IMLebanon

تحالف حزبي – اقطاعي في وجه القوات والتيار

يُواصل مسؤولو كلّ من «التيّار الوطني الحُرّ» وحزب «القوات اللبنانيّة»  تحضير الأرضيّة لتعاون انتخابي مُشترك في الانتخابات النيابيّة المُقبلة، بغضّ النظر عن القانون الذي سيتمّ اعتماده في نهاية المطاف. في المُقابل، تعمل العديد من الشخصيّات التقليديّة والمناطقية والاقطاعيّة، بالتنسيق مع بعض الأحزاب التي هي خارج «تفاهم معراب»، على تشكيل جبهة سياسيّة غير مُعلنة، لمحاولة الوقوف أمام أيّ لوائح «قوّاتيّة – عونيّة» مُشتركة، عبر تبادل الأصوات الانتخابيّة بين كل المُتضرّرين من التحالف بين الحزبين المسيحيّين الأوسع شعبيّة. فما هي أسباب هذا الانقسام المُستجدّ على الساحة المسيحيّة، ولمن ستكون الغلبة في النهاية؟

مصدر في حزب «الكتائب اللبنانيّة» أكّد أنّ لا نيّة مُسبقة للحزب لاضافة أي شرخ إلى الانقسامات المسيحيّة السابقة، لكنّ «الكتائب» ترفض أي سياسة إلغائية في وجهها، ولن تقف مكتوفة الأيدي في حال عدم مراعاة حجمها الشعبي والسياسي عند الوصول إلى مرحلة تركيب أيّ لوائح انتخابيّة في المُستقبل القريب. وتحدّث المصدر الكتائبي عن خيارات واسعة في هذا المجال، رافضًا الكشف عنها في الوقت الراهن. وفي السياق عينه، لفت مصدر في حزب «الوطنيّين الأحرار» إلى أنّ كل الاحتمالات واردة، وأنّ المشاورات مفتوحة مع «الكتائب» ومع قوى وشخصيّات أخرى، لكنّ لن يتمّ اتخاذ القرار النهائي حالياً، في انتظار وضوح القانون الذي ستجري عليه الانتخابات، وكذلك حسم طبيعة التحالفات السياسيّة التي سيتم إعتمادها. وأكد المصدر أنّ لحزب «الأحرار» ثقلاً انتخابياً في كل من الشوف والمتن وكسروان وفي غيرها من المناطق، ما يَستوجب عدم تجاهله من قبل أيّ قوى سياسيّة، حتى لا تُصبح هذه الأخيرة تلقائياً في موقع الخصم.

لكن وبعيداً عن المُجاملات الدبلوماسيّة الرامية إلى الحفاظ على شعرة مُعاوية، أكّدت أوساط سياسيّة مُطلعة أنّ العمل قائم بعيداً عن الاعلام ووراء الكواليس، بين العديد من القوى الحزبيّة والفعاليّات والشخصيّات السياسيّة المسيحيّة، ليس لإطلاق جبهة سياسيّة مُنظّمة ومُوحدّة، وإنّما تحضيراً لمجموعة من التحالفات والتفاهمات السياسيّة الضيّقة والمناطقيّة، بين عدد كبير من القوى المُتضرّرة من تحالف أنصار كل من «الجنرال» و«الحكيم». ولفتت هذه الأوساط إلى أنّ لا مشروع سياسياً يجمع هذه القوى والتكتلات، بل المسألة تتمثّل بهدف مُشترك يرمي إلى إفشال مُحاولات كل من «العَونيّين» و«القوّاتيّين» الرامية إلى حصر الثقل الشعبي المسيحي بهما، الأمر الذي من شأنه أن يضرب وجود قوى أخرى فاعلة لا تنتسب لا إلى «التيار» ولا إلى «القوّات»، وهي ليست محسوبة عليهما أو مؤيّدة لهما. وأضافت هذه الأوساط السياسيّة أنّ القوى المُتضرّرة من «تفاهم معراب»، مثل أحزاب «الكتائب» و«الأحرار» و«المردة»، ومثل شخصيّات مُستقلّة منها النائب بطرس حرب والنائب هادي حبيش والنائب السابق فريد هيكل الخازن والسيّدة ميريام سكاف، إلخ. تعوّل على مجموعة من العوامل لإفشال هذا التحالف انتخابيًا، أبرزها أنّ العديد من الجهات التي كانت تدعم «القوات» و«العَونيّين»، كلّ منهما على حدة في السابق، لن تدعم أي لوائح مُشتركة لهما في المُستقبل. وهذا الأمر ينطبق مثلاً على مُناصري «الحزب القومي السوري الإجتماعي» و«تيّار المردة» الذين كانوا إلى جانب اللوائح «العَونيّة» في وجه اللوائح المدعومة من «القوات» في السابق، وكذلك مثلاً على مُناصري «الجماعة الإسلاميّة» الذين لن يُصوّتوا للوائح تضم «العَونيّين». كما يعوّل المُتضرّرون من اتفاق «معراب – الرابية» على صعوبة تنازل كل من «التيار» و»القوات» عن مقاعد محسومة لكل منهما بقدراته الذاتيّة في مناطق مُحدّدة، الأمر الذي سيُشكّل حساسيّة كبيرة بين الطرفين تتجاوز ما حصل بينهما في الانتخابات البلديّة بأشواط، إضافة إلى وجود فئة من المُناصرين لكل من «التيّار» و«القوّات» لم تهضم التحالف بينهما. وبحسب الأوساط السياسيّة المُطلعة، يُعوّل المُتضرّرون من أي تحالف انتخابي بين «العونيّين و«القوات» على تموضع «حزب الله» في أي تحالفات مُقبلة، وكذلك على تموضع «تيّار المُستقبل» أيضاً، الأمر الذي سيحصر تأثير تفاهم «معراب» في مناطق مُحدّدة جداً ومسيحيّة الثقل الانتخابي بالدرجة الأولى.

