IMLebanon

بين المواقف السياسية والنصوص الدستورية

من حق رئيس الجمهورية، لا بل من واجبه، أن يتّخذ المواقف السياسية الكفيلة بحثّ مجلسَي الوزراء والنواب على إنجاز قانون جديد للإنتخابات. ولا أحد يمكنه أن يأخذ على الرئيس في السياسة، المواقف التي اتخذها خلال الأيام الثلاثة الماضية لناحية رفض توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وتشكيل الهيئة المولجة مراقبة الإنتخابات على أساس القانون الساري المفعول.

غير أنّ المواقف السياسية التي يعبّر عنها رئيس الجمهورية في خطاب القسم والتصريحات شيء، والنصوص الدستورية شيء آخر، خصوصاً وأنّ رئيس الجمهورية الذي يقسم «بالله العظيم أني أحترم دستور الأمة اللبنانية…» ملزم بالمواءمة عند ممارسة صلاحياته بين مواقفه وبين نصوص الدستور بموجب المادة 60 منه التي تنصّ على أن «لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلّا عند خرقه الدستور…»

وإذا كان من حق رئيس الجمهورية سياسياً أن يعلن أمام مجلس الوزراء الأخير بأنه لن يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وتشكيل الهيئة المولجة بمراقبة الإنتخابات وفقاً للقانون الساري المفعول، فإنّ من واجبه عند التطبيق وعند حلول المهل أن يأخذ في الاعتبار ما جاء في قرار المجلس الدستوري الرقم 72014 تاريخ 28112014 في شأن الطعن في التمديد لمجلس النواب المقدم من نواب «التيار الوطني الحر»، لا سيما لناحية:

1- إنّ دورية الانتخابات مبدأ دستوري لا يجوز المسّ به مطلقاً.

2- إنّ ربط إجراء الانتخابات النيابية بالاتفاق على قانون انتخاب جديد، أو بأيّ اعتبار آخر، عمل مخالف للدستور».

أما موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون القائل إنه إذا بلغت الأمور مرحلة الخيار بين التمديد للمجلس الحالي أو الفراغ فهو سيختار الفراغ، فيصطدم دستورياً بما ورد في مطالعة المجلس الدستوري وحرفيته:

«5- إنّ تعطيل المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، انتهاكٌ فاضح للدستور»، علماً أنّ المجلس النيابي هو كرئاسة الجمهورية مؤسسة دستورية لا بل أم المؤسسات التي منها تنبثق كلّ السلطات.

وبالنسبة الى «تهديد» الرئيس عون بعدم توقيع أيّ قانون يمدّد للمجلس الحالي، فإنّ المادة 57 من الدستور تنصّ على أنه «لرئيس الجمهورية، بعد إطلاع مجلس الوزراء، حق طلب إعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحدّدة لإصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه.

وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا، يصبح في حلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، وإقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً».

وهذا يعني أنه في حال صوت مجلس النواب على التمديد لنفسه في دورة تصويت ثانية بغالبية 65 صوتاً، فإنّ رئيس الجمهورية يصبح ملزَماً بتوقيع التمديد وإلّا فإنّ المادة 57 من الدستور تنصّ على ما حرفيته: «في حال انقضاء المهلة من دون إصدار القانون أو إعادته يُعتبر القانون نافذاً حكماً ووجب نشره».

وعن حق رئيس الجمهورية في منع مجلس النواب من الإنعقاد للتمديد لنفسه، تنصّ المادة 59 من الدستور على ما حرفيّته: «لرئيس الجمهورية تأجيل انعقاد المجلس إلى أمد لا يتجاوز شهراً واحداً وليس له أن يفعل ذلك مرتين في العقد الواحد». وهذا يعني عملياً أنه يمكن لرئيس الجمهورية دستورياً أن يؤخّر قانون التمديد في حال كان مجلس النواب يريده شهراً واحداً كحدٍّ أقصى لا أكثر.

في المقابل، فإنّ المجلس الدستوري خلص في القرار المذكور الى ردّ الطعن المقدَّم بالتمديد لمجلس النواب «للحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ في المؤسسات الدستورية».

وانطلاقاً من قرار المجلس الدستوري الذي لا يمكن أن يُغيّر رأيه بين ليلة وضحاها، خصوصاً متى كانت الأمور تتعلّق بمسلمات وقواعد دستورية، يصبح «تهديد» رئيس الجمهورية مجرّد موقف سياسي ضاغط على الفرقاء السياسيين، لا يمكن أن يجد صداه الدستوري على أرض الواقع، ولكنه يُهدّد في حال أصرَّ الرئيس عون على المضي فيه حتى النهاية بنشوب أزمة سياسية – دستورية على المستوى الوطني العام، خصوصاً إذا وصلت الأمور الى حافة الفراغ بقوة التعطيل والأمر الواقع.

وعندها سيكون على اللبنانيين، رئيساً وحكومة ومجلساً نيابياً وأحزاباً وفرقاء سياسيين، الاختيار بين الأزمة المفتوحة على كلّ الإحتمالات التي تُهدّد النظام والكيان وبين التمديد للمجلس الحالي، علماً أنّ التمديد يمكن أن يتّخذ أشكالاً متعدّدة من بينها انتخابات شكلية على اساس قانون يُبقي القديم على قدمه لناحية التوازنات السياسية القائمة حالياً.

* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»