IMLebanon

عون لن يتراجع… الاستفتاء حق دستوري

بعد أسبوعين تنتهي المهلة القانونية لدعوة الهيئات الناخبة كما لتشكيل هيئة مراقبة الإنتخابات، ولا يزال قانون الستين المرفوض رفضاً قاطعاً من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هو الوحيد الماثل أمام وزير الداخلية والبلديات الذي من المفترض أن يدعو في 21 شباط الجاري الناخبين للإنتخاب في 21 أيّار المقبل، على هو مقرّر. ولكن تصرّ قوى سياسية عليمة على أنّ الإنتخابات لن تجري سوى وفق قانون جديد، وإن كان فشل اقتراح القانون المختلط، ويصعب اعتماد النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة أو في دوائر محدّدة.

يبقى إذا اسبوعين لاستكمال الإتصالات والمشاورات التي عادت الى نقطة الصفر، مع العلم أنّ تعديل قانون الستين يتطلّب تغيير جملة أو بعض العبارات فيه لكي تُجرى الإنتخابات وفق قانون جديد مختلف. كذلك فإنّ أي اقتراح آخر، مثل القانون الأرثوذكسي أو سواه لا يتطلّب سوى انعقاد جلسة تشريعية واحدة لإقراره. ولعلّ ما يؤخّر الإتفاق حول قانون جديد، بحسب أوساط سياسية عليمة، هو عدم اتخاذ القرار النهائي لا سيما من قبل الجهات التي لا تزال تحسب مقاعدها وخسارتها وربحها لها في حال اعتمد هذا القانون أو ذاك.

ولكن إذا استمرّ الحال على هذا النحو، أي حساب الربح والخسارة من قبل كلّ المكوّنات السياسية في البلد، فإنّ الإتفاق على قانون جديد لن يحصل، ليس لصعوبة هذا الأمر أو لاستحالته، مع العلم أنّ النقاش استلزم سنوات عدّة ماضية ولم تتوصّل القوى الى أي نتيجة ملموسة، إنّما لأنّ المحاصصة ستبقى نفسها، وهذا ما يرفضه الشعب، كونه يُشكّل نوعاً آخر من التمديد للمجلس النيابي الحالي.

ولعلّ اقتراح الرئيس عون بإجراء إستفتاء شعبي حول قانون الإنتخاب، على ما ترى الأوساط، هو الحلّ الأنجع لوضع القانون الجديد خلال الفترة المتبقية لانتهاء المهل القانونية. فالرئيس عون يعلم تماماً نبض الشعب، وهذا الأخير يلبّي النداء بسرعة فائقة، ويستجيب لطلب عون في حال تقرّر أن يكون الإستفتاء هو الحلّ النهائي.

كذلك فإنّ الشعب الذي سيُخيّر بين القانون الأكثري والنسبي والمختلط، سيختار النسبي، بحسب المعلومات وبعض الإحصاءات التي تجريها حالياً بعض المؤسسات، خصوصاً وأنّه جرّب الأكثري طوال السنوات القادمة ولمس عدم إيصاله الممثلين الفعليين عنه الى الندوة البرلمانية. ولهذا فقد يختار القانون النسبي بنسبة تتراوح بين 60 و 65 % ، والنسبة الباقية ستتوزّع على المختلط والأكثري (بأقلّ نسبة).

ولأنّ هذه النتيجة سترغم كلّ المعارضين للنسبية بالقبول بها، فهم سيرفضون منذ الآن اقتراح الرئيس عون بإجراء الإستفتاء والإعتماد على نتائجه لصياغة القانون الجديد. وقد يتذرّع المعارضون، بحسب رأي الاوساط، بأنّ هذا الإقتراح غير قانوني أو دستوري، علماً أن لا شيء في الدستور يمنع رئيس الجمهورية من إجراء هذا الإستفتاء، وقد سبق وأن استبق عون مثل هذا الإحتجاج من خلال التوضيح أنّه ليس ما يمنعه في القانون من الدعوة اليه.

