IMLebanon

انتصار عون في جونية انتصار لحزب الله

تزدحم القراءات في مسرى الأحداث السياسيّة المتراكمة على أرض الواقع مقيّمة بعباراتها العلاقة بين التيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله. وتنسكب الرؤى شاخصّة ومستنبطة لعناوين اعتبرها بعضهم جزءًا من حقل ألغام معدّ لينفجر تباعًا ويفجّر بدوره علاقة صلبة ومتينة بين حزب مقاوم رفع راية الحقّ بالدم والإخلاص الكامل للأرض بوجه إسرائيل المغتصبة وقوى تكفيريّة تتحرّك على الأرض بخلفيّة الاغتصاب عينه بدءًا من فلسطين إلى سوريا الآن، وبين تيّار كسر زعيمه كلّ انعزال مارونيّ أحرق المسيحيين كما احرق الأرض بعقائد قومية بائدة وقنابل قاتلة، وقادهم إلى الجذور الطيبة والمباركة، والمتلاقية بخلفيّتها العقائديّة-القوميّة وبهويّتها الحقّ مع الإسلام القرآنيّ الساطع.

في المسرى الاستراتيجيّ بخطوطه الثابتة، لا حياد كما تؤكّد مصادر الفريقين عن أمرين أساسيين وعقائديين، وهما، إسرائيل هي العدوّة الأساسيّة للمسيحيّة والإسلام معًا، ومقاومتها واجب مقدّس حتى تستعاد فلسطين من براثن هذا الوحش ومخالبه. العيش الوطنيّ الواحد بين المسيحيين والمسلمين ثابتة من ثوابت الأسس الميثاقية والتي نما عليها لبنان الكبير، وهي جوهر ورقة التفاهم وعمق التحالف الاستراتيجيّ، والحزب، تاليًا، حريص كلّ الحرص ومن ضمن أدبياته على توازن الأسس الميثاقيّة من ضمن مقولة المناصفة الفعليّة وقد أمست عنوانًا للنضال ليس عند التيار فقط إنّما عند حزب الله أيضًا.

أمام صلابة الثابتتين ورسوخهما كلّ العناوين تتلاشى ومعظم الأقاويل تسقط، وبخاصّة إذا حملت في طياتها كلّ زيغ أو زغل. العنوان الأساس في القراءة مزدوج في انشداده نحو ورقة النيات بين القوات اللبنانيّة والتيار الوطنيّ الحرّ، وفي التفاصيل نحو الانتخابات النيابيّة وما إليها. ما بين العنوانين يطرح موضوع علاقة العماد ميشال عون والرئيس نبيه برّي وفي الوقت عينه ترشيح الثلاثيّ بري-الحريري-جنبلاط سليمان فرنجيّة لرئاسة الجمهوريّة ليخلق الترشيح بحد ذاته ثقوبا ونتوءات واضحة في العلاقة بين برّي وعون بصورة مباشرة من دون إحراج أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله المؤكّد صبحا ومساء على أنّ العماد عون هو مرشّحه الاستراتيجيّ حتى العظم، وتلك رسالة واضحة أفهمت للجميع فتبلّغوها.

