IMLebanon

قبل خراب البصرة

الكل بات يعترف بأن البلد يمرّ بأزمة كبيرة وإن كان عنوانها قانون الانتخابات الذي هو في الواقع لا يجب ولا يمكن أن يُشكّل أو يثير كل هذه الأزمة لو كنا نطبق الدستور بحرفيته، ولا نتسوّل الطائفية البغيضة التي لا تعترف بالآخر بديلاً عن نظامنا الديمقراطي البرلماني، في حين ندعي بأننا نمارسها من خلال الانتخابات النيابية وتداول السلطة.

لو كانت القوى السياسية التي تستمد قوتها ونفوذها من الطائفية كقوة تملك حق الفيتو وحق الرفض ولو من موقع مخالف للآلية التي يحتمها النظام الديمقراطي، لو كانت هذه القوى تؤمن بالديمقراطية وتمارسها بدلاً من الطائفية البغيضة، لما كان استمر عجزها عن إنجاز قانون جديد للانتخابات طوال ثماني سنوات ونيف مضت على حساب سمعة البلد ونظامها الديمقراطي الذي لا يطبق كما هو وكما يجب ان يكون عليه، ولما كنا نعيش اليوم تلك الأزمة البنيوية العميقة طالما أن الحلول لمثل هذه الأزمة موجودة في المجلس النيابي الذي يمثل وفق الدستور السلطة التي تشرّع القوانين لتصدرها السلطة الاجرائية وتصبح نافذة، فلماذا لم يجتمع هذا المجلس في دورته الاستثنائية لدرس كل مشاريع واقتراحات القوانين الانتخابية ويصوت عليها واحداً واحداً ويقرّ من يحظى بأصوات الأكثرية النيابية، إلا إذا كان العائق الذي يحول دون ذلك هو تلك الطائفية التي حلت فعلياً محل النظام الديمقراطي، وباتت تتحكم بكل مفاصل الدولة، علماً بأن اتفاق الطائف ناقش بعمق هذه المسألة وما تشكله من عائق لتقدم هذا البلد وتطوره كغيره من الدول ذات الأنظمة المشابهة، وتوصل الى نتيجة حاسمة وهي أنه لا مناص من إلغاء الطائفية والمواطن الطائفي لحساب المواطنة الحقة، أي الانتماء الى الوطن وليس الى الطائفة، ووضع نص صريح بوجوب إلغاء الطائفية بدءاً باجراء الانتخابات النيابية خارج القيد الطائفي، غير ان القوى المسيطرة على البلد والتي استمدت قوتها من طوائفها حالت دون تطبيق اتفاق الطائف طوال اكثر من ربع قرن، كما حالت دون وضع قانون جديد للانتخابات غير مبني على أساس حماية زعماء الطوائف، من خلال اكتساح المقاعد النيابية، كل في طائفته، بمعزل عن قواعد اللعبة الديمقراطية السليمة التي تمارسها الدول الديمقراطية في كل أنحاء العالم. فلماذا مثلاً لم يدعُ حتى الآن ورغم عمق الأزمة رئيس مجلس النواب الى جلسة او جلسات تشريعية لدرس مشاريع واقتراحات القوانين الموجودة في أدراج مجلس النواب ويقرّ الأصلح منها وفق الاصول التي ينص عليها النظام بدلاً من اقفال ابواب مجلس النواب إرضاء لهذا الزعيم او ذاك من زعماء الطوائف، بل ولماذا يهدد رئيس الجمهورية بالفراغ او يمتنع عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة كما ينص القانون النافذ بدلاً من اصدار مرسوم عاجل بفتح دورة استثنائية لمجلس النواب، تخصص لدرس كل القوانين الانتخابية المحالة عليه واقرار ما يراه الأفضل منها لتجري بعدها الانتخابات النيابية على أساسه، لكن من أين نأتي بمثل هذا الحل الديمقراطي السليم ما دام المعنيون بتطبيق احكام الدستور قد ألزموا انفسهم بمراعاة زعماء الطوائف ولو أدى الأمر الى خراب البصرة وسقوط ما تبقى من هيكل الدولة؟