IMLebanon

«الإخوان» المستفيد الأول من ضرب استقرار مصر

لم تعرف أشهر رمضان السابقة أحداثاً دموية بحجم الأحداث التي ارتكبها «داعش» خلال هذا الشهر الكريم.

ومع أن عملية قتل 37 شخصاً في ولاية سوسة التونسية تُعتبر جريمة اقتصادية بامتياز كونها قضَت على موسم السياحة… إلا أن عملية تفجير مسجد الإمام الصادق دشنت سابقة لم تعرفها الكويت منذ زمن طويل.

والسبب أن أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح كان قد بذل جهداً مضاعفاً من أجل تحصين الجبهة الداخلية ومنع الخلاف السنّي – الشيعي من الوصول إلى خطباء المساجد ودور العبادة.

إضافة إلى هذه التدابير الاحترازية، فقد أفاد وزير الداخلية، محمد خالد الحمد الصباح، أن الأجهزة الأمنية ستظل مستنفرة على مدار 24 ساعة وأن إجراءات الدخول إلى المطار، والمنافذ الحدودية، ستظل خاضعة للمراقبة الدائمة.

ويُستدَل من كلام الوزير الكويتي أن خطة الطوارئ ستظل مُطبقة تحسباً لتجديد أي تهديد. خصوصاً أن رجال المكافحة ضبطوا قبل مدة كميات من السلاح، الأمر الذي يشير إلى وجود نيّة مبيّتة لاستخدام هذه الأسلحة في موقع آخر غير مسجد الإمام جعفر الصادق.

ويرى المحللون أن اختيار الشاب السعودي فهد سليمان القباع لتنفيذ هجوم انتحاري داخل مسجد شيعي في الكويت له دلالات مختلفة. ذلك أن «داعش» الذي يُفاخر بأنه يضمّ داخل قواته أكثر من ثلاثمئة شاب كويتي، لم يقرر إرسال أي واحد منهم للقيام بالعملية الدموية، وإنما انتقى شاباً سعودياً بغرض ذر الخلاف بين دولتين خليجيتين عُرِفتا بالتنسيق الكامل حول المسائل السياسية والأمنية.

وكان من الطبيعي أن تستنكر الرياض وتشجب هذا العمل الإجرامي. ولكنها من جهة أخرى قررت مراجعة مختلف الملفات المتعلقة بالمجموعات المتطرفة التي خرج منها مفجرا المسجدين في المنطقة الشرقية. كما خرج عشرات آخرون من عباءات تنظيم «القاعدة» و»جبهة النصرة». ويرى المراقبون أن هذه الخلايا نمَت وانتشرت منذ هجمات 11 سبتمبر 2001. ويتوقع البعض أن يزداد نشاط هذه العناصر المخربة، على اعتبار أنها قد تستغل انشغال القوات السعودية بمحاربة الحوثيين في اليمن.

وتشير الصحف الأجنبية إلى احتمال تنشيط الأجهزة الأمنية التي استحدثها ولي العهد الأمير محمد بن نايف يوم تولى مقاومة المتطرفين الذين حاولوا اغتياله. وقد نجح إلى حد بعيد في تخويفهم وعزلهم، ومنعهم من تحقيق مخططاتهم الإرهابية.

وكما نالت فرنسا نصيبها من حملة التخويف التي يشنها «داعش» كذلك نال النظام المصري حصة كبيرة جداً من الحملة «الاخونجية – الداعشية» التي استهدفت النائب العام هشام بركات وقوات الجيش في سيناء.

تعليقات الصحف المصرية ركزت اتهامها في شأن اغتيال النائب العام على «الإخوان المسلمين» الذين برعوا في احتراف هذه المهمة الدموية منذ أيام حسن البنا وسيد قطب. واعتُبِرَت تلك الجريمة بمثابة ردّ موجع على الأحكام الصادرة بحق أنصار الرئيس المسجون محمد مرسي.

في مطلق الأحوال، فان الدوائر الأمنية المختصة في مصر توقعت حدوث شيء ما، تزامناً مع الذكرى الثانية (30 حزيران/ يونيو 2013) لاستلام الرئيس عبدالفتاح السيسي سلطات الرئاسة. ويبدو أن هول صدمة اغتيال النائب العام أغضبت السيسي بدليل أنه طالب بتشديد العقوبات وبتنفيذ أحكام الإعدام والمؤبد في شكل أسرع.

الخطأ الذي يرتكبه الحكام العرب والأجانب تجاه تنظيم «الدولة الإسلامية» هو إخضاع سلوكه للمعايير المنطقية السائدة. لذلك لم يتوقعوا أن يحتفل بالذكرى الأولى لإعلان «دولته» بمثل أعمال العنف التي فاجأهم بها في الكويت وتونس وفرنسا. ولم يكن الضحايا في نظر الخليفة أبو بكر البغدادي سوى شموع تُحرَق بمناسبة إقامة «الخلافة الإسلامية»!