غير أنّ الأوساط تستبعد اللجوء الى هذا الإقتراح، لا سيما وأنّ القوانين المطروحة لا تحتاج الى الوقت لإقرار أحدها أو تعديلها، فالمطلوب اتخاذ القرار السياسي بالتوافق على قانون جديد، وهذا ما لم يحصل حتى الآن، وتعمل بعض القوى السياسية على تأكيده. فاللقاء الذي حصل في بيت الوسط مساء الأحد بين الرئيس الحريري ورئيس حزب القوّات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، أكّد على ما تقول المعلومات، على ضرورة الإستفادة من الأسبوعين المقبلين لتأمين توافق كلّ المكوّنات السياسية على قانون جديد للإنتخاب يأخذ بالإعتبار هواجس جميع الكتل. وتمّ الإتفاق على سعيهما الى طمأنة كلّ المتوجّسين لا سيما النائب وليد جنبلاط وسواه من القانون الجديد من خلال القيام بزيارات للبحث في هذا الأمر.

ولكنّ جنبلاط حسم أمره برفض النسبية، من خلال إعرابه عن موقفه النهائي من قانون الستين بأنّه يقبل به معدّلاً، وإلاّ فلنذهب مباشرة لتطبيق اتفاق الطائف أي إعادة النظر بالدوائر الإنتخابية وبعدد المحافظات، وإنشاء مجلس الشيوخ، وإلغاء الطائفية السياسية الخ.. ويكون بذلك قد أعطى إشارة الى ما يُوافق عليه، على ما وجدت الأوساط نفسها، لكي لا يُتهم فيما بعد بتضييع الوقت سدى. وما يرضى به هو قانون الستين معدّلاً الذي يُطالب به حزب «الكتائب اللبنانية» أيضاً كخطوة أخيرة، على أن يتمّ اعتماد الدائرة الفردية (أي وان مان، وان فوت).

وهذه المواقف الأخيرة من شأنها تصغير دائرة الخلافات، على ما ذكرت الاوساط، لا سيما لدى المكوّنات الواثقة من نفسها، والتي تجد أنّ مقاعدها محفوظة، وإن تمّ اعتماد أي قانون، حتى قانون الستين معدّلاً. فالتقسيمات لا بدّ وأن يتمّ تعديلها وفق أي قانون جديد سيتمّ التوافق عليه. المهم ألا يبقى قانون الستين كذرّ الرماد في العيون، وهذا بالطبع ما لن يقبل به الرئيس عون.

فالإنتخابات النيابية، لن تكون شكلية هذه المرّة، فتعود الوجوه النيابية نفسها، على العكس تماماً تؤكد الاوساط. فعهد التغيير الذي بدأ مع انتخاب العماد عون رئيساً، وأظهر وجوهاً جديدة في الحكومة الأولى للعهد التي وُجدت بهدف تمرير القانون الجديد للإنتخاب والموازنة، لن يُستكمل إلاّ بتمثيل صحيح للشعب في مجلس النوّاب، ونقطة على السطر. فالرئيس عون صارم في هذا الموضوع، وإن كان يُبدي مرونة معينة لتأمين توافق جميع المكوّنات السياسية على القانون الجديد.

وبرأي الاوساط، إنّ نقصان أو زيادة مقعد أو أكثر لدى كلّ كتلة نيابية لا يجب أن يكون الأساس الذي يجب وضعه للقبول بقانون معيّن إنمّا مصلحة لبنان والشراكة فيه بين مختلف المكوّنات التي تعيش في هذا البلد وتتقاسم السلطة فيه. كذلك فإنّ حماية التنوّع والتعدّد والأخذ بالإعتبار خصوصية كلّ طرف لا بدّ وأن تمثّل الأولوية لدى الجميع وليس عدد المقاعد الذي سينقص أو سيزيد بطبيعة الحال، في حال اعتماد أي قانون، ولو كان الستين.