IMLebanon

اي مصيبة تجمع بين حزب الله والسعودية؟

استراتيجية «بلع الالسنة» في معسكر قوى 14آذار على التسريبات الصحافية حول زيارة رئيس مكتب الامن القومي السوري علي المملوك الى السعودية، اصدق تعبير على «غربة» هذه القوى ودورها «الهامشي» في المعادلة، حاول قادتها خلال الايام القليلة الماضية الحصول على معلومات من المملكة، وعبر سفيرها في بيروت علي عواض العسيري، تراوحت الاجابات بين صمت «مريب» يشي بوجود شيء ما قد حصل دون اي ايضاحات وافية، وبين بضع كلمات حصل عليها البعض لا تنفي ولا تؤكد، وانما تشير الى ان لا شيء جديداً قد تغير في السياسة السعودية حيال الازمة السورية. «لا تقلقوا». طبعا لم يكن هذا التعبير كافيا، وهذه الخلاصة لم تجلب «الطمأنينة» الى قلوب «اصحاب العقول» في هذا «المعسكر»، ممن باتوا على قناعة ان «الحرف» الاول من كلمة اعادة صياغة الاستراتيجية السعودية قد كتبت على انقاض التخبط والارباك في سياسة الرياض التي لم تتحول خلال السنوات الخمس الماضية من عمر الحرب على سوريا الى استراتيجية كما هو متعارف عليه في الدول «الطبيعية». لكن هل الطريق «معبد» امام مراجعة جدية للحسابات؟ وما هي نقطة التقاطع الوحيدة بين المملكة وحزب الله؟

الامور تحتاج الى مزيد من الوقت قبل ان تتوقف ارتدادات «زلزال» فيينا النووي، هكذا تختصر اوساط دبلوماسية غربية في بيروت الموقف الراهن في المنطقة، فحجم الاهتزاز الراهن طبيعي ويتناسب مع تداعيات هذا الحدث التاريخي، اما حالة «الانكار» السعودية فهي لن تدوم طويلا، ولن تستطيع الرياض تجاوز ايران ودورها المحوري الجديد، وكما نصح وزير الخارجية الاميركي جون كيري اعضاء الكونغرس عدم تفويت الفرصة واللحاق بالحلفاء قبل ان يفوت الاميركيين «القطار»، سيسمع السعوديون النصيحة نفسها من واشنطن بعد ان سمعوا كلاما مشابها من موسكو، وعلى المدى المتوسط سيرضخ السعوديون للامر الواقع، سيأخذ الامر وقته الطبيعي ليس بسبب انتظار تبلور الوضع الاقليمي فقط، وانما ايضا في انتظار انتهاء ترتيب «البيت السعودي» واستقراره، في ظل تصدر ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان المشهد وتراجع ولي العهد الامير محمد بن نايف المحب «للاضواء»، وغير المعتاد على البقاء في «الظل»، وهذا يطرح اكثر من علامة استفهام حول مستقبل التعايش القائم بين الرجلين في ظل غياب الملك سلمان عن الادارة الفعلية للبلاد.

المعضلة الرئيسية لدى المملكة العربية السعودية تبقى في تجميع اوراق القوة قبل موعد الجلوس على «الطاولة»، والساحة السورية تتصدر قائمة تلك الخيبات راهنا، وبعد ان خسرت الرياض «اوراقها» وقبلت الشراكة مع تركيا وقطر في مشروع دعم «جيش الفتح»، جاءت الفضيحة المدوية من خلال المواجهة الكارثية بين «جبهة النصرة» «والفرقة 30» التي تشكل طليعة المتدربين الاميركيين ورعاتهم الاتراك تحت «مسمى» المعارضة المعتدلة، والسؤال البديهي كيف لهكذا مجموعات خضعت لتدريب اميركي، لقتال تنظيم «داعش» اولا والجيش السوري ثانيا، ان تتولى مهمة بهذا الحجم، وهي لا تستطيع أن تحمي نفسها؟ وممن؟ من المجموعات التي بذل الكثير من الجهد «لتلميع» صورتها. وفي هذا السياق يبدو الرهان على منطقة آمنة شمال سوريا على يد «الصديق اللدود» تركيا غير مكتمل الملامح ودونه عقبات في ظل التباين بين المسؤولين الاميركيين والأتراك فخيار «تنظيم داعش أولا» تتبـناه الادارة الاميركية، أما خيار «الأسد أولا» فهو موقف تركيا والسعودية، لكن أوبـاما يرفض الاطاحة بالنظام السوري، ليس «محبة فيه» وانما يرى في انهيار النظام فرصة لتولي الارهابيين الحكم في سـوريا.

