IMLebanon

عون و«حزب الله».. أعمق من التفاهم

لم يكن من المتوقع بلوغ التفاهم بين «حزب الله» و «التيار الوطني الحر» هذا المدى من التآلف والصدقية. فبعد مرور عقد من الزمن على تفاهم مار مخايل، تجاوزت العلاقة بين الجانبين المألوف لناحية القدرة على التقريب بين متباعدين، كما كسرت القاعدة لجهة الجمع بين خصمين ووضعهما في خانة تحالفية واحدة. على أن فرادة التجربة في هذا الخضم اللبناني المضطرب والمتقلب، لا تقف عند حصول التفاهم في ظل انعدام التجارب المماثلة، بل تتخطى ذلك إلى ديمومته واستمراره في ظل ذهاب تحالفات أخرى «عريقة» نحو الفراق والتشظي.

انتقل حزب المقاومة والتيار العوني من ورقة التفاهم إلى حالة التحالف عبر علاقة تحولت، في ما بعد، إلى ميثاق غير معلن في المواطنة والعيش المشترك. في البدء بدا التفاهم مجرد خيار سياسي بين فريقين اختارا، برغم التباعد بينهما، التقارب في السياسة على خلفية المصالح المشتركة، ثم ما لبث أن تحول إلى خريطة طريق لولادة لبنان الجديد.

استطاع الحليفان خرق جدار الوهم الذي يفصل بين اللبنانيين. التحالف بينهما أقفل الباب أمام العودة إلى الحرب الأهلية، واستبدل الصدام بالتكامل، وجعل التصورات الوفاقية الصعبة أمراً واقعاً وضروريا. في البعد الوطني هو تحالف بين الأقويين والأكثر تمثيلاً. فلا غلبة للآخرين عليهما ولا قرار يمر من دونهما. أيضا هو في انعكاساته ما بعد اللبنانية، يصلح نموذجا للتعايش بين المسيحية المشرقية والإسلام الوسطي على صعيد المنطقة برمتها.

العلاقة بين «التيار» و «الحزب» باتت أعمق من التفاهم ببنوده العشرة. التفاهم بين الجانبين تجاوز كونه خطوة صعبة النجاح إلى تجربة قاربت النموذجية في صدقها وصفائها، وانتقل من كونه بنوداً سياسية محددة إلى كونه صيغة خلاقة تتيح الاندماج المجتمعي بين اللبنانيين على أسس من القيم الوطنية والإنسانية. ليس في التفاهم بند يتحدث عن تحالف وجودي، فيما العلاقة بين الجانبين وجودية (بحسب تعبير العماد عون). لم يفرد التفاهم بندا للوفاء في العلاقات بين الجانبين، غير أن وفاء التيار للحزب في حرب تموز ساهم في قدرته على الانتصار، كما أن وفاء الأخير للجنرال في المعركة الرئاسية شكّل ضمانة تعزز فرص وصوله الى الرئاسة وتمنع أي أحد غيره من الوصول إليها. ومع أن ورقة التفاهم لا تتضمن مساحة من العواطف، فإن ما يجمع اليوم بين الرابية وحارة حريك من مودة وتعاطف يتخطى السياسة بأشواط.

كثيرون راهنوا على انفكاك عرى العلاقة بين التيار والحزب عند أول استحقاق وفي معمعة أي منعطف. يحلو للمتضررين من التفاهم الحديث عنه بوصفه فزاعة تستهدف الآخرين. البعض رأى في التقارب بين البرتقالي والأصفر ركيزة لتحالف الأقليات بوجه المكون الأكثري في المنطقة، بينما هو في الواقع تقارب يعبر عن التعايش الذي تحتاج اليه كل مكونات المنطقة. البعض الآخر استعجل سقوطه واضعا إياه في خانة تقارب النقيضين، واعتبره فلتة شوط في خضم تقلبات المشهد اللبناني، لكن مع مرور الوقت تبين أنه تلاق بين متشابهين تحتاجه الأكثرية الصامتة من اللبنانيين.

يحتاج لبنان إلى مـــقاومتين يعيش بهما، الأولى لمواجهة الخطرين الإسرائيلي والتكفيري، والثانية لمواجهة الفساد على طريق الإصلاح والتغيير وبناء الدولة. وما بين «التيار العوني» و «حزب الله» هو ما بين مـــقاومتين لا بد منهما على طريق قيامة لبنان