IMLebanon

محور «الممانعة» الرئاسي: نحن أيضاً نعطّل!

في خطاب واحد جَمَع بين «استنهاض» صفوف «14 آذار» وتبرير تبنّي ترشيح الحليف المسيحي الأول لبشار الأسد في لبنان، تقصّد الرئيس سعد الحريري التمسّك بفضيلة الغموض في أكثر من نقطة وبند:

التمسّك بعدم مقاطعة جلسات الانتخاب وعدم خشيته من وصول أي شريك بالوطن الى الرئاسة، لكن مع تأكيد الفيتو على ميشال عون. عدم توضيحه سبب عدم الوصول الى نتيجة في الملف الرئاسي مع عون «المتمسّك بالطائف وحماية العيش المشترك» (شروط الحريري لقبول أي ترشيح). الالتزام بقاعدة المرشحين الأربعة والتلويح في الوقت نفسه بوجود مرشحين آخرين.. والأهمّ التجاهل التام لمغزى أن تقول الغالبية المسيحية كلمتها في الاستحقاق الرئاسي: نعم لميشال عون رئيساً…

لن يكتمل عنقود الغموض والالتباسات إلا حين يغادر سعد الحريري مجدّداً الاراضي اللبنانية، من دون أن يؤدي لقاء غسل القلوب وتوضيح «النيات» مع حليفه المسيحي سمير جعجع الى نتيجة.

«جَمعة» البيال زادت في طين التباعد بلّة، فتحوّل «الحكيم» من آمر ناهٍ يُلقي الأوامر والتوجيهات في تفاصيل «العرس الرئاسي» في معراب، الى متّهم أوّل بتعميق الانقسامات المسيحية في حضرة المضيف المغترب.

الاستدراك الذي عكسه البيان الصادر عن الأمانة العامة لـ «تيار المستقبل» بنفي المسؤولية عن اتهام جعجع بتدفيع اللبنانيين ثمن تأخير المصالحة المسيحية ومن ثم توضيحات الحريري المتتالية، لم تفعل فعلها في التغريدات الغاضبة التي استمرت على مواقع التواصل الاجتماعي والتي استاءت من التقاط سعد الحريري سريعاً عدوى «نبش القبور» من مرشّحه للرئاسة سليمان فرنجية! لم تشأ النائبة ستريدا جعجع الردّ على «ستايل» الحريري في مخاطبة «الحكيم» لكن القواعد القواتية حسمت الأمر: الاعتذار لا يكون إلا في معراب.

وعلى الأرجح كان على سمير جعجع وهو يتلقى الصفعة، ضاحكاً، من ابن الشهيد، أن يسأل نفسه عمّا إذا كانت «القوات» ستتوّج أصلاً الحليف المسيحي الرقم واحداً لـ «تيار المستقبل» لو حصلت المصالحة المسيحية بين «الجنرال» و «الحكيم» منذ 28 عاماً!

لكن مشهدية «البيال» السنوية، بكل التباساتها ونقاط استفهامها، أخفت حلفاً سياسياً بدا أمتن بكثير وأكثر صلابة من ذاك الذي حاول سعد الحريري إنعاشه في ذكرى الاغتيال. في مقابل التفكّك الدرامي لمحور قوى «14 آذار» باعتراف الحريري نفسه، وانشطار «8 آذار» بين مرشحَين رئاسيَين «يتنفّسان» مقاومة، ازداد حلف الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط والحريري رسوخاً.

بعيد ترشيح جعجع لرئيس «تكتل التغيير والإصلاح» بادر بري الى دعوة الجميع للنزول الى مجلس النواب «وليربَح من يربَح». وبعدما بقّ الحريري البحصة تبنّى الخيار نفسه، مع إضافة نوعية تمثّلت بإشارته الى احتمال وجود مرشحين آخرين.

في المحصّلة، الثلاثي العابر للاصطفافات يلتقي عند نقطتين أساسيتين: الأولى الاستمرار في إحراج ميشال عون بإظهاره في موقع الساعي لـ «تعيينه» رئيساً للجمهورية (التوافق عليه مسبقاً) قبل انتخابه عبر صندوق الاقتراع، والثانية تصرّف بري والحريري وجنبلاط دوماً من موقع أن الحيطان المسدودة أمام المرشحين الموارنة الأربعة قد تدفع بالنهاية الى الذهاب نحو خيار المرشّح من خارج نادي المتوافق عليهم في بكركي.

هي «اللعبة الديموقراطية» التي يتسلّى بها وليد جنبلاط ويدفع بري باتّجاهها وتبنّاها الحريري بعد طول صمت، لكنها اللعبة نفسها التي لا تستقيم مع خريطة طريق «حزب الله»، وتختصر بمعادلة واضحة: لا لميشال عون!

يلتقي الأطراف الثلاثة على أمر آخر أكثر أهمية: انفراط عقد كل من محورَي «8 و14 آذار». التركيبتان صارتا من الماضي الذي لا يتناسب مع تطوّرات المنطقة والميدان السوري، ولا حتى مع معالم العودة الموعودة لسعد الحريري على حصان سليمان فرنجية الرئاسي.

اليوم لم يعد وليد جنبلاط وحده بيضة القبّان على غرار جلسة 23 نيسان 2014، إذا ذهب المغامرون نحو معادلة «فليربح من يربح». من نواب «الكتائب» الى بطرس حرب وميشال فرعون وكل المستقلين وصولا الى نواب «المردة»، الكلّ يملك ورقة تغيير موازين النصاب والانتخاب. لكن من سيجرؤ حيث لم يجرؤ الآخرون؟ من سيأخذ بصدره تأمين نصاب يغيب عنه عون و «حزب الله» حتى لو استبق بري المشكّكين بالقول إن موضوع الميثاقية لا ينطبق على جلسة انتخاب الرئيس باعتبار أكثرية الثلثين هي ميثاقية بحدّ ذاتها لأنها تمثّل كل التلوينات السياسية؟ واستطراداً أين سيُصرَف محور «الممانعة» الثلاثي لانتخاب ميشال عون رئيساً؟

حتى اليوم، توازن الرعب يفرض نفسه. «حزب الله» وميشال عون غير قادرين على تأمين فرض انتخاب «الجنرال» رئيساً تماماً كما محور «الممانعة» الذي يملك بدوره مفتاح التعطيل. يقول أحد المعنيين بالملف الرئاسي «سبق لجنبلاط عام 1998 أن رفض انتخاب اميل لحود رئيسا. وقد يفعلها اليوم إذا رسا التوافق على عون. المهم، ما لم نر حزب الله وسعد الحريري يدخلان معا يداً بيد الى البرلمان.. فعلى الرئاسة السلام».