IMLebanon

البقاع بعد اطلاق ريشا… أية ضمانات؟!  

بعد مساع وتدخلات سياسية – أمنية – عسكرية وحركة الاحتجاجات وقطع الطرقات عاد سعد ريشا الى  عائلته سالماً معافى بعد أربعة أيام على خطفه من قبل »مجهولين« معروفين بالاسم والهوية..

يسجل للرئيس نبيه بري دوره في اطلاق ريشا، وقد ترك الانجاز المشترك بينه وبين مخابرات الجيش ارتياحاً بالغاً، مع حذر واضح ومبرر من ان يتكرر المشهد، خصوصاً وأن لا ضمانات تذكر على هذا الخط..

ما حصل في البقاع الاسبوع الماضي لم يكن مفاجئاً، وقد تكرر المشهد، والوعود التي أطلقت عن خطط أمنية والسعي لاعادة الروح لهذه المنطقة عبر »الانماء المتوازن« وتمكين الناس من البقاء في بلداتهم وقراهم بقيت حبراً على ورق.

ليس من شك في ان الخطة الأمنية للبقاع (شرقه وغربه وشماله وجنوبه) ضرورة لكنها غير كافية ولا تصل الى المرجو منها.. فالبقاع عموماً، وعلى ما تدل الوقائع والأرقام والمعطيات على أرض الواقع يحتاج الى خطة انمائية حقيقية تشعر البقاعيين بأنهم أبناء هذا الوطن وهذه الدولة الغارقة في الديون بعشرات مليارات الدولارات، وتساعدهم في الخروج من هذا السجن الواسع وهذا الاسر والضغط الاجتماعي الذي دفع عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف منهم ليتركوا مناطقهم ويلتحقوا بضواحي العاصمة بيروت (الشرقية والجنوبية) التي باتت علامة مميزة في الفقر والحرمان.

على أهمية الدور الذي قام به الرئيس بري عبر (ابن بريتال) بسام طليس، فإن ما نقل عن لسانه لجهة الحسم من قبل الجيش والقوى الأمنية شكل صدمة حقيقية، وهو أحد أبرز القياديين الذين عايشوا الفقر والحرمان في جنوب لبنان، وصاحب مقولة: »العتالة مننا والبويجية مننا والزبالة مننا..«، كما ويعرف ان الانسان بطبيعته لم يخلق شريراً، وان ما آلت اليه أمور البقاع منذ سبعينات القرن الماضي كاف ليكون البقاعيون كلهم من »الطفار« الذي لاحقهم طيران الدولة اللبنانية في جرود الهرمل، في وقت كان العدو الاسرائيلي يمرح ويلعب في الجنوب..

يسجل للبقاعيين عموماً أنهم عضّوا على الجراح طويلاً، وان ما يحصل من تجاوزات أمنية وخروقات لا يتعدى حدود الأفراد، قلّوا او كثروا.. لكن المسألة لم تقفل هنا، ولا تحل بالأمن والسلاح والاعتقالات ومذكرات التوقيف التي بلغت نحو ثلاثين الف مذكرة.. ولا بد من البحث عن الأسباب، خصوصاً وأن البقاعيين عموماً، لم يتخلفوا يوماً عن واجب وطني.

البحث عن الأسباب، وازالتها واعادة الحياة الى شرايين البقاع هو العلاج الحقيقي لاسيما وأن معاناة البقاعيين ليست بنت اليوم، وليست بنت البارحة، بل هي تعود الى ما قبل سبعينات القرن الماضي، ولم تقدم الدولة على خطوة واحدة تعوّض غيابها التاريخي، وتعيد الحياة الى البقاع الذي وصف تاريخياً بأنه »اهراءات روما«.

الفقر والحرمان والإهمال أساس مشكلة البقاع.. والنظام »الريعي« الذي اعتمد زاد من فقر الفقراء وأقتلعهم من ديارهم وأرضهم وهم الغالبية الساحقة من اللبنانيين، كما زاد من غنى الأغنياء الذين هم قلة لا يتجاوز عددهم الخمسة في المئة من مجموع الشعب اللبناني.. وما زاد الطين بلّة ان البقاع الذي يحظى بمواقع سياحية وطبيعية تاريخية بالغة الأهمية (العاصي، الليطاني، قلعة بعلبك (اضافة الى البردوني ونبع عنجر وبحيرة القرعون والعديد من المواقع.). ويشكل مفصلاً حيوياً في الربط بين سائر المناطق اللبنانية ودول الجوار، لم يعد في قاموس عديدين سوى أنه عنوان لزراعة الحشيشة (التي طالب النائب وليد جنبلاط بتشريعها) وتهريب الممنوعات والبيئة الحاضنة للاخلال بالأمن.. وهو الذي حتى اللحظة كانت له اسهامات بالغة الأهمية في توفير الاستقرار والأمن للبنان عبر سد المنافذ يتسلل منها الإرهاب من سوريا الى لبنان.

ما حصل في البقاع قبل أيام، وقبل سنة يجب أن يكون جرس انذار حقيقيا، لا منصة للمتاجرة والمزايدة وتعزيز الانقسامات، وكأن خطف سعد ريشا جاء لأنه من بيئة روحية معينة ليستنفر البعض..

ينعم البقاع بثروات طبيعية بالغة الأهمية.. لكن سياسة الدولة القائمة على تعزيز اهمال هذه المنطقة جعل من الليطاني مكباً للنفايات ومصباً للمجارير، شأنه في هذا شأن نهر البردوني الذي عرفت به زحلة – عروس البقاع.. ومن أسف، ان أحداً من »زعامات« ونواب البقاع، لم يحرك ساكناً، ولولا مصلحة الرئيس بري في الجنوب لما أثير ملف الليطاني؟!.

نعود ونكرر، الشكر لقوى الجيش ومخابراته، ولكل من سعى على خط تحرير ريشا، لكن هذا وحده لا يوفر شبكة الأمان المطلوبة ولاعادة الحياة الى هذا البقاع.. العلاج لا يكون فقط في الخطط الأمنية والعسكرية ورفع الغطاء عن ملاحقة المطلوبين، بل بازالة الأسباب والعمل على خطة انمائية شاملة في الزراعة والصناعة والسياحة، والافادة من »مطار رياق« ليكون منطقة حرّة لسائر المحيط، واعادة الحياة الى »سكة التران« لتسهيل الخدمات وتخفيف الضغوطات غير المحمولة على الطريق الرئيسية بين العاصمة وسائر البقاع..

ان اتساع دائرة الفقر والحرمان، وتزايد عدد العاطلين من العمل، وتعريض ما تبقى من القطاع الزراعي، وتعطيل المؤسسات الصناعية لا يقود الى دولة العدالة والتنمية المتوازنة، التي وعد بها مؤخراً الرئيس العماد ميشال عون، بل الى احياء دويلات »الطفار« وما أكثرهم؟! وأيا كانت القراءة لما حصل أخيراً، فإن من المبالغة في الاهمال القفز فوق جملة من الحقائق والوقائع التي أفرزتها سياسات الحكومات المتعاقبة وعنوانها الرئيس ادارة الظهر للبقاع، وكأنه غير موجود، إلا عند الاستحقاقات، النيابية منها.. فالفقر والحرمان ليسا قدراً وقد تحمل البقاعيون ما يكفي على امتداد حقبات تاريخية وآن الاوان للخروج من هذا الأسر..؟!