IMLebanon

بريطانيا والخروج من الاتحاد الأوروبي: تكاليف الربح والخسارة

يتوجه الشعب البريطاني إلى صناديق الاقتراع في 23 حزيران ليقرر ما إذا كان يريد البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الانسحاب منه. وهذه هي المرة الثانية التي يعيد فيها الشعب البريطاني النظر بعضويته في الاتحاد الأوروبي، إذ إن المرة الأولى كانت في العام 1975، بعد مرور عامين فقط على انضمام المملكة المتحدة إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية المعروفة اليوم بالاتحاد الأوروبي. وكان «حزب العمال» وراء ذلك التصويت الذي جاء لمصلحة البقاء في الاتحاد بثلثي الأصوات. وكانت الجماعة الاقتصادية الأوروبية، في الأساس، بمثابة كتلة تجارية تتمتّع بحرية حركة السلع والخدمات ضمن السوق المشتركة التي أسستها في العام 1958 الدول الست التالية: بلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا وألمانيا الغربية، في إطار «معاهدة روما». أنشأت «معاهدة ماستريخت» في العام 1992 الاتحاد الأوروبي الذي، بالإضافة إلى مزايا الجماعة الاقتصادية الأوروبية، وسّع مصالحه لتشمل كلا من مسائل الحد من التفاوتات الانمائية الإقليمية والحفاظ على البيئة وتعزيز حقوق الإنسان والاستثمار في التعليم والبحوث. وقامت معاهدة لشبونة التي دخلت حيز التنفيذ في العام 2009، أيضا بتوسيع الصلاحيات التشريعية للاتحاد الأوروبي، وفرضت تدابير خاصة بحقوق الإنسان وحددت الحق القانوني بمغادرة الاتحاد الأوروبي والإجراءات اللازمة للقيام بذلك.

أما اليوم، فنجد وراء «حملة المغادرة» كلاً من «حزب الاستقلال» الذي فاز في الانتخابات الأخيرة بغالبية المقاعد التي تمثّل بريطانيا في البرلمان الأوروبي، وبعض الوزراء من حزب المحافظين الذي يترأسه رئيس الوزراء الحالي، ديفيد كاميرون، بالإضافة إلى عمدة لندن السابق المحبوب والنافذ، بوريس جونسون، الذي ينتمي أيضا إلى المحافظين ويحتمل أن ينافس كاميرون على رئاسة الحزب والحكومة في حل جاء الاستفتاء لمصلحته.

يبدو حاليا أن التصويت سينقسم بين كل من حملة المغادرة وحملة البقاء، مع أفضلية طفيفة لمن يحبّذون بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. لقد دفعت الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي إلى المملكة المتحدة، والخطاب الذي تلاه لاحقا، قدما بحملة البقاء، وانعكس ذلك في ارتفاع سعر صرف الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأميركي ليصل إلى أعلى مستوياته منذ نهاية العام الماضي. ويشير ذلك إلى أن معظم الشركات والمستثمرين يفضلون البقاء في الاتحاد الأوروبي ويعتبرون أن الانسحاب منه قد يُضعف الاقتصاد.

وفي ما يلي الحجج الرئيسية التي يستخدمها كل من الجهتين:

مناصرو حملة مغادرة الاتحاد الأوروبي:

برغم أن المملكة المتحدة اختارت عدم اعتماد عملة «اليورو» والبقاء خارج منطقة «الشنغن»، إلا أن مناصري المغادرة يعتقدون أن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي سيعزز السيطرة على حدود المملكة المتحدة وسيضع حدا للهجرة وللقيود الاقتصادية التي فرضتها عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي:

] إن البيروقراطية في الاتحاد الأوروبي بطيئة ولا يمكنها مواكبة القوى العالمية سريعة التغيير في مجالي التكنولوجيا والاقتصاد.

] ستسمح المغادرة لبريطانيا بعقد صفقات تجارية بشكل مستقل مع بلدان أخرى خارج الاتحاد الأوروبي.

] ستتمكّن بريطانيا من السيطرة على نظام الهجرة المُكلِف والناجم عن حرية حركة العمالة داخل المنطقة.

] سيتم اعتماد قواعد ضريبية إضافية لحماية «اليورو» وستضطر بريطانيا للالتزام بها، ما سيحد من ضبطها للشؤون الاقتصادية.

] تساهم بريطانيا بـ350 مليون جنيه إسترليني في الأسبوع الواحد لميزانية الاتحاد الأوروبي، ويمكن استخدام هذا المبلغ لتمويل البحوث العلمية والرعاية الصحية في فيها.

] تشكل قوانين الاتحاد الأوروبي خطرا على السيادة المحلية وهي أقوى من المحاكم البريطانية.

] إن مغادرة الاتحاد الأوروبي ستساعد بريطانيا على ضبط الهجرة.

] دائماً ما يتم التفوق على بريطانيا في التصويت داخل مجلس الوزراء الأوروبي.

