IMLebanon

العسيري تعب من 14 آذار

«اذا فشلت المبادرة في الوصول الى التسوية واستمر الفراغ لأشهر عدة مقبلة فلن ينتخب رئيس للجمهورية على نار باردة بل سينتخب بالدماء . فهل نريد ان نكرر حربا أهلية ثانية؟ وفي حال عدم سريان التسوية ما الذي يضمن الا يكون هناك مثالثة»، هذا الكلام للامين العام لتيار المستقبل احمد الحريري، لم يخفف وقعه البيان التوضيحي لمنسقية الاعلام في تيار المستقبل، لان ما قاله الحريري رغم اطاره التهويلي المضخم لتبرير «انقلاب» «التيار الازرق» على حلفائه المسيحيين، يفسر في جزء منه اسباب استعجال السعودية اتمام تسوية انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، المملكة مأزومة في المنطقة، تريد تخفيف الخسائر، حماية مصالحها في لبنان باتت اولوية، بعد ان خسرت «حصانها» السوري اثر انقلاب حلفائها الغربيين على اولوياتها هناك، انه تحول نحو «الواقعية» المتدرجة للحفاظ على «موطىء قدم» في منطقة تشهد تحولات متسارعة وباتت فيها «اللعبة» اكبر من قدرة السعودية وحجمها.

هنا تكمن المعضلة الاساسية بين السعودية ومسيحيي 14 آذار، الرياض برأي اوساط سياسية مسيحية، تبحث عن مصالح «وكيلها» الشرعي سعد الحريري، وليست معنية بمصالح المسيحيين ككتلة وازنة في القرار السياسي اللبناني، وهي عندما اتخذت القرار الذي يناسب مصالحها، لم ترسل بطلبهم لاستشارتهم، بل كلفت السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري بمهمة ابلاغهم بحيثيات القرار، لاقناعهم بالسير بالتسوية لان المملكة ترى مصلحتها في ذلك، وهو لم يقدم اي حجة مقنعة تبرر القبول بهذه الخطوة مسيحيا، وهو لم يتعامل معهم كاصحاب قضية وانما «كمرتزقة» يعملون في خدمة مشروع المملكة في المنطقة، لا اكثر ولا اقل. هذا ما دفع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الى المقارنة في لحظة «غضب» بين تعامل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله «الراقي والمحترم» مع «الجنرال» وكيفية تعامل السعوديين والرئيس الحريري معه، هو قال كلاما كبيرا امام احد النواب «المسيحيين» لا يمكن ايراده حرفيا لانه «يخدش الحياء» بعد ان نقل اليه كلاما عن السفير السعودي يشكو فيه قائلا ان مسيحيي 14 اذار «اتعبوه»!.

وتلفت تلك الاوساط الى ان مجرد تحول السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري الى «ساعي بريد» مكلف بمهمة رسمية لاقناع مسيحيي 14آذار بانتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، دليل لا يقبل الشك على واقع المملكة المأزوم في لبنان والمنطقة، والكلام «الفج» لاحمد الحريري حول المستقبل المظلم لفريقه السياسي ان لم تمض التسوية قدما، دليل آخر على ان «الخيار المر» بانتخاب من «وصموه» بالصديق الوفي للرئيس بشار الاسد، وراس حربة محور المقاومة، أهون الشرين راهنا، لان المقبل من الايام سيكون اكثر سوءا بالنسبة لتيار المستقبل، «الحصان» السني الوحيد الذي تامل الرياض في الحفاظ عليه بعد ان ضاعت جهودها في المنطقة سدى، وفشلت من «البوابة» السورية في ايجاد ما تعتبره «حزام أمان» لمواجهة «المد» الايراني في المنطقة. هذا ما يفسر اعتبار الامين العام لتيار المستقبل التسوية الراهنة بانها انجاز، وما لم يقله صراحة ان هذه الفرصة قد تكون الضمانة الوحيدة لعودة الرئيس سعد الحريري الى السلطة من جديد. من هنا يمكن فهم هذا الاستعجال في انجاز التفاهم قبل ان تصبح شروط التسوية في وقت لاحق اكثر قسوة.

