IMLebanon

دماء القاع لـ«حزب الله»: كفى

عكست التفجيرات الإنتحارية المتتالية في بلدة القاع، عمق الأزمة التي يعيشها لبنان من جراء تدخل «حزب الله» في الحرب السورية وتحويله هذا البلد وشعبه، إلى نقطة إستهداف متكررة وإلى ضحيّة تُضاف إلى ضحاياه الذين يزج بهم في صراع لا يمكن أن ينتج عنه سوى الحقد والموت المجاني.

منذ انزلاقه في المستنقع السوري، يبدو أن «حزب الله» لم يتنبّه حتّى اليوم إلى حجم المخاطر التي استجلبها الى لبنان والتي بدأت تتكاثر وتتعاظم خلال الفترة الاخيرة. قتلى بالجملة مخلفين وراءهم أيتاما وأرامل سواء في لبنان أو في سوريا. تهجير وتدمير وتنكيل، فكل هذا يحصل تحت عناوين متنوعة يستدرج من خلالها الشُبان أو يجرهم طوعاً أو كُرهاً، إلى «حقل الرماية» فيُصبحون هم الهدف مع وعود بالحصول على أعلى مراتب «الشرف» و»الكرامة»، لكن في دنيا الآخرة.

سنوات خمس مرت على خوض «حزب الله» حربه الإستنزافية للدفاع عن طاغية الشام. يُقابلها أكثر من الفي قتيل وأكثر من ثلاثة آلاف جريح. مستشفيات تعجّ بالحالات الخطرة ومدافن لم تعد تتسع لمزيد من الجثث، كل هذا والحزب يُصر على إقامة «رحلات» الموت اليومية باتجاه الأراضي السورية واليمنية والعراقية وذلك برعاية «النصر الموعود« الذي يبدو أنه أضاع بوصلته ولم يعد قادراً على التمييز بين طريق القدس والزبداني ولا بين طريق «المقامات» الدينية في دمشق وبين رائحة الدم في ريف حلب الجنوبي.

من بوابة الدماء التي سالت بالأمس في القاع ومن الألم الذي اعتصر قلوب الاهالي وأدماها، خرجت عبارات القهر والشعور بالظلم ومعها خرجت الانفعالات الفردية التي دعت الى التسلح الفردي لمواجهة الإرهاب خصوصاً بعدما تأكد الأهالي أن بلدتهم هي المُستهدفة وأن هناك مُخطّطاً واضحاً يقتضي منهم التنبه لكل ما هو قادم باتجاههم. وفي السياق نفسه كررت كتلة «المستقبل» موقفها الثابت بأن «سلاح الوحدة الوطنية وسلاح القوى الأمنية الرسمية الشرعية، أي الجيش والقوى الامنية حصراً يجب ان تستمر في مقدمة أدوات الحماية الفعلية للبنان. وإذا كانت التطورات تتطلب مزيداً من الإجراءات الاستثنائية التي يتوجب على الحكومة اتخاذها فبإمكان الجيش اللبناني أن يلجأ إلى استدعاء قسم من الاحتياط لمساندته في مهامه الوطنية«. والكلام نفسه خرج أيضاً عن فعاليات القاع الذين اكدوا أن مظاهر السلاح لم تكن سوى تعبير عن الغضب لحظة سقوط الشهداء والجرحى، وبأن القاع ستكون خلف الجيش في أي خطوة سيقوم بها.

بكل تأكيد ان رأس النظام في سوريا، كان ينظر بالأمس إلى ما يجري في «القاع»، والمؤكد انه كان يأمل حصول أمر ما، لتشتعل نيران الفتنة في لبنان، لكن وعي اللبنانيين وتحديداً أهالي وأبناء الشهداء والجرحى، جعل هذا الرهان خاسراً. ويُضاف إلى هذا الوعي، دعوات لقادة وزعماء لبنانيين إلى التزام التهدئة وعدم اعطاء فرصة للنظام السوري لتحقيق ما يصبو اليه. الرئيس سعد الحريري كان من بين هؤلاء حيث اعلن تضامنه مع القاع وأهلها والذي برأيه هو «تضامن مع حق اللبنانيين جميعاً بسيادتهم على ارضهم، واجتماعهم على رفض العاصفة الإرهابية، التي أودت بحياة مواطنين أبرياء، لا علاقة لهم من قريبٍ أو بعيد، بمحاور القتال والحروب والفتن في المنطقة«. ولعل هذا الكلام قد يكون بلغ مسامع «حزب الله»، ليُدرك بأن هناك أبرياء لا شأن لهم في حروبه، يُقتلون ويُجرحون، أولاً كونهم لبنانيين، وثانياً لأنهم لا يُريدون أن تتلطّخ أيديهم بدماء الأبرياء.

كتلة «المستقبل» عادت وحمّلت «حزب الله» كل انواع الأذى التي يتعرّض لها البلد، فأشارت في بيانها إلى أن «حزب الله، ومنذ أن بدأ انغماسه وتورطه في الحرب الدائرة في سوريا والقيام بتلك المعارك الاستباقية المزعومة وإسهامه عملياً في تهجير أعداد كبيرة من المواطنين السوريين من قراهم، بادر الى تبرير ذلك بالقول انه ذاهب إلى سوريا لمنع الإرهاب من التوجه الى لبنان والنتيجة ويا للأسف وكما حذرنا منها مراراً وتكراراً كانت خلافاً لما فتئ يردده حزب الله ، حيث ان الإرهاب ما لبث أن عاد وتبعه الى لبنان مخترقاً أمن اللبنانيين«.

قبل انزلاقه في الحرب السورية كان كل الكلام الذي يصدر عن قادة «حزب الله «محط ثقة وغير قابل للنقاش أو الجدل داخل بيئته. فكل الأوامر كانت مُطاعة والتوجهات والتوجيهات والإرشادات كانت تُترجم إلى أفعال. أما اليوم فقد تبدلت الأولويات لدى جمهور «حزب الله» بعدما أصبحت دماؤه تراق، وبالأمس شاهد هذا الجمهور على النحو ذاته، كيف أريقت دماء شركائه في الوطن في بلدة القاع، من دون أي أسباب موجبة، ومن هنا ربما بات لزاماً على اللبنانيين جميعهم وتحديداً جمهور الحزب الممتد من الضاحية الى الجنوب فالبقاع، إطلاق صرخة واحدة في وجه «حزب الله» يقولون فيها: «كفى قتلاً«.