IMLebanon

743 مليون دولار من الهبات والقروض مهدّدة

743 مليون دولار من الهبات والقروض مهدّدة

الحكومة إلى «الغيبوبة».. والنفايات إلى «الغيب»

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثالث والثلاثين بعد الاربعمئة على التوالي.

لا أحد يملك الجرأة على نعي الحكومة صراحة، بدءا من رئيسها وصولا الى باقي مكوناتها. صحيح انها دخلت عمليا في حالة تقارب «الموت السريري»، بفعل تعطل انتاجيتها، لكن أيا من أطرافها ليس مستعدا لأن يتحمل مباشرة المسؤولية عن وقف جهاز التنفس الاصطناعي الذي يبقيها موصولة بالحياة، تاركا للاستحقاقات المقبلة ان تفعل فعلها.

وعلى هذه القاعدة، انفض مجلس الوزراء أمس من دون التوصل الى أي قرار، سواء في شأن حسم آلية معالجة ازمة النفايات او البت في آلية العمل او توقيع مراسيم عالقة، وذلك في تعبير عن «الغيبوبة» التي دخل فيها، بينما يبدو ان الرئيس تمام سلام الذي يعلم ان الاستقالة محفوفة بالكثير من المخاطر قد يتجه في المدى القريب نحو الاعتكاف او تعليق الجلسات، قبل ان يجازف بالخيار الاصعب الذي لا يحظى حتى الآن بغطاء إقليمي وداخلي.

أما «وباء» النفايات، فلم تتمكن، لا الحكومة، ولا اللجنة الوزارية الفرعية بعد من إيجاد «اللقاح» المضاد له، لتقتصر الخطوات العملية حتى الآن على «مسكنات» لبضعة أيام من النوع الذي استخدم في بيروت، تحت سقف خطة طوارئ وضعها المحافظ زياد شبيب، وأفضت الى إزالة غالبية النفايات في بيروت، حيث تم نقلها الى موقع الكرنتينا، فيما استمرت مناطق الضواحي في التخبط في الازمة.

ومع دنو قرار «التمديد الحتمي» لرئيس الاركان في الجيش اللواء وليد سلمان، في السابع من آب المقبل، كما هو «مكتوب» برغم اعتراض العماد ميشال عون، فان جلسة مجلس الوزراء الافتراضية الخميس المقبل، ستكون امام اختبار مفصلي قد يكون ما بعده غير ما قبله، علما ان هناك من يهمس ان الصيغة الأفضل لتجنيب الحكومة الارتطام المباشر بهذا التمديد هو تعليق عملها، الى حين مرور العاصفة.

لكن مصدرا بارزا في «التيار الوطني الحر» حذر من التداعيات التي ستترتب على خيار التمديد لرئيس الاركان وقائد الجيش، قائلا لـ «السفير»: أي قرار من هذا النوع سيكون بمثابة «زبالة سياسية» وسيؤدي الى تصعيد يتحمل مسؤوليته من يصر على مخالفة القانون والدستور.

واضاف: هناك فرصة في الجلسة الحكومية المقبلة لإصلاح المسار المنحرف من خلال تعيين رئيس جديد للاركان، ونحن ننصح بانتهازها بدل المضي في المخالفات.

وقد أعطى سلام خلال جلسة مجلس الوزراء أمس إشارة واضحة الى الاحتمالات الممكنة بقوله: اذا لم نجد مخارج وحلولا جدية لاستمرار عمل مجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي، فسنصل الى عجز كبير، مكررا انه مستعد للمساعدة في تجاوز هذه المعضلة، «لكن إذا اصطدمت بحائط مسدود، فإن خياراتي مفتوحة وسألجأ اليها إذا احتجت الى ذلك، واذا استمررنا في ما نحن فيه لن يكون هناك جدوى لمجلس الوزراء أو لأي مؤسسة دستورية».

وتواصل أمس النقاش العبثي حول مفهوم التوافق في مجلس الوزراء، فيما دعا سلام الوزراء الى التعاون والمساعدة في معالجة أزمة النفايات، ما دفع الوزير جبران باسيل الى التعليق قائلا: هل الشراكة تتحقق فقط في لمّ الزبالة؟ وأضاف: الشراكة لا تكون موسمية وانتقائية، ولا تكون بان يُطلب منا ان نساهم في تحمل تبعات قرارات خاطئة اعترضنا عليها في ما خص ملف النفايات وشركة سوكلين.

وكانت مداخلة اتسمت بشيء من الحدة للوزير أشرف ريفي الذي قال: لا يتوهّمن أحد بترجمة الاتفاق النووي الايراني الغربي في شوارع بيروت، ولا يمكن تكريس 7 أيار جديد، فهو لم يأت سوى بالخراب..

ورد الوزير حسين الحاج حسن قائلا: ذهبت في خيالك بعيداً، وما حصل في شوارع بيروت لم تكن له أي خلفيات سياسية، ثم إن الاتهام ذاته يمكن أن يطال «المستقبل»، مشيراً إلى أن «حزب الله» لم يتهم «المستقبل» بقطع طريق الجية.

وحين نبه ريفي الى انه إذا كان هناك من يفكر بالاستفادة من الاتفاق النووي ليفرض علينا من الخارج رئيسا فنحن لن نقبل، رد عليه باسيل بالاشارة الى «ان من يستعين بالخارج لمنع الإتيان برئيس يريده الشعب أنتم بالتحديد..».

جرعة بري

في هذا الوقت، منح الرئيس نبيه بري الرئيس سلام جرعة من الدعم بتأكيده امام زواره أمس ان «تطيير الحكومة يعني تطيير البلد، وهذا أمر لن نسمح بحصوله».