في مسألة العلاقة الجديدة بين التيار الوطنيّ الحرّ والقوات اللبنانيّة، تتباين القراءة بالتفاصيل بين التيار وحزب الله، ولكنّها تلتقي في حدّ وسطيّ عند تفهّم الحزب للخصوصيّة المسيحيّة بأبعادها المترامية الأطراف، ويجيء الفهم من باب اجتثاث الحزب للأسباب الموجبة المؤدّية إلى تلك النتيجة الحتميّة بدءًا من النأي بالمسيحيين خارج السلطة في حقبة التسعينيات من القرن المنصرم، وصولاً إلى مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ الانتخابيّ كإطار لحظويّ راسخ وليس كصرخة عابرة تقوم على إعادة الحقوق المسلوبة منهم إليهم ضمن المناصفة الفعليّة الموجودة كبند ميثاقي في اتفاق الطائف، وانتهاء بطرح مفهوم الرئيس القويّ والعادل للجمهوريّة المالك لقدرة مخاطبة كلّ المكونات الأخرى بصفاء وعدل. النتيجة الحتميّة بنيت على تلك النقاط المعبّرة عن الخصوصيّة المسيحيّة بلحظاتها المتراكمة، وحزب الله في الأساس كان له أن يتبنّى ما سبق أن تمّ طرحه لكونه ضنينًا بموجوديّة المسيحيين. وتذكّر مصادر في الحزب بأن النائب علي فياض وفي لجنة البحث عن قانون انتخابات التي ترأسها النائب روبير غانم هو أوّل من تبنّى مشروع اللقاء الأرثوذكسيّ إلى جانب النائب آلان عون فيما الآخرون نأوا بأنفسهم عنه. وعلى الرغم من كلّ تباعد سياسيّ وعقائديّ بين حزب الله والقوات اللبنانيّة، الحزب متفهّم طبيعة التلاقي بين التيار والقوات وقد عبّر عن ذلك غير مرّة ويأمل، تأليًا، أن تتسع رقعة التلاقي اللبنانيّ للاتفاق على صيغة تخرج لبنان من دائرة الخطر.

في المقابل، تؤكّد مصادر في التيار الوطنيّ الحرّ متانة الثوابت في العلاقة الجذوريّة بينه وبين حزب الله، وتلفت النظر الى أنّ التيار واقف بصلابة إلى جانب حزب الله في قتاله القوى التكفيريّة في الداخل السوريّ وعلى الحدود كما وقف معه في حرب تموز سنة 2006. وهو موقن بحرص شديد على أنّه لولا وجود الحزب في سوريا لكانت المنظمات التكفيريّة قد أكلت الأخضر واليابس وأحرقت الأرض، ولذا يتبنّى التيار الوطنيّ الحرّ تلك المقولة القائلة بأنّ حزب الله ضرورة استراتجيّة للحفاظ على أمن لبنان والمنطقة، على الرغم من أن هذا التبنّي ليس قاسمًا مشتركًا بينه أي التيار والقوات اللبنانيّة، إلاّ أنّه خصوصيّة ذاتيّة مولودة من قراءة استراتيجيّة لفحوى القتال ومعانيه وما ترسّخ عنه من نتائج أثرت إيجابيًّا على استقرار لبنان، على الرغم مما طال بعض مناطقه ومنها بلدات في الضاحية الجنوبيّة من تفجيرات واستهدافات. وتأمل مصادر التيار بأن تتحوّل تلك المسلّمة في مراحل لاحقة هالة جامعة بين القوات والتيار والحزب، إسقاطا لما يمكن تلمّسه خلف حجب المعركة في سوريا من نتائج واقعية أقصر الزمن أو طال. مع استمرار تحفّظ حزب الله على دور القوات اللبنانيّة بسبب تهجم قائدها الدائم على الحزب بلا مراعاة موضوعيّة لعلاقته مع حليف الحزب العماد عون، فعوض أن يستفيد حزب القوات من ظرف لقائه بالتيار ومعنى ترشيحه للعماد عون لرئاسة الجمهورية وهو مشترك بين القوات والحزب يعمد على مهاجمة الحزب بهذا الملف عينًا وملفّ السلاح والقتال في سوريا، فيما المطلوب من الدكتور سمير جعجع الهدوء والتبصّر وترك الأمور تسري بشكل موضوعيّ ورصين للوصول إلى مبدأ تنقية الذاكرة التاريخيّة والحاضرة من الرواسب المتجمعة وهي مصدر كل توتّر وشكّ.

