IMLebanon

بكل وقاحة!

يأخذ عليَّ بعض القرّاء الأعزاء أني “متطرّف” في التعبير عن “الحقائق” التي أؤمن بها، وخصوصاً منها ما يتصل بأوجاع الشرط البشري، وسقوط السياسة والسياسيين في المكان الذي أسمّيه المرحاض. هل أنا متطرف حقاً في التعبير، أيها الأصدقاء، أم أنكم تتفادون المثول أمام “الحقائق”، للانتفاض عليها؟

سأضرب مثلاً بسيطاً هو الآتي، أُورده على طريقة السؤال الإنكاري: ماذا تسمّون الحياة التي تعيشونها في لبنان؟ أنا سمّيتُها مقبرة جماعية. أترك لكلٍّ منكم حرية اختيار التعبير الذي يراه مناسباً لوصف واقع الحال.

سأضرب مثلاً بسيطاً ثانياً، هو الآتي، أورده أيضاً على طريقة السؤال الإنكاري: بأيّ نعتٍ تصفون عجز الحكومة ومجلس النواب عن إيجاد حلّ مقبول لمسألة النفايات التي تجعل لبنان برمته بؤرةً بيئية سرطانية مؤاتية للموت الجماعي؟ أترك لكم أيضاً حرية اختيار التعبير الذي يراه كلٌّ منكم مناسباً لوصف واقع الحال هذا.

سأضرب مثلاً بسيطاً ثالثاً، هو الآتي، أُورده على طريقة السؤال الإنكاري: لماذا لا يستطيع مجلس النواب الذي مدّد لنفسه، انتخاب رئيس للجمهورية؟ أنا شخصياً أعرف لماذا، وأستطيع أن أصف معرفتي هذه بما أراه مناسباً للتعبير عن “الحقيقة” التي أؤمن بها. من جهتكم، يمكنكم يا أصدقائي القرّاء، أن تستخدموا التعبير الذي يراه كلٌّ منكم مناسباً لوصف هذه “الحقيقة”.

ما أودّ استنتاجه من هذه الأمثلة الثلاثة، التي يعاني “المواطنون” جميعهم من آثارها السلبية، أننا نحبّ، على العموم، أن نكذب على أنفسنا، وأن نتفادى “الحقائق” العارية، إما بتشغيل العقول بمسائل تافهة، وإما بالتسليم بالأمر الواقع، والانضمام موضوعياً إلى القطعان السياسية والطائفية التي يسيّر كلاً منها “كرّازٌ” على قدر المقام.

عود على بدء. تأخذون عليَّ أني لا أراعي، في التعبير عن آرائي، “الظروف” الموضوعية، التي تملي على المرء أن “يأخذ ويعطي”. هذا صحيح جداً. فأنا لا أحبّ أن آخذ وأعطي. أؤمن بأننا نعيش في مقبرة جماعية، فلماذا تريدون مني أن أقول عكس ذلك، أو أن “أخفف” من وطأة هذه “الحقيقة”؟ أؤمن أيضاً بأن النفايات ستجعلنا عما قريب جثثاً بشرية في معرض وطني عام للجثث، فلماذا لا أقول ذلك، بالتعبير الملائم والدقيق، من أجل أن يؤدي الوصف معناه، ويفعل فعله في “الرأي العام”؟ ثمّ، لماذا لا تسمحون لي بأن أصف العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية بأنه “خيانة عظمى” يرتكبها الذين لا يذهبون إلى المجلس لانتخاب رئيس؟ سأقولها “بوقاحة”: الحقّ عليكم، أيها القرّاء الأعزاء!