IMLebanon

عون يغطي «حزب الله».. والحريري «صمام أمان» بقاء الحكومة  

 

يتفق الجميع من دون استثناء على أن الوضع في البلد ليس سليماً كفاية وان كان يحظى بنعمة الاستقرار الأمني.. وقد انعكست الانقسامات السياسية وغير السياسية من طائفية ومذهبية وطبقية، بشكل او بآخر على وضع الحكومة التي أريد لها أن تكون «حكومة استعادة الثقة» فكانت النتيجة أنها باتت بحاجة الى الحد الأدنى من الثقة وقد ظهرت الى العيان تباينات لمواقف الافرقاء السياسيين في العديد من الملفات والقضايا من بينها مسألة «النأي بالنفس» عما يجري في المنطقة، وتحديداً العربية منها والسورية على وجه الخصوص، وقد وصلت الى مرحلة باتت فيها زيارة وزراء في الحكومة الى سوريا موضع جدال لن ينتهي مصحوباً بتهديد البعض بأن الحكومة مهددة ببقائها..

اعتمد رئيس الحكومة سعد الحريري سياسة الاستيعاب والحكمة والتعقل وقد نجح في ايجاد مخرج خلاصته ان زيارة وزير الزراعة غازي زعيتر ووزير الصناعة حسين الحاج حسن، ولاحقا زيارة وزير الاشغال يوسف فنيانوس الى العاصمة السورية هي «زيارة ذات صفة شخصية لا رسمية».. فالرئيس الحريري يدرك صعوبة المرحلة ودقتها، وهو يعرف ان الجسم اللبناني «لبيّس» وان كان غير مؤهل كفاية لصد تداعيات ما يجري في المحيط الاقليمي فعمد الى ضبط النفس من أجل عدم «تكبير الحجر»، مؤكداً ان «المسألة لن تؤدي الى استقالات من الحكومة»، وهو، كما سائر الافرقاء، يعرفون ان الاستقالة من الحكومة وتهديد بقائها سيؤدي الى فراغ بالغ الخطورة يستحيل معه البحث عن حكومة بديلة بمواصفات مختلفة..

في جلسة مجلس الوزراء السابقة حرص الرئيس الحريري على شطب ما جرى من سجالات حول مسألة زيارة الوزراء من محضر الجلسة، وهو يعرف ان البعض يريد ان يستثمر على هذا الموضوع، او على هذا «التفلت الوزاري» الى أبعد ما يمكن، لينتقل من هذا الى التصويب على العهد، ابتداءً من رئاسة الجمهورية، حيث يرى البعض في رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مجرد «صمام أمان» لـ»حزب الله» في لبنان، على رغم ما يراه عديدون من تجاوزات فاقت التوقعات وأثارت العديد من الأسئلة والتساولات على المستوى الدولي والاقليمي والعربي.

ليس من شك في ان لبنان ليس جزيرة منعزلة عن محيطها، وهو يمر بمرحلة دقيقة للغاية.. وفي المبدأ، فليس من حق أي فريق، مهما أوتي من قوة ومساحة انتشار شعبي وجغرافي ان يتفرد في قرارات تتجاوز الاجماع او التوافق الوطني وتزج لبنان في آتون صراعات لها أول وليس لها آخر.. واذا كانت في رأي البعض مقاومة العدو الاسرائيلي واجب وطني وقومي، وذات مشروعية محقة وعادلة، فإن «حزب الله»، تجاوز الخطوط الحمراء وراح بعيداً في قراراته غير آبه بما ستكون عليه مواقف سائر الافرقاء الذين لن يكونوا بمنأى عما يمكن ان يحصل من تداعيات ونتائج..

يستند «حزب الله» في ذلك الى مجموعة عوامل تمثل له القوة، او ما يراه البعض «فائض القوة»، من بينها على سبيل المثال لا الحصر الدعم الاقليمي الذي يلقاه، وتحديداً من ايران حيث بات في نظر عديدين – دولاً وجماعات – اداة ضاغطة اقليميا ودوليا لصالح ايران والغطاء السياسي الذي يحظى به من أفرقاء في الداخل اللبناني والذي زاد من قوته ذلك الغطاء الذي وفرته البيئة المسيحية ممثلة بـ»التيار الوطني الحر» وتعزز أكثر بانتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون..

في خضم الأزمات بدت أهمية هذا الغطاء، خصوصاً وان الحزب بات في نظر العالم لاعباً اقليميا بالغ الأهمية، وقد تعزز هذا التوصيف بالمواقف الاميركية التي صنفت الحزب حركة «ارهابية» مشفوعة بسلسلة اجراءات عقائبية قيد الدرس.. من غير ان يمنع ذلك ظهور تباينات في الداخل اللبناني اخذت طابعاً مذهبياً دفع الرئيس نبيه بري الى مبادرة تجمع «حزب الله» و»تيار المستقبل» على طاولة حوارية في مقره في عين التينة بهدف «تنفيس الاحتقانات المذهبية»، التي لم تكمل مسيرتها وقد اعتمدت صيغة «ربط النزاع».

الف الرئيس سعد الحريري حكومة «استعادة الثقة» معتمدة صيغة «النأي بالنفس» التي وردت في خطاب القسم.. لكن «حزب الله» – أحد أركان الحكومة – مضى في سياسته الخارجية، والتي تعززت بمشاركته في القتال في سوريا ضد «الجماعات الارهابية – التكفيرية» واستكملها في جرود عرسال ضد «النصرة» من دون ان يراعي حق الدولة عليه.. وهو يستند الى تحالفه مع رئيس الجمهورية وتياره اللذين يلتقيان معاً على مجموعة من العناوين الكبرى وان اختلفا في بعض التفاصيل الثانوية.

استفاد عديدون من هذا الواقع وراحوا يصوبون على الرئيس عون بهدف تدفعيه و»تياره» ثمن هذه العلاقة المميزة مع «حزب الله».. وفي المبدأ، فإن أحداً لا ينكر ان رئيس الجمهورية يتعرض الى العديد من الضغوطات الخارجية كما والداخلية، وقد عبرت عن نفسها أكثر من مرة وبطرق مختلفة، من بينها اشتراط الولايات المتحدة المضي في تعزيز قدرات الجيش ان يكون «وحده» ووحده فقط، لا ان يكون له شريك في المواجهات المطلوبة ضد الجماعات التكفيرية..

لقد لعب الرئيس الحريري دوراً وطنيا بالغ الأهمية، وهو من موقعه كرئيس «لحكومة كل لبنان» سعى الى تجنيب لبنان ما يتهدده من ضغوطات وعقوبات جراء سلوكيات «حزب الله»، فكانت زيارته الولايات المتحدة، ومن بعدها زيارته الكويت ولاحقا زيارته المتوقعة الى فرنسا، وهو وخلاف الرئيس عون، يدفع الثمن في «بيئته» كما في «شعبيته» كما في نوعية علاقاته الخارجية ومضى في نهجه وسلوكه لا ينظر الى موقعه ودوره من باب المصالح الشخصية او الفئوية، بل من زاوية المصلحة الوطنية، وسياسة احتواء العواصف وقطع الطريق أمام من يزرع الألغام في طريق بقاء لبنان، آمنا ينعم بالاستقرار المميز عن سائر الجوار، ومحط أنظار الساعين الى تعزيز اقتصاده وتوفير سائر الخدمات.. فهل يعيد «حزب الله» النظر في سياساته ومواقفه وادائه ليلاقي سائر الافرقاء في منتصف الطريق؟!