مناصرو حملة البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي:

] عندما تكون بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، تحقق كل أسرة في المملكة المتحدة دخلاً يفوق ذاك الذي قد تحققه إذا كانت خارج الاتحاد بحوالي 3000 جنيه إسترليني سنوياً. علماً أن مساهمتها للاتحاد الأوروبي لا تتخطى ما يعادل 340 جنيها إسترلينيا لكل أسرة سنوياً.

] إن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي سيكلف الاقتصاد 100 مليار جنيه إسترليني بحلول العام 2020.

] إن كل جنيه إسترليني يتم استثماره في الاتحاد الأوروبي يعود بعشرة أضعاف على التجارة والاستثمار وفرص العمل والنمو وانخفاض الأسعار.

] إن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي لا يعني أن المهاجرين سيعزفون عن محاولاتهم دخول المملكة المتحدة.

] يمكن لبريطانيا أن تؤثر على قواعد السوق الموحدة إذا كانت جزءا منها وستساعد بالتالي على إصلاحها بشكل مستمر.

] إن قوانين الاتحاد الأوروبي تحمي حقوق المرأة وحقوق العمال بشكل أفضل.

] إن القدرة الدفاعية للمملكة المتحدة تكون أقوى ضمن الاتحاد الأوروبي.

] إن عملية مكافحة تغيّر المناخ والتصدي للأزمات الإنسانية أفضل ضمن الاتحاد الأوروبي.

] تفضّل غالبية الشركات في المملكة المتحدة بقاء هذه الأخيرة في الاتحاد الأوروبي.

] إن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يرفع أسعار المواد الغذائية.

الوقائع:

] إن 45 في المئة من الصادرات البريطانية تذهب إلى الاتحاد الأوروبي ويعتمد 12.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني على التجارة مع الاتحاد الأوروبي، بينما يعتمد 3.1 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي على التجارة مع بريطانيا. ويظهر ذلك بوضوح منافع بقاء الاقتصاد البريطاني ضمن السوق الموحدة.

] تتمتّع بريطانيا بمليوني عامل موزّعين على دول الاتحاد الأوروبي، وسيكون مستقبلهم في خطر في حال انسحبت المملكة المتحدة من الاتحاد.

] وفقا لمجلة «ذي إيكونوميست»، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي البريطاني للفرد الواحد، منذ انضمام المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي في العام 1973، بنسبة تفوق الـ 50 في المئة مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي مجتمعة.

] وفقا لدراسة أعدّتها «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» (OECD)، تتمتع بريطانيا بأقل القوانين والأنظمة الاجرائية تعقيدا في أوروبا. وفي حال أرادت المملكة المتحدة القيام بأي أعمال تجارية مع أوروبا من خارج الاتحاد الأوروبي، سيتعين عليها الالتزام بقوانينه وانظمته.

] ستضطر بريطانيا إلى التفاوض للحصول على اتفاقية تجارة خاصة بها مع الاتحاد الأوروبي، وإذا انسحبت من الاتحاد، لن تحصل على أفضل الشروط.

] إذا انسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سوف تخسر فرصة المشاركة في اتفاقية «الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمار» التي يجري التفاوض بشأنها مع الولايات المتحدة، خاصة وأن انجاز هذا النوع من الاتفاقيات يستغرق سنوات طويلة.

] إذا انسحبت بريطانيا، سيكون أمامها الخيارات التالية: التجارة مع الاتحاد الأوروبي كجزء من المنطقة الاقتصادية الأوروبية، على غرار النرويج، أو التوصل إلى اتفاق ثنائي من بعد التفاوض، على غرار سويسرا، أو التجارة تحت رعاية منظمة التجارة العالمية. ووفقا لدراسة أجراها جورج أوزبورن، وزير المالية البريطاني، سيكلّف انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بين 2000 و6000 جنيه إسترليني لكل أسرة، وسيتكبّد الاقتصاد خسارة تصل بين 3 و6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2030. وحددت تقارير أخرى، خاصة تلك التي صدرت عن كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، الخسارة على أنها أكبر من ذلك بكثير.

إن المشاعر القومية هي المحرّك الرئيسي لمسألة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحجة الحصول على مزيد من السيادة في الشؤون الوطنية والحد من الهجرة. وإلى جانب الأثر الاقتصادي السلبي على الاقتصاد وفقدان الثقة في كل من العملة والأسواق والاقتصاد في بريطانيا، لا يدرك مناصرو الانسحاب أنه، في عالم تسوده العولمة وتوقّع فيه الدول على المئات من المعاهدات التي تنتهك بطريقة أو بأخرى السيادة، ستخسر بريطانيا (ثاني اقتصاد في الاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا والخامس في العالم) في حال انسحبت من الاتحاد الأوروبي، فرصة البقاء في سوق يضمّ 500 مليون نسمة، ولن تتمكّن من تعزيز تأثيرها في الشؤون الاقتصادية والسياسية لسبع وعشرين دولة مجاورة.