IMLebanon

.. والطبقة السياسية بعد سنة الشلل والفشل؟

يودّع اللبنانيون السنة الآفلة، بأبشع عبارات الذم والشتم والتقبيح، وهم يعدّون أيام نهايتها بالساعات والدقائق، نظراً لما حفلت به من ضغوطات وصراعات وأزمات، فضلاً عمّا حملته من انهيارات سياسية واقتصادية واجتماعية، لم يعرف لبنان مثيلاً لها، حتى في أشد سنوات الحرب سواداً.

ويكاد يُجمع اللبنانيون على اعتبار عام 2015 «عام الفشل والشلل»، نتيجة عجز الطبقة السياسية عن إدارة شؤون البلاد والعباد من جهة، وبسبب تفشي فيروس الفساد في الجسم السياسي، كما في الإدارات العامة، وتغليب المنفعة الشخصية على المصلحة العامة، والمجاهرة الوقحة بثقافة المحاصصة بين الأطراف السياسية، من دون أدنى حُرمة أو وازع لحقوق الخزينة الوطنية، التي شارفت على الإفلاس، تحت ضغط هذه الممارسات المفجعة من دون رادع أو حسيب.

وعبثاً تحاول البحث عن نقطة مضيئة في الأداء السياسي لأكثرية الأطراف السياسية، فترى نفسك كأنك تبحث عن إبرة في كومة من القش، أو التبن لا فرق، بعدما أصبح توافره للحيوانات، أسهل من الحصول على لقمة عيش شرعية تحفظ الحياة الكريمة للأكثرية الساحقة من اللبنانيين، الذين يزداد تعدادهم في مرتبة الفقر والعوز.

* * *

وليس أفدح دلالة على عجز الطبقة السياسية وإفلاسها، من المخاطرة بهدم مقومات الدولة، وضرب المؤسسات الدستورية للجمهورية، عبر استمرار هذا الشغور المعيب في رئاسة الجمهورية، وإمعان البعض، وبصفاقة مخجلة، في الاستثمار بغياب المركز المسيحي الأوّل في السلطة، تحت شعارات مضللة، ليس أقلها الحرص على تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية تارة، والدفاع عن حقوق المسيحيين - كذا - تارات أخرى!

وعوض الإسراع في تسهيل تمرير الاستحقاق الرئاسي، راحت بعض التيارات المسيحية تُزايد في ممارستها لصلاحيات رئيس الجمهورية في جلسات مجلس الوزراء، الأمر الذي أدى إلى تعطيل إنتاجية الحكومة، والحؤول دون اجتماع مجلس الوزراء طوال الأشهر الأربعة الماضية، لمعالجة بعض الملفات الملحة، وفي مقدمتها أزمة النفايات، التي فضحت عورات الطبقة السياسية، وكشفت تهافت الأطراف السياسية على مغانم الزبالة!!

وسبق تعطيل مجلس الوزراء، بأساليب المزايدات الطائفية الوقحة، المقاطعة الانتحارية للجلسات التشريعية في مجلس النواب، بحجة أنه لا يجوز التشريع بغياب رئيس الجمهورية!

المفارقة العجيبة، أن الذين يقاطعون الجلسات الانتخابية الثلاث والثلاثين لانتخاب الرئيس، هم أنفسهم الذين عطّلوا النشاط التشريعي لمجلس النواب، وبذلك يكونون قد ضربوا كل المؤسسات الدستورية بالشلل التام، ونقلوا الدولة اللبنانية إلى حضيض «الدولة الفاشلة» من دون أن يرفّ لهم جفن، بل من دون أن يخجلوا من جمهورهم على الأقل، وما يتسببون له من هواجس ومصائب، على مختلف الأصعدة الوطنية والاجتماعية والاقتصادية!

* * *

لم تنفع صرخات الهيئات الاقتصادية المتتالية، في إخراج الأطراف السياسية من دائرة صراعاتها وانقساماتها، ولا في إيجاد المخارج المقبولة، للتخفيف من أجواء التوتر والتشنج، وإعطاء البلاد والعباد فرصة لالتقاط الأنفاس، تُجنّب المؤسسات السياحية والتجارية والخدماتية تجرّع كأس الإفلاس القاتل.

فكانت النتيجة أن ارتفعت أرقام البطالة بين الشباب لتصل إلى 35 بالمائة، وهو رقم مخيف بالمقاييس الاجتماعية والاقتصادية، وارتفع حجم الشيكات المُرتجعة ليصل إلى مليار ومائتي مليون دولار، بعدما كان أقل من مائتي مليون دولار عام 2010!

بالمقابل، تراجعت كل المؤشرات الاقتصادية الأخرى: تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي نزلت من 7 مليارات ونصف المليار، إلى خمسة مليارات ونصف المليار تقريباً، تصدير الصناعات اللبنانية تراجع بنسبة كبيرة، بعدما عجزت الدولة عن دعم الشحن البحري، اثر إقفال خط التزانزيت عبر الأراضي السورية، حركة التجارة الداخلية والبيع بالتجزئة هبطت بشكل مخيف، مما تسبب بإفلاس العديد من المؤسسات، فيما تعاني أسواق بكاملها من تداعيات الجمود المتزايد.

ولم تكن أوضاع القطاع السياحي أفضل من القطاعات الصناعية والتجارية، حيث أدّت التهجمات الحزبية على القيادات والدول الخليجية، إلى إصدار قرارات رسمية بمنع سفر المواطنين الخليجيين إلى لبنان، الأمر الذي أفقد السياحة اللبنانية ما نسبته 65 بالمئة من حركتها، حيث يُشكّل الأشقاء الخليجيون ثلثي الحركة السياحية على مدار السنة.

والكلام عن اضطرار عدد من الفنادق لإقفال أبوابها، وإقدام فنادق أخرى على تسريح عدد كبير من موظفيها وعمّالها، بعدما حصرت نشاطها بطوابق محددة، هو أكثر من جدي، بل سيبدأ  بأخذ طريقه إلى التنفيذ مع بداية العام الجديد، مما سيؤدي بالطبع إلى تفاقم أزمة البطالة، والمزيد من التراجع في الدخل الوطني، مع ما يترتب على كل ذلك من تداعيات وأزمات على أكثر من صعيد.

وما يقال عن الفنادق، يمكن قول مثله أو أكثر في قطاع الخدمات السياحية، وخاصة المطاعم ومكاتب السفر والسياحة وشركات تأجير السيّارات، التي يُعاني معظمها من شبح الإفلاس المحتم!

* * *

..ويبقى السؤال الذي من حق كل لبناني أن يطرحه:

سنة الفشل والشلل إلى أفول.. فهل ستأخذ معها الأزمات التي شهدتها..؟

الواقع، أنه من الصعب أن نراهن على هذا القدر من التفاؤل، في حال بقيت الطبقة السياسية على عجزها وأنانياتها، واستمرت الأولوية للصفقات والمحاصصات، ولو على حساب لبنان واللبنانيين أولاً.. وأخيراً!!

والسؤال الحقيقي: متى يحين أفول هذه الطبقة السياسية الفاسدة والمُفلِسة؟