IMLebanon

الجيش حامي الحدود.. وما بعد بعد الجرود

قُدرة الجيش على تعزيز الأمن وتثبيت الإستقرار والمعطوفة على ضرب الإرهاب أينما حل وأينما وُجد، تزداد يوماً بعد آخر وتتعزّز قوّة حضوره بأروع مشاهدها خصوصاً عند المناطق الحدودية التي لا تنفك تُحاول الجماعات الإرهابية، التسلّل من خلالها إلى الداخل اللبناني. ويُضاف إلى هذه القدرة، قوّة مميّزة على إختراق مواقع الإرهابيين واصطيادهم، وآخرها العملية النوعية في منطقة وادي الحصن في عرسال، والتي أدت إلى مقتل ما يسمّى الأمير الشرعي لتنظيم «داعش» الملقّب بـ «المليص»، وهو من بلدة قارة السورية، وأحد الإرهابيين الذين أفتوا بإعدام العسكريين اللبنانيين.

يخوض الجيش معاركه الشرسة شبه اليومية في الجرود البقاعية من دون أن تُشكّل عوامل الطقس، أي عائق أمام عملياته الأمنية والعسكرية. فلا الصقيع يُبرّد من حرارة همّة الجنود التي تتفاعل خلال المواجهات التي تشتعل على جبهات الحرب، ولا حرارة الشمس الحارقة يُمكن أن تُطفئ برودة أعصاب العناصر التي تكمن في المواقع المتقدمة بدءاً من العملية الأمنية التي أدت إلى توقيف أمير «داعش» في عرسال أحمد يوسف أمون المعروف بـ «الشيخ» في محلة وادي الأرانب في بلدة عرسال، وصولاً إلى عملية أمس الأوّل التي أفضت إلى توقيف 10 إرهابيين من بينهم «المليص».

رجال من أبناء تراب الوطن، يطلّون من خلف الجبال ويُطلقون صرخات باسم الوطن تُردّد الوديان صداها. هم أصحاب جباه ما تعوّدت إلا النظر شطر السماء وما عرفت الإنكسار يوماً، وها هو «البارد» ما زال يشهد على رجال عاهدوا وطنهم بالدفاع عنه تحت عنوان «شرف تضحية وفاء». رجال تمتزج دماؤهم بلون الأرض فتُنبت اقحواناً يبقى أبد الدهر رفيقاً لتراب يشهد مع كل طلعة شمس، على قصص الرجال الرجال الذين يتحمّلون وحدهم ومن دون منّة من أحد، أوزار حروب تُفرض عليهم ويُكتب لهم فيها النصر على الرغم من الإمكانيات المتواضعة في قلّة العديد والعتاد.

في جرود عرسال، عاد الجيش ليرسم من خلال العملية النوعية التي قام بها أوّل من أمس، خطوط سير المعارك التي يخوضها هناك بريشته هو، وليقول للقريب قبل البعيد، أن الممرّات التي كانت تُعتبر في ما مضى آمنة، ما عادت كذلك اليوم، وأن محاولات التسلل إلى داخل الوطن ذهبت إلى غير رجعة بعدما أصبحت قصصاً من نسج الخيال وبالتالي لم يعد تطبيقها مُمكناً على أرض لبنان. واللافت في نوعية الصيد الثمين الذي تمكّن الجيش من قتله، هو ان «المليص»، كان قد شارك مع المجموعات المسلّحة في مهاجمة مراكز الجيش واقتحام مبنى قوى الأمن الداخلي وخطف عسكريين في بلدة عرسال منذ ثلاث سنوات تقريباً.