اما الرهان على الموقف المصري من الازمة السورية فهو يتلاشى يوماً بعد يوم، بالنسبة للمصريين مكافحة الارهاب «اولا» «وعاشرا»، وصون الجيش السوري اولوية لحماية سوريا من التقسيم. في اليمن اي انجاز لا يمكن صرفه على «الطاولة» الا شراكة مع ايران في الحل والنفوذ، زمن التفرد هناك انتهى الى غير رجعة. وفي الاردن وبعد صمت طويل قرر العاهل الأردني اقفال الباب امام مشاريع توسع المملكة شرقا وشمالا وتحديدا في الأنبار العراقية ودرعا السورية وحديثه عن«الفهم الخاطئ» لموقف الأردن هو إعلان عن الفشل، ويبدو ان الاردن اختار استراتيجية «التريث» بعد ان نصحه البريطانيون انتظار معالم التسوية الشاملة وعدم المغامرة، فتراجع الملك «خطوة الى الوراء» وتخلى عن الإفراط السعودي في الاستعجال لتحقيق مكاسب سريعة لم تعد في «متناول اليد».

اما عدو السعودية «اللدود» حزب الله، فهو مرتاح اكثر من اي يوم مضى على الساحة اللبنانية، «ويخرب» مشاريع المملكة في سوريا دون اي «ارباك» داخلي، فالازمات المتلاحقة داخل تيار المستقبل جاءت لتزيد من «الطين بلة»، فالسعودية تفتقد راهنا لثقل جدي يمكن الرهان عليه بعد سلسلة الاخفاقات التي اخرجت لبنان من دوره المفترض «كحديقة خلفية» «للثوار» في سوريا، وجاءت المماحكات الداخلية في «التيار الازرق» لتزيد من ضعفه، واذا كان هذا التيار فشل في ادارة حل ازمة النفايات، وسط رائحة السمسرات والمحسوبيات، فان اكثر ما يقلق المسؤولين السعويين هو فشل الرئيس سعد الحريري في السيطرة على الموقف، ما تسبب مزيدا من الاضرار في الشارع السني المحبط اصلا من سياسات تيار المستقبل «المربكة»، في ظل انحسار مخيف في الموارد المالية، وارباك في التوجيه السياسي.

اسئلة كثيرة بدأت تطرح اكثر من علامة استفهام حول عدم تدخل المملكة لحل الازمة المالية، وثمة تسريبات مصدرها السعودية تفيد بان هذا التردد مرده انعدام الثقة في قدرة الحريري على استخدام تلك الاموال في مكانها الصحيح، وثمة قناعة انها ستهدر دون اي جدوى حقيقية، وعاد «اللوبي» المعادي للحريري في المملكة يتساءل عما يفعله في الرياض ولماذا لا يعود الى بيروت؟ وماذا ينتظر؟ و«بخبث» شديد نقل هؤلاء عن شخصية سعودية رفيعة المستوى ترحمها في احد المجالس الاسبوع الماضي على الرئيس رفيق الحريري الذي لو قدر له البقاء على قيد الحياة لاستغل لحظة الفراغ السياسي في المنطقة لمحاولة «لعب دور» محوري، وهو امر يفتقده نجله الذي يريد من يحثه على التحرك، واذا ما استجاب لذلك كان تحركه دون «بركة»، فهل قدر السعودية ان تبقى تتحمل هذا العبء؟ طبعا الشخصية نفسها اجابت بالايجاب، لان الخيارات ليست محدودة وانما منعدمة، وربما لو توفر البديل لكان ثمة كلام آخر، والحريري نفسه يعرف ذلك، ويدرك ان جزءا من الصراع المفتوح في بيروت بين «الاجنحة» «الزرقاء» هو تقديم اوراق اعتماده للملكة.

وللمفارقة، فان «المصيبة» تجمع اليوم السعودية وحزب الله، وبحسب اوساط بارزة في 8آذار، فان نقطة التقاطع الوحيدة اليوم بين الحزب والرياض تتمثل «بالخيبة» من سعد الحريري، فكما تفتقد المملكة «لرأس حربة» على الساحة اللبنانية يفتقد الحزب «لخصم» يمكن ان يتحول الى «شريك» قادر على عقد تفاهمات «ناضجة» تخرج البلاد من ازمتها الراهنة، لكن رئيس الحكومة الاسبق خيب أمل «حارة حريك» المرة تلو الاخرى، ولم يثبت يوما انه على قدر الآمال المعلقة عليه، وآخر «النكسات» ما تسبب به من «اضرار» كارثية في حواره مع الجنرال ميشال عون. لا رغبة لدى الحزب في اجراء مقارنة «لا تجوز شرعا» بينه وبين والده الذي كان ليستغل الظروف الراهنة للعب دور محوري «لرأب الصدع» بين الرياض وطهران، وهو دور لا يجرؤ الحريري الابن على خوض غماره، ولذلك تبقى «نقطة» الالتقاء الوحيدة» بين الحزب والسعودية هي «السخط» من الحريري، والسؤال المشترك يبقى ما هو البديل؟