IMLebanon

المادة 522 دليل عُقمنا: لا لمنهجيّة التعديل

«المادة 522 دليل عقمنا»… والعقم المقصود هنا هو في التفكير الرافض لأيّ تجدّد، والمتنكّر لكلّ ما ساهمت به العلوم الجنائية من تقديمات حديثة أقرَّت بمفاعيلها دساتير العالم والقوانين الوضعية الوطنية لمعظم دوله، والتزمتها كلّ استراتيجيات وخطط وبرامج الهيئات الدولية، بكلّ مستوياتها، فجعلت الانسان، «المحور الجوهري الأول لأيّ توجهات هادفة الى تعزيز مفاهيم ومبادئ الأمن البشري وحكم القانون». مع التذكير بأنّ الغاية الأساسية للعلوم الجنائية والعقابية هي ردم الهوة بين التشريعات والتحولات الاجتماعية المتوالية بوتيرة سريعة (وهي هوة سحيقة جداً بالنسبة الى مجتمعاتنا العربية عموماً والى بلدنا خصوصاً).

أمّا المادة 522 المقصودة، لمَن فاتهم متابعة العمل الجاد والمشكور لجمعية أبعاد وغيرها من جمعيات وهيئات المجتمع الأهلي المدني ذات الاختصاص، فهي التي تسقط العقوبة عن مرتكب فعل الاغتصاب فيما لو تزوّج من ضحيته، والمنصوص عنها في الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات اللبناني المُعَنون أصلاً بما يثير الخجل والاستغراب، «في الاعتداء على العرض» مع ما يعنيه ذلك من عدم اعتراف بكينونة المرأة إلّا من حيث هي عرض الرجل أي بعض مقتنياته؟!

وإذا كنّا اول من سلّط الضوء على خطورة هذه المادة، ضمن التوصيات التي خلصت اليها محاضرتنا عام 2008 في مدينة الفيحاء بدعوة من جمعية «العزم والسعادة»، والتي تمحورت حول «التحرش الجنسي بالقاصرات: ضحايا أم منحرفات»، فإنّنا نُرحّب من دون شك بالتوجّه الراهن الى إلغائها، وإنما في اطار منهجية علمية تكاملية تُترجم ما تكرّرت دعواتنا اليه منذ التسعينيات من سياقات بنيوية تقوم على أنسَنة جميع قوانيننا بدءاً من قانون العقوبات، وذلك من خلال انضمام متخصّصين في العلوم الجنائية والعقابية الى اجتماعات لجنة تحديث القوانين النيابية، حيث أننا نعتبر أنّ منهجية تعديلات التجزئة التي تحصل من وقت لآخر على شكل طفرة طارئة، لا تليق بأمّ الشرائع في بلد الاشعاع والنور على نحو ما تعلمناه في كتب التاريخ.

لا بل إنّ الركون الى هذه التجزئة الانتقائية يعوق أيّ مأسسة وأيّ استدامة في تطوير وتحديث قوانينا على المستويات المفاهيمية والتطبيقية. مع التأكيد في هذه العجالة أنّ دستورنا اللبناني يكاد يكون الاطار المفاهيمي الصالح الوحيد لاستناده الى مبادئ انسانية سامية استمدّها من المواثيق الدولية، ولا سيما منها الاعلان العالمي لحقوق الانسان وملحقاته. لذلك فإنّ إشكالية عدم ترجمة مضامين الدستور بشكل علمي ممنهج، تكاد تكون السبب الأول لظاهرة عدم قابلية معظم قوانيننا للتطبيق، إن لم نقل كلها.

وعلى رغم أهميّة الاحصاء الموضوع من دوائر المجلس النيابي، فإنّه من غير المقنع بأنّ 33 قانوناً فقط لا يتم تطبيقها بسبب عدم صدور المراسيم التنظيمية المتصلة بها (الحقبة بين 2000 و2014)، مع العلم بأنّ إصدار معظم هذه المراسيم من الصعوبة بمكان، إن لجهة عددها (الذي يتجاوز العشرين كما في قانون السير الاخير) أو لجهة تعدّد الوزارات المعنية بإصدارها وتعدّد اللجان المولجة بوضع آلياتها التنفيذية (منها على سبيل المثال قانون السير الأخير، وقانون سلامة الغذاء وقانون تنظيم وزارة العدل لا سيما لجهة إنشاء مديرية السجون المنتظرة منذ عام 1983 على رغم كل ما يعتري قطاع السجون من إصلاح متعذّر بسبب العشوائية والارتجال في تجربة الحلول المجتزأة والمُجافية لأيّ مقاربات علمية سليمة).

ولعدم الرغبة في الإطالة، على رغم أهمية الموضوع، نختم بالتمني على لجنة صياغة التعديل المفضي الى إلغاء المادة 522، أن تأخذ في الاعتبار الأبعاد النفس اجتماعية للموضوع، والتي تبرز هنا على رأس قائمة الاسباب الموجبة، وذلك من خلال التفكير ملياً بالوضع النفسي لضحية الاغتصاب عندما ترغم على مساكنة جلّادها وعلى الانجاب منه، في انحراف اجتماعي أقلّ ما يقال فيه إنّه قتل متعمّد للضحية واشتراك جرمي في تدمير العائلة الناشئة عن هذا الزواج بكلّ مكوناتها وأطرافها، على الرغم من كونها -أي العائلة- النواة والركيزة الأساسية لاستمرار أيّ مجتمع.

نقول ذلك لأنّنا لم نسمع، حتى الآن، أيّ إشارة الى هذا السبب الموجب، ولأننا نخشى أن يستمر الحال القائم في تشريعاتنا بالحكم على سلوكيات الإنسان من خلال محدّد واحد هو المعيار القانوني الجامد، في حين أنّ الإنسان متعدّد الأبعاد ولا يصحّ الاستمرار بالحكم على سلوكياته بمعايير بائدة من القرون الوسطى يعيبنا تَمسّكنا بها في حين رفَضها المجتمع الدولي وأسقطتها معظم الدول من حساباتها مذ أقرّت بفردانية العقوبة individualisation مع بكاريا وبتتهام وفري وغيرهم ممَّن رفعوا شعاراً لخّصه العالم «وايت»، بالقول إنّ «وراء كل جريمة حالة خاصة»، وترجمته معظم المجتمعات بإلزامية تعزيز أيّ ملف قضائي، جناية ام جنحة، بملف الشخصية الذي بريَ القلم من تكرار دعواتنا الى إقراره، أقلّه في الجناية، منذ تسعينيات الألفية السابقة!

* مستشار رئيس للأمن البشري وحكم القانون… ACR