وشدد على ان «الحكومة خط أحمر، بالنسبة إلي والى حزب الله، وهذا موقف حقيقي وليس للاستهلاك، وإذا كان هناك من يريد اسقاط الحكومة، برغم موقفنا، فليجرب»، مضيفا: المسألة ليست بـ «العافية».

واكد ان سلام يقوم بواجباته ويتحمل مسؤولياته، ويجب ان نساعده.

واعتبر ان مرحلة ما بعد الاتفاق النووي هي مرحلة انتقالية لا تحمل حلولا، لكنها تمهد لها، وعلينا في لبنان ان نعالج قضايانا الملحة وان نكون مهيئين لملاقاة الحلول عندما يحين أوانها.

تداعيات الانهيار

ومع تفاقم خطر إصابة الحكومة بالشلل الكامل، سواء بالاستقالة ام الاعتكاف او التعطيل، فان مجموعة من التداعيات على الاقتصاد والوضع المالي تلوح في الأفق.

فقد قال سلام في معرض تحذيره من تداعيات تعطيل الحكومة ان هناك مجموعة اتفاقيات تتعلق بهبات الى لبنان أقرت ووقعت وتنتظر مراسيم الإبرام وتبلغ قيمتها الإجمالية 98 مليون دولار أميركي.

كما ان هناك اتفاقيات قروض لمشاريع حيوية وقعت وتنتظر مراسيم الإحالة الى مجلس النواب ويبلغ مجموعها 244 مليون دولار أميركي. وتضاف اليها اتفاقيات أقرت من الممولين تنتظر موافقة مجلس الوزراء عليها لتوقيعها وتبلغ قيمتها 401 مليون دولار أميركي.

وبذلك يبلغ المجموع العام لهذه الهبات والقروض المعلقة أكثر من 743 مليون دولار.

ومن المحاذير ايضا ما يتعلق بموضوع إصدار واستبدال سندات خزينة وتأمين الرواتب، إضافة الى مشاريع مراسيم يقارب عددها 200، وهي متوقفة.

والى جانب ما سبق، فان الأزمات السياسية والحكومية تسببت في تراجع الصادرات اللبنانية إلى الاسواق الخارجية لاسيما الصادرات الزراعية والصناعية التي تراجعت حوالي 9 في المئة نتيجة فقدان الاسواق، وعدم وجود من يراجع بإعادة تنشيط هذه الصادرات التي تعاني من ارتفاع الكلفة في ظل اقفال المعابر البرية، أو تزايد صعوبات الشحن البري الذي كان ينقل 80 في المئة من الصادرات اللبنانية .

كما ان تعطيل الحكومة سيزيد كلفة المديونية العامة على لبنان، والتحدي المالي الاصعب الذي سيترتب على شلل الحكومة يتمثل في ايجاد مصادر تمويل لاحتياجات الدولة وتنفيذ الاصدارات الجديدة بقيمة 500 مليون دولار لتغطية استحقاقات الفترة المقبلة .

وحتى القطاع العقاري الذي كان الانشط في لبنان فقد تراجعت مبيعاته نتيجة عدم الاستقرار حوالي 25 في المئة، أي ما قيمته حوالي المليار دولار في ستة أشهر، في ظل الحكومة، ما يعني أن استقالتها ستؤدي حكماً إلى المزيد من التراجع.

والانهيار الحكومي سينعكس تراجعاً في ايرادات الخزينة ما سيرفع العجز ويشجع المتخلفين عن الدفع لعدم تسديد المتوجبات في ظل الظروف الصعبة، إذ أن التخلف الضريبي يرتفع في ظل وجود السلطة التنفيذية فكيف مع تعطيلها.

معضلة النفايات

في هذه الأثناء، بقيت معضلة النفايات من دون حلول جذرية لليوم الثاني عشر على التوالي، فيما فشلت اللجنة الوزارية التي انعقدت أمس في تحديد مواقع مرحلية للطمر، تحت وطأة المزايدات السياسية على وقع الاعتراضات الشعبية المتنقلة بين منطقة وأخرى، بحيث ان العديد من القوى الحزبية بدت عاجزة عن تأمين التغطية السياسية لمواقع الطمر المقترحة، خارج بيروت، لاسيما في منطقة جبل لبنان.

وأكد رئيس شركة «سوكلين» ميسرة سكر في مقابلة مع برنامج «كلام الناس» عبر «المؤسسة اللبنانية للارسال» ان «الحل الموقت لمشكلة النفايات هو ان تتابع سوكلين أو غيرها جمع النفايات ووضعها في كسارات وردم الكسارات». واضاف: سوكلين تتقاضى اجرها ولا تهدر المال العام ولدينا صندوق أبيض نساعد من خلاله الفقراء والمحتاجين، وكل من لديه اعتراض على سوكلين ليذهب أمام القضاء اللبناني ونحن جاهزون للمواجهة.

وأعلنت بلدية بيروت انها طلبت من مجلس الوزراء عبر وزير الداخلية السماح لها بشحن نفايات العاصمة الى الخارج، لان الأماكن المؤقتة المختارة الآن لجمع النفايات ستفقد قدرتها الاستيعابية قريبا من دون ان يظهر أي أفق للحل خارج بيروت.

وكان مجلس الوزراء قد تحول الى حقل تجارب، مع اقتراحات من هنا وهناك، فطرح الوزيران وائل ابو فاعور وأكرم شهيب، باسم النائب وليد جنبلاط، نقل ستين في المائة من نفايات بيروت وجبل لبنان الى الأماكن التي اقترحها، على ان تتولى بقية القوى نقل الاربعين في المائة الباقية الى مناطقها.

كما اقترح الوزيران ميشال فرعون والان حكيم نقل النفايات إلى ألمانيا أو السويد.