IMLebanon

«البوسطة».. من عين الرمانة الى عين السماء

بوسطة عين الرمانة أثر بعد عين،ذلك أن زمانها في عهدة الماضي المنكوب بالخراب والموت والفقدان والخسارات الكبرى. زمان لا يليق بإرادة بلد اختار على الرغم من كل الصعوبات الانطلاق إلى مرحلة السلم الأهلي بمحطة جديدة وبوسطة مستنسخة تحمل اللون نفسه وإنما لأهداف مغايرة بينها التكافل الاجتماعي ومحاصرة الجوع الذي يأخذ الى الحروب والانقسامات.

هناك عند تقاطع «تمثال الرصاص» في عين الرمانة، وتحديدا في زاوية منفردة في الشارع الخلفي، تعود البوسطة لتأخذ الموقع الذي انطلقت منه شرارات الحرب الأولى قبل أربعة عقود، ليس بغرض الترهيب أو نبش الصفحات السوداء، وإنما لأهداف إنسانية بينها تقديم الوجبات للمحتاجين بمبادرة من الأب مجدي علاوي، والذي أراد من خلال مبادرته أن يحول رمز الحرب الى رمز للسلام ، وبخطوته تلك تحولت البوسطة الشبيهة من هيكل صدئ يحلو للعناكب نسج خيوط الحرب في زواياها، إلى مطعم مجاني يحمل اسم «برغر سعادة السماء».

مشروع «بوسطة عين الرمانة» في حلّته الجديدة، بحسب المشرف عليه أنطوني أبو زيد من «جمعية سعادة السماء»، يوازي بين مخاطر الجوع ومخاطر الحروب، على اعتبار أن الفقر في العديد من دول العالم أسهم في تأجيج الثورات والانقسامات والانقلابات، فكانت فكرة البوسطة المستنسخة لمحاربة الجوع، والتي تجمع تلامذة وطلاباً ممن اختاروا التطوع لتغطية ساعات من العمل الاجتماعي، وتكون مهمتهم تحضير وجبات البرغر قبل قدوم المحتاجين. ويقابل البوسطة، غرفة مجهزة في حديقة بلدية الشياح، تستوعب من يرغب بتناول وجبته من الساعة الثالثة بعد الظهر ولغاية السابعة مساء.

و في أجندة الجمعية خطوات مماثلة بينها تنقل البوسطة بين المناطق، على أن تنظم في التاسع عشر من الجاري، و بالتزامن مع ذكرى الحرب، عرضا للدمى بالقرب من بوسطة عين الرمانة بغية توجيه الأجيال الناشئة على تبعات ومخطار الحروب، ولاسيما أن الحرب تسببت بالكثير من المآسي للعائلات اللبنانية، وبلغت خسائرها البشرية نحو 150 ألف قتيل، و٣٠٠ ألف جريح ومعوق، بالاضافة ١٧ ألف مفقود، وهجّر بسببها أكثر من مليون نسمة، وقدرت خسائرها الاقتصادية بنحو 25 مليار دولا أميركي، بالاضافة إلى تسببها بمشكلات اجتماعية كبرى منها التسابق على تأمين قوت اليوم. ومن هنا جاءت فكرة البوسطة المستنسخة لمحاربة الجوع أمّا البوسطة التي اخترقها رصاص الثالث عشر من نيسان من العام 1975، وكانت تقل فلسطينيين عائدين إلى مخيم تل الزعتر بعد مشاركتهم باحتفال في مخيم صبرا، فإنها دمّرت بعد أن استخدمتها الميليشيات كمتراس عند خط التماس في الطيونة، إلا أن الناجي من «حادثة عين الرمانة»، مصطفى حسين عمل على ترميمها في العام 1983، واستخدمها كمكسب للرزق، ينقل من خلالها الركاب بين المناطق، لكن طيف الحرب ظل يلاحقها حين تعرّضت بعد عام من الترميم لقذيفة عشوائية عندما كانت مركونة بشارع «حي اللجا» في المصيطبة، ما دفع مصطفى إلى بيعها لسامي حمدان، فانتقلت مع صاحبها الجديد إلى الجنوب، محتفظا من خلالها بتذكار من الحرب، قد تطلب منه يوما لركنها في معارض العالم.