IMLebanon

بين 1992 و2016: قوة قاهرة مع… وضدّ

أجهزت الدورة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية ــــ وستكون كذلك حال الدورات التالية في الآحاد المتبقية ــــ على نظرية الظروف الاستثنائية التي تسببت بتمديد ولاية مجلس النواب مرتين على التوالي عامي 2013 و2014

في التمديد الأول للبرلمان عام 2013، حيل دون إصدار المجلس الدستوري قراراً بإبطال قانون التمديد عبر تعطيل نصابه وتغييب ثلاثة من أعضائه. في التمديد الثاني عام 2014، أصدر قراره في مهل ضيقة للغاية وضعته على حد سكين.

نشر قانون التمديد قبل تسعة أيام من نهاية ولاية مجلس النواب الممدد لنفسه، وتسلم المجلس الدستوري مراجعة الإبطال قبل ثمانية أيام. لم يعد أمامه متسع كاف من الوقت يتيح إبطال القانون والفسح في المجال أمام مجلس النواب كي يجتمع مجدداً ويقصّر الولاية الطويلة التي تحفّظ عنها المجلس الدستوري وهي التمديد سنتان و7 أشهر تحت وطأة انتهاء الولاية ودخول السلطة الاشتراعية في شغور تام، يتعذر معه انتخاب رئيس الجمهورية.

سلّم المجلس الدستوري بما أدلت به السلطات الرسمية، وخصوصاً وزير الداخلية والبلديات، حيال الظروف الاستثنائية التي تحول دون إجراء الانتخابات النيابية في موعدها آنذاك. في موازاة ذلك، اكتفت الحكومة بإصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وأهملت الإجراءات المكملة والملزمة لإجراء الانتخابات وتقع في صلب صلاحياتها، وهي تأليف هيئة الإشراف على الانتخابات ولجان القيد العليا وإقرار الاعتمادات المالية المطلوبة.

لم يكتف قرار المجلس الدستوري في 28 تشرين الثاني 2014 بالموافقة على نظرية الظروف الاستثنائية للأسباب التي أدلت بها السلطات، بل نظر الى التمديد على أنه يجعل البرلمان قانونياً راعى أصول تعديل قانون الانتخاب النافذ بتمديد ولايته، بيد أنه افتقر الى الشرعية الدستورية التي يستمدها من إرادة الناخبين عبر إجراء انتخابات نيابية عامة في المواعيد المنصوص عليها في القانون نفسه. على نحو كهذا، لا يستعيد مجلس النواب ــــ في قرار المجلس الدستوري ــــ شرعيته الدستورية الناقصة إلا بالعودة الى انتخابات نيابية جديدة.

حدث ذلك في الماضي القريب.

يلغي إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية مبررات الظروف الاستثنائية، من غير أن يفضي بالضرورة الى فرض إجراء الانتخابات النيابية العامة. لا دور للمجلس الدستوري في ما بعد قراره ذاك وإن تجاوزته الانتخابات البلدية والاختيارية، ولا يسعه الاضطلاع بسوى اختصاصه وصلاحياته حصراً ما إن يتلقى مراجعة إبطال في قانون. ليس ثمة ما يفترض إعادة النظر فيه في القرار، أو اعتباره لاغياً، أو التدخل فيه ما دام أي قرار للمجلس الدستوري لا يقبل بأي مراجعة. بيد أن قراره الأخير اقترن بما يعدّه المجلس جوهره، وهي المبادئ الخمسة التي أوردها:

1ــ دورية الانتخابات مبدأ دستوري لا يجوز مسه مطلقاً.

2ــ ربط إجراء الانتخابات النيابية بالاتفاق على قانون انتخاب جديد، أو أي اعتبار آخر، عمل مخالف للدستور.

3ــ التدابير الاستثنائية ينبغي أن تقتصر على المدة التي توجد فيها ظروف استثنائية فقط.

4ــ إجراء الانتخابات النيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية وعدم انتظار انتهاء الولاية الممددة.

5ــ تعطيل المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، انتهاك فاضح للدستور.

ما يفضي الى الاعتقاد بأن المبادرة في مكان آخر تماماً. بل إن الخوض في انتخابات نيابية عامة يضع المبادرة في يد الغالبية النيابية بتقصير ولاية مجلس النواب على غرار سابقة 1992.

كان انقضى على التصويت على اتفاق الطائف في القليعات شهر عندما عمد مجلس النواب في 7 كانون الأول 1989 الى تمديد ولايته أربع سنوات كاملة، تنتهي في 31 كانون الأول 1994. وسرعان ما عمد الى تقصيرها الى 15 تشرين الأول 1992، أي قبل سنتين من موعد انتهاء الولاية، كي يصير الى إجراء انتخابات نيابية جديدة عملاً بقانون انتخاب جديد كان قد صدر في 22 تموز 1992. أتاحت السابقة تلك إنهاء ولاية المجلس الطويلة الأمد، الممدد له حتى ذلك الوقت في ثمانية قوانين، والذهاب الى انتخابات عامة. حينذاك، رفض المسيحيون قانون الانتخاب الجديد ومن ثمّ المشاركة في انتخابات تجرى على أساسه، ففرضت عليهم. لم يُصغَ الى حججهم ومعارضتهم، أو تؤخذ في الحسبان وجهة نظرهم القائلة بوضع قانون انتخاب عادل، تليه انتخابات يشترك فيها الجميع، على نحو ما تكرّر بعد 22 عاماً عندما أعلن الرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني 2014 ــــ أياماً قليلة قبل إقرار التمديد الثاني ــــ امتناعه عن المشاركة في الانتخابات النيابية في حال إجرائها، وتالياً امتناع مكون طائفي أساسي عن خوضها. استرضي كي يمثل موقفه غطاءً مباشراً لتمديد ثان غير مبرر طوال سنتين و7 أشهر.

قالت الحجة التي تسلح بها الحريري لإمرار التمديد، إن حلفاءه المسيحيين يرفضون انتخابات وفق قانون 2008 النافذ. تماماً على صورة رفض مسيحيي 1992 قانون انتخاب فرضته دمشق وحلفاؤها المحليون، بيد أن انتخابات ذلك العام فرضت عليهم.

تسلحت ذريعة 1992 بالإصرار على إجراء الانتخابات، وكانت في الأصل قراراً سورياً لفرض طبقة سياسية في البرلمان مكملة لتلك التي نشأت بعد اتفاق الطائف في رئاسة الجمهورية والحكومة والجيش، وأن الظروف الطبيعية تتيح إجراءها لتجديد البرلمان.

للسبب نفسه الذي يبقي على الطبقة السياسية إياها ــــ وإن من دون سوريا ــــ تمسي الظروف الاستثنائية ملائمة لانتخابات بلدية واختيارية، وغير ملائمة لانتخابات نيابية.