من رأس بعلبك الى عرسال وعلى كامل الحدود الشمالية وخصوصاً الجرود، لا تقل أهمية الإتكال على الجيش وقدراته بين هذه البلدة أو تلك. فمن على هذه البقعة كانت أولى المعارك التي يخوضها الجيش ضد الارهاب، ومن هنا أيضا زُفّت طلائع شهدائه. إشارة واحدة من الجيش كانت كفيلة بتعبئة «العراسلة»، لكن الضباط والعناصر لم يطلبوا في كل معاركهم التي يخوضونها في مواجهة الإرهاب، سوى الدعاء لهم. هذا ما يؤكده «العراسلة». يتحدث الأهالي عن قوّة ومنعة اللواء الثامن الذي ينتشر في الجرود. يحاولون بين الحين والآخر ولو بشكل غير منظم مد جيشهم بأطعمة وبمؤن غذائية لكن جميعها تُرد مع شكر وتقدير كبيرين لتعاطفهم، إذ أن للجيش قيادة تهتم بأدق التفاصيل المتعلقة بجنودها المنتشرين عند المرتفعات.

وفي عرسال يتحوّل معظم الأهالي إلى مصدر موثوق في ما يتعلّق بنقل الأخبار من الميدان وتحديداً أولئك الذين يقطنون في المناطق القريبة من جبهات القتال. إذ يُخبر هؤلاء أن الجيش على أهبة الإستعداد في كافة الأوقات لصد أي عدوان، وبأنه أصبح يستشعر تحركات الجماعات الإرهابية قبيل حصولها خصوصاً في الفترة الأخيرة بحيث باتت كل هذه التحركات أو محاولات التسلل، مكشوفة ويتعامل معها الجيش بحرفية عالية. وبرأي هؤلاء «المُحللين» من «العراسلة»، أن محاولات التسلل التي تحصل بين فترة وأخرى، هي خير تأكيد على مدى عمق الأزمة التي تُعاني منها هذه الجماعات في الجرود والتي أصبحت مُحاصرة تماماً. وما هذه الهجمات المتكررة، سوى محاولة لإيجاد منفذ للخروج من خلاله من الأماكن التي يُحاصرون فيها قبل أن يقتلهم الجوع أو الطائرات التي توجّه عن بعد من نوع (UAV) التي يستعملها الجيش في الجرود لضرب الإرهابين.

كل المعطيات تُفيد بأن الجيش على أهبة الاستعداد لأيّ محاولة يقوم بها المسلحون لإحداث خرق ما للنفاذ منه إلى داخل الحدود اللبنانية، وأن غالبية الأسلحة التي تسلّمها في الفترات الأخيرة من مدافع وذخائر تم استخدامها لتعزيز الجبهات التي ينتشر عليها في البقاع خصوصاً مواقع المواجهة في مشاريع القاع وجرود عرسال. كما عمد الجيش إلى تدعيم العديد من المراكز التي كانت تُعتبر ضعيفة نوعاً ما كموقع «تلة الحمرا» في جرود رأس بعلبك الذي سبق أن سقط بيد الجماعات المُسلحة قبل أن يعود الجيش ويسترّده. أمّا في الشأن المتعلق بطبيعة العلاقة بين أهالي عرسال والجيش، يقول وجها البلدة «نحن في حماية الجيش وندعمه بجميع الوسائل المتاحة لنا وإن سمح لنا بمساندته الميدانية، فلن نتردّد على الإطلاق، من صغيرنا حتى كبيرنا.

تمتدّ الحدود اللبنانية – السورية في جرود عرسال وحدها على مسافة تراوح بين أربعين وخمسين كيلومتراً. وتبعد عرسال عن أقرب بلدة سورية وهي بلدة «قارة «حوالي عشرين كيلومتراً (خط نار). ومساحة عرسال مع جردها تساوي تقريباً واحداً على 22 من مساحة لبنان ككل، ولذلك يتباهى «العراسلة» ببلدتهم التي تبلغ مساحتها 5 في المئة من أصل مساحة لبنان الإجمالية 10452 كيلومتراً مربعاً. وللأهالي تأكيد على أن أي شخص يُلقى القبض عليه من قبل الجيش، لا يعني أن البلدة تتحمّل أوزاره، ففي كل منطقة من هذا العالم، يوجد الصالح والطالح. والملاحظ أنه ولدى التوجّه بالسؤال إلى أطفال عرسال عن نظرتهم إلى مستقبلهم، فيُجيبون على الفور، أن أمنيتهم أن يُصبحوا جنوداً في الجيش ذات يوم.