث التسوية الرئاسية. فلا الاشتباك الروسي-التركي في كلّ أبعاده وخلفياته ومؤدّياته استحوَذ على المساحة المفترضة من النقاش، ولا الإرهاب المتنقّل بين العواصم انتزَع ما يستحقّ من متابعة، ولا الملفات الداخلية على اختلافها، بدءاً من الحوار الذي يدور حول نفسه، مروراً بالحكومة المعطلة، وصولاً إلى النفايات وحلولها المؤجّلة، ما زالت مادة جذب للّبنانيين. وقد يكون هذا الأمر صحّياً وفي محلّه، لأنّ انتخاب رئيس جديد بعد سنة ونصف السنة على الفراغ الرئاسي ستكون له تداعيات على كلّ المشهد السياسي، خصوصاً إذا تمّ انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً وبمبادرة من تيار «المستقبل»، الأمر الذي سيؤدّي إلى خلط كلّ التحالفات القائمة، وبروز خريطة سياسية جديدة تَطوي صفحة 8 و14 آذار معاً. وقد دلّت المواقف والمؤشرات إلى أنّ التسوية جدّية جدّاً، ولكن هذا لا يعني عدم وجود عراقيل ومطبّات أمام تحقيقها وتخريجها، وبالتالي احتمالُ انفراطها يبقى قائماً تماماً كما احتمال نجاحها، ولذلك هناك حبسُ أنفاس حقيقي، ومتابعة حثيثة من كلّ الأطراف التي فضّلت الابتعاد عن التصريح، والعملَ وراء الكواليس إمّا لإجهاض التسوية أو إنضاجها. وقد بدا لافتاً تغَيُّب رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون عن جلسة الحوار أمس في رسالة، ربّما، مزدوجة: عدم رغبته بالحفاظ على الشكليات في اللحظة التي تُطبَخ فيها التسوية على نار حامية، وعدم رغبته باللقاء مع فرنجية. وفي مطلق الأحوال تشهَد الحياة السياسية حركةً استثنائية واتّصالات في كافّة الاتّجاهات، ويتوقّع أن تتوضّح وتتظهّر معالم التسوية العتيدة في المقبل من الأيام.

في انتظار اتّضاح معالم المرحلة المقبلة في ضوء ما سيفرزه التوتر العالي على خط موسكو ـ أنقرة، خصوصاً مع رفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لهجتَه قائلاً إنّ «الأتراك أعلنوا الحرب علينا وصبرُنا بدأ ينفد»، بعدما صادقَ على نشر منظومة إس-400 في قاعدة حميميم، بدأ في لبنان ينقشع الغموض الذي اكتنف اللقاءات اللبنانية ـ اللبنانية في الرياض واللقاء الباريسي الشهير والبعيد من الأضواء بين رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية.

«ترشيحي جدّي»

وقد وضع فرنجية أمس حدّاً للجدل الذي أثير أخيراً حول هذه التسوية الرئاسية القاضية بتبنّي «المستقبل» وصوله الى سدّة الحكم، قاطعاً بنفسِه الشكّ باليقين، حين أكّد بَعد خلوة عقدَها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري قبَيل انطلاق الجلسة الحادية عشرة للحوار الوطني، انّ ترشيحه جدّي إنّما غير رسمي، وأنّه ينتظر أن يصبح الطرح جدّياً ليبني على الشيء مقتضاه. وشدّد على أنّ مرشّح 8 آذار الأوّل للرئاسة هو رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون.

«لقاء باريس»

وقالت مصادر سياسية مطلعة لـ«الجمهورية» إنّ الاهتمام الذي يُعطى للقاء باريس لا يجد ترجمةً فعلية له على أرض الواقع، وكأنّه زوبعة في فنجان المعركة الرئاسية، بحيث يُرمى كلّ فترة باسم مرشّح ثمّ يُسحَب لاحقاً، وقد بدا هذا الانزعاج واضحاً بشدّة على وجه فرنجية أمس حين شدّد على وجوب عدم النظر الى التقارب الحاصل بسلبية.

