IMLebanon

تحدّيات السياسة الأميركية الخارجية

دخلت الولايات المتحدة الأميركية، بعد سقوط الإتحاد السوفياتي عام 1990، الساحة العالمية بقوة قائد ومنظّم لكلّ القضايا الدولية. فأميركا صاحبة أقوى جيوش العالم، وأكثرها انتشاراً، دخلت العولمة بوسائلها الإتصالية والتواصلية، وبشركاتها المتعدّدة الجنسيات، فاكتسحت خصوصيات الدول، وضربت اقتصادياتها لتجعل منها نموذجاً منسحقاً للمنظومة الليبرالية حول العالم.

عرف العالم استعماراً بوجه جديد، قاده الفكر البراغماتي. فعمل على بسط نفوذه على الدول، من خلال نظام ليبرالي دمّر القوميات، وألغى خصوصيات البلد، وصولاً إلى جعل الإنسان، فرداً عالمياً، يتشابه في الكثير من التفكير واللباس والطعام، وحتى في خياراته، مع أيّ إنسان في أيّ مكان على الكرة الأرضية.

انتقد الرئيس المنتخب دونالد ترامب مراراً السياسة الخارجية الأميركية. ذكر في حواره مع «سي أن أن» أنّ العالم سيكون أفضل حالاً إذا كان صدام حسين ومعمر القذافي ما زالا في السلطة، إذ يعتقد أنّ الوضع في كلّ من ليبيا والعراق أسوأ بكثير، ممّا كان عليه تحت الحاكمَين المستبدَّين، وأنّ صدام حسين قام بعمل أفضل لمواجهة الإرهابيين.

يعتبر ترامب أنّ سياسة أميركا الخارجية كانت معطوبة طوال العقدَين الماضيَين، وأنها اقتصرت تقريباً على قصف الشرق الأوسط بالقنابل وعزل روسيا، وكانت النتائج واضحة: سلسلة من الدول الفاشلة من ليبيا إلى سوريا، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وأزمة اللاجئين بأوروبا.

هي سياسة فاشلة، ورّطت الإدارة الأميركية في حروب كلّفتها الكثير من القتلى في صفوف العسكر، وانعكست سلباً على الوضع الإقتصادي والاجتماعي للبلاد، الأمر الذي زاد من نسبة الإرهاب بسبب الكره وردود الفعل السلبية على تدخلاتها في العالم.

يواجه الرئيس الجديد عالماً، حافلاً بالتحدّيات الاستراتيجية الصعبة، التي تعيق السياسة الأميركية في الخارج، خصوصاً أنّ العالم اليوم، يشهد تحوّلاً كبيراً في موازين القوة، بعد أن كانت الولايات المتحدة قائد الأوركسترا الوحيد، دخل المجتمع الدولي عالماً متعدّد الأطراف، تتصارع فيه مجموعة من الدول على النفوذ.

إنّ تسارع الأحداث وتطوّرها، وضع الولايات المتحدة أمام تحدّيات جدّية تهدّد نفوذها في العالم. أبرزها:

– روسيا الإتحادية، التي لم تتوانَ عن استخدام القوة العسكرية في أكثر من منطقة في العالم، لتشكّل عائقاً أمام الطموح الأميركي في المنطقة. لذلك، على رغم الرسالة الإيجابية التي أطلقها ترامب تجاه روسيا، إلّا أنّ واقع تقاطع المصالح بين الدولتين سيبقي الحرب الباردة بينهما قائمة.

– الصين، التي تفرض أمراً واقعاً في شرق آسيا من خلال بناء القواعد العسكرية فوق جزر متنازع عليها، إضافة إلى اقتصادها العملاق وما يسببه من منافسة حقيقية للإنتاج الأميركي في الأسواق العالمية.

– كوريا الشمالية وإيران، وتجاربهما للصواريخ البالستية، تلك التي غيّرت بمفاهيم الصراعات الدولية. إنّ امتلاك هذه الصواريخ المجهّزة برؤوس نووية، والعابرة للقارات بات خطراً حقيقياً أمام النفوذ الأميركي في آسيا. الأمر الذي يجعل من الدبلوماسية الأميركية أكثر واقعية في التعاطي مع هذه الدول.

– منطقة الشرق الأوسط، وما تشهد من صراعات مع الدول الإسلامية «داعش»، التي رسمت حدودها بين العراق وسوريا، إضافةً إلى تركيا اللاعبة الإقليمية، التي يسعى رئيسها رجب طيب أردوغان إلى تسجيل انتصارات فيها، علّه يرفع من سقف التفاوض مع الولايات المتحدة على الحصص.

على رغم جدّية الرئيس المنتخب في تطبيق سياسته، إلّا أنّ العالم يعيش أزمات تتفاقم بشكل سريع في ظلّ نظام عولمي عكس مشكلاته على الدول كافة، حيث ستنعكس على الجهود التي ستبذلها الإدارة الجديدة في معالجة الأزمات الداخلية في أميركا.

فالعالم اليوم يمرّ في انفلاش حدودي يتمثّل في أكبر أزمات العصر، كالإرهاب العالمي، وحركة النزوح اللامحدودة. ما سيزيد من العوائق أمام تحقيق سياسته الداخلية والخارجية.

أخيراً، تقف اليوم أميركا أمام مفترق طرق يتمثّل بـ:

– رفع شعار «أميركا أولًا»، الأمر الذي سيزيد من عزلة أميركا في العالم، ما سيضعف دورها على كافة الصعد.

– الإنفتاح على العالم، الأمر الذي سيفاقم الكثير من الأزمات عليها، خصوصاً أنّ إدارة أوباما لم تقدّم سياسة جديدة لمعالجة هكذا قضايا.

يبقى القول، إنّ النظام العالمي، لن تخرقه تطورات خطيرة، خصوصاً وأنّ الولايات المتحدة فقدت الدور المحرّك والأساس لهذه القضايا، مع صعود أنظمة قومية قوية، تعمل على الحفاظ على هويّتها، في ظلّ الهجمة الشرسة للأنظمة الإمبريالية التي باتت مرفوضة.