IMLebanon

حذار الرقص على القبور

عندما اخترنا الالتزام، قررنا ألا نكون على هامش الحياة والمستقبل. عشنا في صلب قضايا مجتمعنا وآلامه وآماله. رفضنا اللامبالاة. تحملنا أعباء المسؤولية، واعتبرنا أن من واجبنا أن نكون ذوي لون وطعم.. وأفق وحلم.

وضعنا قدراتنا ودقائق عمرنا وأرواحنا على كفّنا في خدمة التيار ولبنان وخير الإنسان.

ضحّينا بأموالنا وأعمالنا وأرواحنا حيث لزم الأمر بغية تحقيق أهدافنا.

تنازلنا عن ساعات راحتنا، لنوظفها في بناء المستقبل وإعلاء مداميكه.

فماذا حصدنا في المقابل؟

جعلوا منّا «سيزيف العصر». نهضنا بصخرة لبنان الى قمة الخلاص، ثم جاء من يهوي بنا الى سفح اليأس وحضيض الانكسار.

سرقوا منا زهرة شبابنا وجعلونا نعتقد أننا شركاء في صنع مصير، بينما كنا في الحقيقة مجرد درجة من درجات سلم تسلقوه حتى يصلوا الى المراتب والنفوذ والمال والجاه، ولما وصلوا ركلوا السلّم، فهوى بمن عليه الى الهاوية. امتصوا قدراتنا وطاقاتنا وأبعدوا الرفاق عن الالتزام الحزبي النبيل، لا بل دفعوهم دفعاً الى ازدرائه والابتعاد عنه، فكانوا بسلوكهم هذا إنما يعبرون عن قلة وفاء مقرونة بقلة حياء ومعجونة بكثير من الأنانية.

في قلوبنا شريط حزن أسود. في عقولنا جبل أسود حدادا على الديموقراطية. خريطة التيار يزنّرها لون داكن بلون القهر.

كثيرون ضيّقوا الأفق أمامنا وحجّموا خياراتنا. تعلمنا أن لا نكون مع شخص أو ضده، أن لا نمشي خلف شخص وفي ظله، وكل قصدنا أننا نبحث عن مؤسسة لها أسسها وثوابتها، لا يزعزعها غياب الشخص بل غياب الهدف.

أطفالنا حلّفونا ببراءتهم بأن المستقبل يجب أن نصنعه لهم براقاً مشرقاً، لذا نحن هنا وليسّمنا القريبون والبعيدون ما يريدون. لا نلهث خلف صورة ولا كاميرا ولا اسم لمّاع. لم نفعل ولن نفعل. هذه كلها لا تصدّق عنا. رصيدنا كبير والثقة فينا أكبر. لا نسعى إلا أن نكون صوت الضمير، صوت القضية ولن نبيعها بمقعد، بخدمة، بخوف، بترهيب أو ترغيب. لا نسعى الى الحشد ولا الى التفرقة ولا الى المواقع. كل مبتغانا مصلحة التيار.

الثوابت قاموسنا. العقل والوعي منهجنا. أما التسميات والأضواء، فكلها عندنا أقل وأقل من كماليات. بلا لافتة ثبتنا، وبلا حزب التزمنا، وبلا قائد بيننا وقفنا. المهم هو الجوهر، هو مصلحة التيار ولبنان، وحيال هذا لا يخطئ إنسان. لسنا من طينة من يتناتشون المكاسب أو يبنون مواقفهم وفق حسابات الربح والخسارة، وما تعودنا تقديم المصلحة الشخصية على مصلحة التيار، وما تعودنا تشويه الحقائق وقلب الوقائع لأغراض معينة، بل قلنا الحقيقة في وقتها وموقعها ودون خجل أو وجل.

نحن من الفريق الذي يريد للتيار أن يبقى ليس بلافتته بل بروحه وقيمه ومسيرته. نحن مع التيار العالي الجبين والمرفوع القامات والصوت الصارخ بالعزم والقلب النابض بالكرامة. هذا هو التيار الذي عرفناه والذي نريده، لا التيار الذي يُختزل بمخترة أو مجلس بلدي ولا التيار المجيّر لشخص ولا تيار الإسقاط والفصل والإبعاد، ولا تيار الزعل والحقد والبغض والكره والاستئثار، ولا تيار الشماتة والقلوب المشمّعة والعقول المتحجرة.

لم نكن يوماً زواحف ولن نكون. تاريخنا يشرّفنا. هل نسي البعض أننا فضّلنا أبواب السجون على أبواب القصور، حتى نبقى صامدين مع الذات والقضية، ولأننا مؤتمنون على قضية شعب ووطن؟

إن ما نشهده من انحراف خطير عن القيم والثوابت والمبادئ التي استشهد وناضل وأصيب من أجلها كثيرون، يجعلنا ندقّ ناقوس الخطر والإضاءة على أخطاء تجنح الى درجة الخطايا، فالمسار القمعي الذي حاربناه خمسة عشر عاماً باللحم الحي يطبق اليوم علينا، وكمّ الأفواه وقمع الرأي الآخر يفرض علينا، والأنظمة التي تنحو الى الديكتاتورية والشخصانية تحكم تيارنا، وسياسة الإقصاء والحذف والإبعاد دون مسّوغ شرعي ارتضى بعض الأشخاص أن يكونوا أداةً لإنزالها على من كانوا الى جانبهم في الليالي الظلماء والذين كانوا الأساس في إعلاء مداميك التيار ورفعة شأنه والذود عنه يوم لم يكن أحد يجرؤ على تقديم كوب ماء لشاب أو لكهل أو لفتاة أو لأم من جنود جدعون الذين تركوا لحظات الطيبة في عائلاتهم ليكرّسوها لشعبهم وتيارهم.

فيا أيها الرفاق الشرفاء في كل لبنان، لا تطلبوا الرأي من أحد عمّا يجري داخل حزبكم ولا تنتظروا الجواب من عند أحد، فالرأي هو فيكم والجواب موجود عندكم.

انظروا الى حاضركم وزِنوه بميزان أمسكم. كونوا شهوداً للحق والحرية، وارقصوا ما شئتم.. ولكن حذار أن ترقصوا على القبور.

(]) ناشط من مؤسسي «التيار الوطني الحر»