وبحسَب آخر المعلومات، فإنّ لقاء باريس لم يكن تصويتاً لمرشّح بمقدار ما كان رسائل إلى مرشحين آخرين، وخصوصاً إلى المرشّحين الأساسيين عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع اللذين اتّفقا على بعض الملفّات، إلّا أنّهما لم يتّفقا على الرئاسة.

وتقول المعلومات إنّ الحريري كان يتمنّى أن يبادر عون وجعجع رئاسياً، وقد سمحَ استمرار الجمود الحاصل للقوى الأخرى بأن تأخذ المبادرة بنفسها. وتشير المعلومات الى أنّ لقاء الحريري ـ فرنجية يجد لغاية اليوم صعوبات في شقّ طريقِه سواءٌ في فريق 8 آذار أو في فريق 14 آذار.

«الحزب» يتمسّك بعون

وفيما تردَّد ليلاً حصول لقاء بين وزير الخارجية جبران باسيل والمعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين خليل في سياق التشاور في التسوية الرئاسية، علمت «الجمهورية» أنّ «حزب الله»، يترقّب وينتظر ويتشاور في المعلومات المتداولة مع الحلفاء، إلّا أنّ موقفه الثابت والأكيد هو أنّ عون مرشّحه الرئاسي، وكذلك هو الممرّ الإلزامي للرئاسة، كما قال الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله، وعبّر عن ذلك بخطاباته في أكثر من مناسبة ومحطة.

الرابية

وفي الموازاة، ينسحب الترقّب والانتظار على الرابية التي يسود أرجاءَها صمتٌ مطبق حيال ما يجري. وفي المعلومات أنّ عون، الذي أثار غيابُه عن جلسة الحوار الوطني امس جملة تكهّنات وطرحَ عدّة تساؤلات، ينتظر انقشاع الرؤية التي لا تزال غير واضحة بعد.

جنبلاط

في غضون ذلك، كرّر رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط أنّه لا يعارض التسوية لإخراج البلاد من المأزق السياسي والدستوري والاقتصادي.

وعن موافقة الحريري على هذه التسوية، لفتَ جنبلاط الى أنّه «بعد اللقاء مع الحريري صَدر بيان واضح، وعلى الجميع العودة إلى هذا البيان»، وقال إنّ «الحريري، انطلاقاً

من حِرصه على البلاد، يسعى للوصول إلى تسوية، وعندما تعلَن ملامحها بشكل واضح سيكون لنا موقف»، وجدّد القول: «إذا كان فرنجية مرشّح تسوية يُخرجنا من هذا المأزق فلا مانع».

التسوية في الحوار

ومع غياب عون، غابَ الملف الرئاسي عن مداولات المتحاورين، فيما حضرَت «التسوية الرئاسية» بقوّة في كواليس اللقاءات والخلوات، أبرزُها التي عقِدت بين بري وفرنجية، والخلوة بين الرئيس فؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، والتي سُئل بعدها السنيورة: هل أصبح فرنجية مرشّحكم؟ فاكتفى بالقول: «إن شاء الله خيرا». كذلك حضَرت التسوية في مواقف المتحاورين وتصريحاتهم لدى انتهاء جلسة الحوار.

برّي

وقبل أن يُرحّل بري جلسة الحوار إلى 14 كانون الأوّل المقبل، بحثَ المتحاورون في تفعيل عمل مجلس الوزراء وقارَبوا موضوع قانون الانتخاب، كما أكّدوا ضرورة معالجة موضوع النفايات. وشدّد بري على ضرورة تفعيل عمل الحكومة، وتمنّى الإسراع في إنجاز ملف النفايات، وأشار الى أنّ لجنة التواصل النيابية كُلّفت إعداد قانون جديد للانتخابات.

المر

من جهته، أشار نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر إلى أنّ البحث في بند الرئاسة تأجّلَ، وترَكّز على العمل الحكومي». وقال، ردّاً على سؤال: «تمّ البحث في ملف النفايات بانتظار جلسة مجلس الوزراء التي سيخصّص الجزء الأكبر منها لهذا الموضوع».

