IMLebanon

«ادفنوا موتاكم وانهضوا»

أربعون عاماً اختصرها وليد جنبلاط بـأربع دقائق. هي ميزة الرجل أنه يتقن التاريخ ويرسم به ومنه المستقبل القادم. هي ميزته أنّه يجمع في شخصيته كل مكوّنات الربّان الماهر في العمل السياسي والوطني المتقدّم، وأنه قادر دائماً على جمع كل الوطن معه ومن حوله، محوّلاً بذلك مهرجان الذكرى الأربعين لاغتيال المعلّم الشهيد كمال جنبلاط محطة تجديد للثقة الشعبية والسياسية، وجسر عبور نحو «شرق جديد».

وإذا كان كمال جنبلاط قد قضى منذ 40 سنة شهيداً لقضايا هذا الشرق، وقدّم دمه قرباناً على مذبح إيمانه بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية في لبنان والعالم أجمع، فإنّ وليد جنبلاط حمل منذ 40 سنة إرث المعلّم ممهوراً بدماء الاستشهاد، وخاض تجربته إنْ في العمل العسكري والسياسي معاً في البداية، ثم في النضال السياسي لاحقاً، وأرسى في كل ذلك مساراً واضحاً ينحاز دائماً إلى صوت الناس وقضاياهم في كل زمان ومكان، فانحازت إليه الناس دائماً. وهو ما جسّده مجدداً مشهد المختارة بالأمس لناحية الاحتضان الشعبي الواسع والفاعل والكبير، وهو مشهدٌ يخطئ جداً من يحاول صرفه في اليوميات والتفاصيل السياسية اللبنانية، التي وعلى أهميتها في بعض الجوانب تسخف جداً أمام ما رسمته صورة المختارة في «يوم الوفاء».

بعد أربعين سنة على استلامه مهمّته «المستحيلة» عام 1977 في قيادة سفينة الحركة الوطنية والحزب والعمل السياسي آنذاك، حيث نجح وليد جنبلاط ببصمته في تحقيق انتصارات وإنجازات تاريخية ولا يزال، وتخطى «الأمواج والعواصف، وسط التحديات والتسويات، والتقلبات والمفاجآت» ولا يزال، إلى أن أرسى «لحظة المصالحة»، تلك اللحظة التي تشكّل أهم الانتصارات في تاريخ لبنان الحديث، إذ إنّ انتصار السلم أصعب بكثير من انتصار الحرب، وإذا كان من الصعب والشاق جداً أن تخوض الحرب، فإن الأصعب أن توقف تلك الحرب وتلمظ الجراح وتفتح صفحة العيش الواحد… وقد نجح وليد جنبلاط في الاثنين. وها هو وليد جنبلاط بعد أربعين سنة، يقول إن الوصية هي «السلم والحوار والمصالحة»، وإن التضحيات مهما كبرت تبقى «رخيصة أمام مغامرة العنف والدم أو الحرب».

مشهد «يوم الوفاء» في المختارة، لم يكن مشهداً سياسياً على أهمية رمزيته السياسية، ولا محطة من محطات التاريخ على تاريخية اللحظة بكل تأكيد، بل كان أيضاً وقفة من وقفات الوجدان الوطني والعربي – على أنغام نشيد «موطني» – هذا الوجدان الذي يسكن ضمير وليد جنبلاط وقلبه وعقله، وقد وضعه بأكمله في عهدة تيمور. تيمور لم يلبس أمس عباءة الزعامة، بل حمل وصية النضال والعمل والكفاح من أجل الحفاظ على «تراث جدّه الكبير كمال جنبلاط»، وأمانة «كوفية فلسطين العربية المحتلة، وكوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لإسرائيل أياً كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم»، وهي في كل ذلك كوفية التعب والجهد الحقيقي في خدمة الحرية والعدالة، في خدمة الناس وكسب ثقتهم على الدوام، وخدمة الوطن وقضايا الأمة.

وضع وليد جنبلاط كلّ ذلك في عهدة تيمور، سجّل كلاماً من ذهب في سجلات التاريخ، ورسم لكل الآخرين حدودهم، رافضاً كل القيود، وسار نحو ضريح المعلّم كمال جنبلاط ليقول له مع تلك الوردة الحمراء: «ادفنوا موتاكم وانهضوا»