IMLebanon

قارب التشريع

التشريع الذي يأخذ الى القانون والموازنة، يأخذ بالأهمية نفسها إلى شؤون حياتية عالقة في الأدراج منذ تعطلت عجلات البلد، ومنذ لم يعد بالإمكان المقابلة بين المهم والأهم، بين الأول والثاني وبين القابل للبحث والتنقيب والانتظار، لكنه العهد الجديد لا زال يدّخر الكثير من الطاقة ، وليس آخرها جلسات التشريع التي بسلاستها وجديتها وعقلانية طروحاتها تأخذ الى الركون بكثير من الثقة لبنود ومقترحات جرى التصديق عليها مادة تلو المادة، ولأخرى قيد المعالجة، ولورش قائمة داخل المجلس وخارجه، ليس فقط على مدى اليومين الأخيرين، وإنما مفتوحة طالما أن الجميع في خدمة البلد، متعاون وأكثر..

وإذا كانت جلسة أوّل من أمس على أهميتها أكثر من «روداج» بعد طول انقطاع كاد ينسى معه النائب مقتضيات التعاطي مع القوانين والتشريعات والمواد المطروحة وتشريحها ودراستها والإعداد لها، فإن جلسة الأمس شهدت على انطلاقة العملية التشريعية، بحيث لا جدل بيزنطيا دخل على خط نقاشات النواب ولا نقاشات مفتوحة أخذت لغير الاحتمالين: المصادقة أو قيد الدرس ضمن مهل زمنية محددة وغير بعيدة المدى.

وعلى مدى جلسات التشريع، فإن البنود الـ72 لم تمر مرور الكرام، وإنما خضعت للتشريح «مادة» تلو «المادة» في نقاش تفصيلي تلافيا للوقوع في سوء التقدير، وهو الأمر الذي كان الرئيس الشهيد يحرص عليه، وقد اعتمده الرئيس سعد الحريري تحت شعار:» «نحن مع انصاف الناس « ، وعليه كان على غالبية القوانين المؤجلة أن تعبر بقارب نجاة الى ضفة الدولة التي وعدت وأنجزت، على أمل أن تحمل القوارب التي في الانتظار المزيد من مشاريع القوانين التي ما زالت تنتظر بداعي دراستها وفق الحسابات المالية وكلفتها على خزينة الدولة مع الحرص على حقوق المواطن، تماشيا مع قاعدة:الموازنات لا يمكن تجاوزها بشطبة قلم وعبارة: «صدّق«.

وفي عهد تجديد الثقة، حمل المشهد التشريعي السلس بنوداً حياتية كاد ينساها اللبناني في حمأة الانهماك بالعناوين العريضة، حتى إن الجلسات دخلت في تفاصيل «نفسانية»، حيث دارت نقاشات حول الحدود الفاصلة التي تفرّق بين النفسي والتربوي والعلاجي والعيادي، في جيل بحاجة أكثر ما يكون الى تلك الاهتمامات من أجل البناء على قاعدة مجتمعية تصاعدية سليمة، حيث في الغرب تكثر الجرائم في المدارس وأماكن التجمعات والفاعل مراهق، طالب، زوج، أو ابنة..

وعلى وقع رئيس المجلس يطلب مناقشة هادئة من قبل النواب، كان لا بد من أن لا تكون تلك الجلسات على نغمة: «الآتي يلغي الحاضر، والحاضر ينقض الماضي»، وهي قاعدة لم تثمر في لبنان إلا تأجيلا وخمولا وبطالة وانكسارات. فهل تكون الانطلاقة بداية ليس لإقرار قانون حق الوصول الى المعلومات فحسب ، وليس الحديث عن ميزات لبنان من اليابسة الى شبكة الخطوط الأوروبية عبر تركيا ،وليس في جدية التعاطي مع قانون الإيجارات «المزمن» ومعضلة النفايات ومطالب المناطق، إنما في الوصول الى خاتمة سعيدة، والى جلسات تعرف أين حدودها ومتى تغلق الباب على مادة، ومتى تضيء الأخضر.