تجمع مصادر الطرفين على وجود بعض التباينات في التجسيد السياسيّ. إذ يبدي حزب الله عتبًا على العماد عون بمحاورة الرئيس سعد الحريري من دون محاورة الرئيس نبيه برّي، وتردّ مصادر في التيار بأنّ العتب لا يفسد في الود قضيّة وبالتالي فإن معظمنا يلتقي برئاسة الرئيس نبيه بري على طاولة حوار واحدة ولا غرو في ذلك، وكما تحاور حزب الله وتيار المستقبل بصورة ثنائيّة على الرغم من كلّ تباعد سياسيّ وعقائدي وبالتحديد في الافاق الاستراتيجيّة فالعماد ميشال عون ورئيس التيار جبران باسيل تحاورا بدورهما مع الحريري ولا غرو في ذلك إذا كان الهدف تلمّس حلول جامعة في موضوع رئاسة الجمهورية.

ويتذلّل العتب اكثر فأكثر على مستوى الانتخابات البلدية فيؤكّد مصدر في التيار الوطنيّ الحرّ بانّ التيار يتفهم برضى تام موقف السيد حسن نصرالله تجاه القوات اللبنانية وتجاه تيار المستقبل بعدم استعداده للتحوّل إلى رافعة للقوات أو المستقبل مع حليفه الرئيس نبيه بري، ويؤكّد بدوره أنّه في جونيه على سبيل المثال لم يكن على تفاهم مع القوات اللبنانيّة في مسألة الانتخابات البلديّة على أرضها، وبالتالي، فإنّ السهام جميعها وجّهت باتجاه كسر العماد عون في عقر دار الموارنة في مكان لا وجود فيه لحزب الله، في حين أنّ الحزب في زحلة وزّع أصواته بين التيار الوطنيّ الحر وآل فتوش وآل سكاف. التيار الوطنيّ الحرّ مدرك بالعمق للتفاصيل وهو مقدّر جدًّا موقف الحزب في زحلة ومتحفّظ على ما حصل في جونيه، وعلى الرغم من ذلك تمكّن العماد عون من التغلّب على الإغراءات المالية وعلى الأحجام السياسيّة المصطفّة لمحاربته وإضعافه من سليمان فرنجية إلى فريد الخازن إلى تيار المستقبل إلى المال المدفوع من جيلبير شاغوري. انتصار العماد عون في المعركة الانتخابية البلدية في جونيه في الوقت عينه انتصار لحزب الله الداعم على الدوام لترشيحه لرئاسة الجمهورية كرئيس قويّ للجمهورية وفي هذا ليس من خلاف جوهريّ البتّة، والعتب على قدر المحبة الجامعة بينهما.

وفي النهاية إنّ العلاقة بين التيار الوطنيّ الحرّ والحزب تبقى متينة على الرغم من الهنات الهيّنات مع مراعاة الخصوصيات، ففي التمديد للمجلس النيابيّ وقف حزب الله إلى جانب التمديد فيما العماد عون عارضه، أدّى هذا الامر إلى عتب وعولج وفهم كلّ فريق دوافع الفريق الآخر. قد تعارض الخصوصيّات في الحراك الداخليّ في الترجمة والتجسيد، وهذا حقّ معطى لكل واحد، لكون العلاقة تأبى الاستنساخ أي أن يكون كل فريق نسخة طبق الأصل عن الفريق الآخر، فرادة العلاقة تسطع بحريّة الحراك داخل كلّ بيئة مع التسليم المطلق بالأمور الجوهريّة، وبالتحديد بأنّ إسرائيل عدوّة للجميع وبأنّ العيش الواحد المتوازن مدى لاستمرار البلد مستقرًّا.

ثمّة مقهورية ينبغي احترامها، والحزب يحترمها عند المسيحيين، وقد قال السيد نصرالله أكثر من مرة أنّه بطلت مقولة الطائفة القائدة. هذا حافز ليفهم المسيحيون وعلى رأسهم التيار الوطنيّ الحرّ أنّ حزب الله لا يريد سوى الخير لهم ويكنّ لهم كل محبة واحترام وهذا مبتادل بينهما بلا انفصال أو تغيير.