كنعان

وأعلن أمين سر «التكتل» النائب ابرهيم كنعان أنّ «التيار الوطني الحرّ» موافق على المشاركة في جلسة طارئة لمجلس الوزراء مخصّصة للنفايات، أمّا الجلسات الحكومية الأخرى فيجب ان يسبقها اتفاق على الآليّة الدستورية التي تَحول دون تجاوز صلاحيات رئاسة الجمهورية في ظلّ الشغور الرئاسي ربطاً بانتظام عمل الحكومة وفقاً للدستور والقوانين المرعيّة.

وفي الشأن الانتخابي، قال إنّ «التيار» يَعتبر قانونَ الانتخابات النيابية العمودَ الفقري لتأمين الشراكة الوطنية الإسلامية – المسيحية، ولا يُغني مجلس الشيوخ واستحداثه عن مجلس نيابي مكوّن على أساس المناصفة الفعلية، واحترام الطائف يكون من خلال تصحيح هذا الخَلل المزمن الذي قادنا إلى تبنّي اقتراح قانون «اللقاء الأرثوذكسي».

قلق أميركي

على صعيد آخر، بَرز قلق أميركي على الوضع الأمني في لبنان، وقد عبّر عنه القائم بأعمال السفارة الاميركية السفير ريتشارد جونز بعد زيارته وزيرَ الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، حين قال: «نحن جميعاً قلِقون، ويمكنني القول إنّنا منهمكون، بالوضع الأمني»، وجدّد دعمَ الولايات المتحدة للبنان ووقوفَها إلى جانبه، والاستمرار في توفير الدعم للأجهزة الأمنية فيه.

مرجع أمني

وفي هذه الأجواء، تبَلّغت المراجع الأمنية طلباً من السفارة التركية بتشديد التدابير الأمنية على مقرّ السفارة التركية في الرابية والمواقع التجارية والثقافية نتيجة المخاوف التي توَلّدت لديها في مختلف دول أوروبا والمنطقة عقبَ المواجهة الجوّية فوق جبل التركمان شمال سوريا والتي أدّت الى إسقاط طائرة روسيّة.

وقال مرجع أمني لـ«الجمهورية» لقد شدّدنا التدابير حول معظم السفارات المستهدفة، وسبق لنا أن باشرنا بها في محيط السفارتين الروسية والمصرية، فما يجري على الأراضي السورية يُلقي بثقله علينا في لبنان، ونحن كأجهزة أمنية نَرصد مختلف التطوّرات ونتعاطى بإيجابية مع كلّ البعثات الديبلوماسية الموجودة على الأراضي اللبنانية، فأمنُهم من أمن اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية.

ولفتَ المرجع الى أنّ هذه السفارات، لا سيّما التركية منها، أبدت خشيتها من حركة سياسية وحزبية باتّجاهها في الساعات المقبلة دعماً للموقف الروسي من الوضع في سوريا، علماً أنّه ليس هناك ما هو معلَن في هذا الموضوع.

وقال المرجع : «إنّ الفصل بين ما يمكن اعتباره شائعات وما هو من باب المعلومات صعبٌ للغاية، ومن مهامّنا أن نبقى على يقظة تامّة، سواءٌ انتهَت التحرّيات الجارية الى اعتبار المخاطر الأمنية شائعات أم وقائع جدّية، فلسنا في وارد تجاهل أيّ إشارة يمكن أن تؤدي الى توتير أمني، وسنكون بالمرصاد بما امتلكنا من قوّة لمواجهتها.

على صعيد آخر كشفَ المرجع الأمني أنّ الحديث عن هجمات ستتعرّض لها بعض الجامعات والمعاهد بات من الهواجس اليومية، ولكن ليس هناك ما هو ثابت في هذا الاتّجاه حتى اليوم. وإنّ التهديدات التي نُقلت عن بعض المنظمات التي تَرصد مواقعَ الإرهابيين لم تكن صحيحة، لكنّ ذلك لا يجعلنا نُهمل أيّ احتمال، ونحن جاهزون لكلّ الخيارات التي سيكون علينا اتّخاذها