ويرى بعض المعلقين أن المناسبة ذاتها شملت المجزرة التي افتعلها في سيناء الفرع المصري لتنظيم «داعش». علماً أن هذا التفسير يخضع لبعض الاعتبارات المحلية التي تجعل من «الإخوان» المستفيد الأول من الاضطرابات المسيئة لاستقرار مصر والمؤشر الأول في منطقة ليس فيها من أنصار «داعش» سوى عدد قليل جداً. ويبدو أن البغدادي استغل شعار تنظيمه كي يغطي أعمال «الإخوان المسلمين» في مرحلة بالغة الصعوبة على محمد مرسي ورفاقه. أي المرحلة الحرجة التي يمر بها أيضاً النظام المصري أمام اندفاع إيران مستغلة المواقف الإيجابية تجاهها من الرئيس الأميركي باراك أوباما.

ويتوقع المراقبون أن يتخلى السيسي، تدريجياً، عن السلوك السياسي ولو اقتضى الأمر خسارة بليون ونصف البليون دولار من المساعدات العسكرية الأميركية. وقديماً أوصى مكيافيللي في كتاب «الأمير» بأن يكون الحاكم إما مرهوباً أو محبوباً.

تشير أرقام منظمات المراقبة الدولية أن المساعدات التي كانت تمول «الإخوان المسلمين» قد تضاءلت خلال سنوات «الربيع العربي». والسبب أن زعماء الأنظمة أدركوا أن تنظيمي «القاعدة» و»داعش» وجماعة «الإخوان» لا تختلف عن المنظمات الإرهابية الموجهة في الأساس ضدهم. من هنا تعتبر الأمم المتحدة أن خطر «داعش» سيفتك بالدول التي رعته وأمنت له المال والسلاح. لهذا تمت ملاحقة «الإخوان المسلمين» قانونياً في العديد من الدول العربية. كما أقفلت صناديق التمويل لمنظمات الإرهاب.

عندما قدم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مشروعه الأخير بضرورة الاستعجال في بناء دولة فلسطينية على أرض الضفة الغربية، رفض بنيامين نتانياهو هذا المشروع بحجة أن الضفة ستتحول إلى قاعدة لمنظمات الرفض مثل «حماس» و»داعش» و»القاعدة». في حين يعتبر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن هذه المنظمات ولدت من رحم الرفض الإسرائيلي لأي حل عادل للفلسطينيين.

وعلى ضوء هذه التناقضات تبقى إيران المستفيد الأول من ضربات الغارات الأميركية على مواقع «داعش» و»القاعدة». وهذا ما يعزز موقف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ويشجعه على فرض «الخطوط الحمر» التي رسمها له المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

قبل انفجار أحداث سيناء بأسبوع تقريباً، هدد تنظيم «الدولة الإسلامية»، في تسجيل مصوَّر بإسقاط حركة «حماس» في قطاع غزة، وجعله واحداً من مناطق نفوذهم في الشرق الأوسط. واتهم التنظيم حركة «حماس» الحاكمة في القطاع بأنها غير جادة بما يكفي في شأن تطبيق الشريعة.

وفي الرسالة المصورة الموجهة إلى مَنْ سمّاهم «طواغيت حماس»، قال أبو عزام الغزاوي – وهو أحد قادة «التنظيم» في حلب – «أنتم وفتح وكل الفصائل العلمانية لا شيء. ستحكم الشريعة في غزة رغماً عنكم».

المهم في تفسير الدوافع الخفية الكامنة وراء هذا التسجيل أن «حماس» لم تتخلّ عن عقيدتها وطريقة تفكيرها المنسجمة مع عقيدة «الإخوان»، وإنما تخلت عن ارتباطها بمحمد مرسي وأنصاره عندما اكتشفت انحرافهم عن تعاليم حسن البنا. لذلك قامت «حماس» بإعلان تعهد تتولى بموجبه الوقوف على الحياد في غزة وسيناء. وبدلاً من اتهام «الإخوان» بنسف عملية الإصلاح السياسي، قامت «حماس» بمراجعة مرجعيتها الفكرية على أمل أن تترك للشعب المصري حرية القرار في صنع مستقبله الداخلي.

هذا التحول، ولو أنه تكتيكي، لم يعجب البغدادي الذي وعد «الإخوان» بزعزعة النظام المصري، والعمل على إخراج مرسي من السجن. ويبدو أن قادة «الإخوان» فضلوا الاستعانة بهذه القوة الخارجية بدلاً من تسليم مصيرهم إلى قوة أخرى، كالقوة الأميركية مثلاً. لذلك جيَّر «الإخوان» إخفاقاتهم إلى «داعش» الذي قاد حملة سيناء بعناصر «إخونجية»، بهدف إشعار «حماس» بأن وقوفها على الحياد لن يقلل من أهمية مرسي في دائرة نفوذه.

في دراسة كتبها جامعي فرنسي، يزعم أن مشروع البغدادي لا يختلف في دوافعه عن مشروع الحسن الصبّاح. ذلك أن الصبّاح الذي تعرض لمكيدة أفقدته الحظوة لدى السلطان، قرر الانتقام والتمرد. وكذلك فعل أبو بكر البغدادي الذي زجّه الأميركيون في سجن بغداد عدة سنوات، خرج من بعدها ليطرح مشروعاً طائفياً مستنداً إلى الانتقام من الذين دمروا العراق والتمرد على الساسة العرب والمسلمين الذي تخلوا عنه في محنته.

ومثلما خيَّب الأميركيون أمل أسامة بن لادن، الأمر الذي دفعه إلى الانتقام في نيويورك وواشنطن، كذلك يفعل البغدادي الذي غرق، وأغرق أنصاره، في بحرٍ من الكراهية والحقد.