بالانتقال إلى أوساط سياسيّة على اطلاع عن قرب على خلفيّات التقارب «القوّاتي» – «العَوني»، فقد أقرّت بأنّ الصعوبات كبيرة أمام التحالف الانتخابي «القوّاتي» – «العونيّ»، وهي تبدأ بالتوصّل إلى قانون مُشترك يُرضي الطرفين بالدرجة الأولى، ويؤمّن تحالفات سياسيّة انتخابيّة خارج الإطار المسيحي لضمان فوز اللوائح بالدرجة الثانية، ويحظى بغطاء سياسي عريض يُؤمّن تمريره في أي عمليّة تصويت في المجلس النيابي بالدرجة الثالثة. وشدّدت هذه الأوساط على أنّ الهدف من التحالف ليس رفع المقاعد النيابيّة على حساب إلغاء مواقع البعض، كما يُروّج المُتضرّرون من تقارب «التيار» و«القوّات»، وإنّما طيّ صفحة الانقسام المسيحي العمودي السابق، والتي جرى استغلالها لإضعاف المسيحيّين ولتهميش حقوقهم وحُضورهم. وأضافت هذه الأوساط أنّ أهداف «التيار» و«القوّات» استراتيجيّة مئة في المئة، مع الإقرار بأنّه كلّما كان الحُضور النيابي واسعاً لهذين الحزبين الرئيسَين، كلّما كان من المُمكن الدفاع عن الحُضور المسيحي الذي يجب أن يكون شريكاً موازياً بالفعالية والحقوق للحُضور المُسلم على مُستوى مختلف أقسام الدولة اللبنانيّة. وإذ اتهمت هذه الأوساط المُتضرّرين من تحالف «التيّار» و«القوّات» بالسعي للحفاظ على مصالح حزبيّة وشخصيّة ضيّقة، من دون أي رؤية استراتيجيّة فاعلة أو مؤثّرة على المُستوى السياسي العام، شدّدت على أنّ معركة «التيار» و«القوات» الحالية هي معركة قانون الانتخاب، في محاولة لإخراج صوت الناخب المسيحي من الغُبن اللاحق به في الكثير من الدوائر، وتبعاً للنتائج التي ستترتّب عنها، سيتمّ الانتقال إلى التركيز على معركة العمليّة الانتخابيّة بحد عينها. وشدّدت هذه الأوساط على أنّ المراهنين على فشل التحالف «العَوني» – «القواتي» سيُفاجأون، لأنّه لن يُسمح باستفراد المُمثّلين الأقوياء للمسيحيّين، لا عبر قانون انتخابي غير عادل، ولا عبر تحالفات سياسيّة لا تُراعي انتشارهم الجغرافي، ولا عبر تحالفات انتخابيّة تُقدّم المصلحة الشخصيّة على الاستراتيجيّة الوُجوديّة.

في الختام، يُمكن القول إنّه من الصعب تقدير الجهة الرابحة من أي معركة انتخابية مُقبلة، في انتظار حسم طبيعة قانون الانتخابات الذي ستجري على أساسه الانتخابات، ولوّ أنّ نواة التحالفات والتموضعات الانتخابيّة خطت خطوات متقدّمة من اليوم، حتى قبل بتّ مسألة القانون الذي تُوجد محاولات حثيثة حالياً ليكون قريباً شكلاً ومضموناً من القانون الذي كانت حكومة رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي قد أقرّته. لكنّ الأكيد أن ما كان ما قبل «تفاهم معراب» ليس كما بعده على الكثير من الصعد، وفي طليعتها المعارك الانتخابية.