اما لماذا هذا التشاؤم السعودي؟ فببساطة شديدة يعود الى تغيير «قواعد اللعبة» في سوريا، وبحسب اوساط دبلوماسية في بيروت، الامر لا يرتبط فقط بتصريحات وزيري خارجية الولايات المتحدة جون كيري ونظيره الفرنسي لوران فابيوس كمؤشر على التحول الغربي ازاء التعامل مع وجود الرئيس السوري في السلطة، والامر لا يتعلق ايضا بتاكيد ايران المتجدد بان الاسد خط احمر بالنسبة لطهران، او بالدخول العسكري الروسي الذي يتجاوز استراتيجيا مهمة الحفاظ على النظام في دمشق، بل السبب الجوهري يتعلق بفشل السعودية في ايجاد قوة سنية قادرة على ملء الفراغ في سوريا. تأخرت الرياض ومعها الدوحة وانقرة في قلب اولويات تلك المجموعات، وباتت اليوم في موقف يتعارض بشكل جذري مع اولويات الدول الغربية التي وصلت نيران الارهاب الى «ثوبها»، الغرب يبحث اليوم عن «قوات على الأرض» لقتال «داعش»، لم تنجح السعودية في تقديم البديل، لم تنجح في تسويق «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» وهما قوتان سلفيتان على صلة مع جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، كقوة معتدلة رغم دعوتهما الى مؤتمر المعارضة في الرياض. روسيا ترى كل جماعات المعارضة باستثناء قوات الحماية الشعبية الكردية جماعات إرهابية، وهي تضعها على «بنك» الاهداف المستمر لغاراتها الجوية. القوات الكردية لا تغامر بالقتال خارج ما تعتبره مناطقها التي تريد إقامة منطقة حكم ذاتي عليها أو دولة كردية، وآخر التجارب الدالة محاولة واشنطن تنظيم عملية عسكرية مشتركة بين الحماية الشعبية والقوى السنية ـ المعارضة وعدة قبائل للزحف نحو مدينة الرقة إلا أن الأكراد لم يظهروا اي هتمام بالاقدام على التضحية لتحرير مدينة عربية! واشنطن فشلت في تدريب معارضة معتدلة. لا توجد خيارات، عاد الجميع للحديث اليوم عن قوة وحيدة قادرة على القتال، لا مفر من التعاون مع الجيش السوري، وبدء الغرب يتحدث عن ثلاثة خيارات «قبيحة» في سوريا «تنظيم داعش» أو «جبهة النصرة» او «النظام السوري»، وهكذا بدأ التحول التدريجي بالتخلي عن فكرة تغيير النظام، وباتت القناعة راسخة بان العمل مع النظام هو الخيار الأفضل، وبالتالي وضعت مسالة تنحية الرئيس السوري على الرف. السعودية تبحث عن دور «محفوف» بمخاطر الفشل من خلال جمع المعارضة السورية، وتدرك جيدا ان تحديد مستقبل سوريا خرج من يدها، اي حكومة انتقالية لن تكون على شاكلة حكومات لبنان، واي اتفاق لن يكون شبيها بالطائف.

وازاء هذه التطورات، تريد الرياض تثبيت مكاسبها في لبنان قبل ان تضيع في معمعة التطورات اللاحقة، اما لماذا فرنجية وليس عون؟ فهذا السؤال ببساطة لا يرتبط بخلفية الرجلين السياسية، فـ «الجنرال» قد يسهل «هضمه» اذا ما تمت مقارنة تاريخه السياسي بتاريخ فرنجية، فعون يعتبر من «الوافدين» الى «خط» المقاومة بعد تجارب قاسية في تحالفاته القديمة مع الغرب ودول الخليج، اما فرنجية فهو «ابن الخط» بالولادة، وليس التذرع بتسهيلات في الملفات الداخلية يمكن ان يقدمها فرنجية ولا يستطيع عون تقديمها، هي حجة مقنعة. فالخوف على الطائف غير موجود، ولا يشكل اي من الرجلين خطراً عليه، وهذا الامر لا يمكن للرئيس المسيحي ان يقرر فيه، في ظل موازين القوى القائمة في لبنان والمنطقة. اما في شؤون ادارة البلاد ففرنجية لديه ثوابت لا يحيد عنها، ولا يمكن تجاوز حلفائه الطبيعيين فيها، وهو حال «الجنرال» الذي توصل خلال حواراته «الماراتونية» مع الرئيس الحريري الى نقاط مشتركة «مرنة» للغاية لادارة السلطة لو تم الاتفاق على ترشيحه. لكن «الفيتو» الشخصي لوزير الخارجية السعودي انذاك سعود الفيصل اطاح بكل الجهد الذي بذل لانتاج التسوية، واليوم «طيف» الفيصل يلاحق عون. المملكة باتت «اسيرة» هذا الموقف، وتعتبر ان التراجع عنه بمثابة توقيع وثيقة هزيمة واستسلام علني لخيارات الطرف الاخر، بالنسبة اليها تسويق فرنجية كمرشح تسوية «اهون الشرين»، ومن حيث الشكل فقط يمكنها الحديث عن التقاء في «منتصف الطريق» مع طهران، رغم ادراك الجميع ان الرجلين بالنسبة لحزب الله والايرانيين «وجهان لعملة» ذهبية واحدة، اما المملكة فتبحث عن حفظ «ماء وجهها».