IMLebanon

«القيصر» في سوريا و«الموت الرحيم» للأسد

الثابت الوحيد بعد نزول «القصير» فلاديمير بوتين في سوريا، تصعيد خسائر السوريين في البشر والحجر. الباقي، ارتفاع غير مسبوق لمنسوب الغموض والاسئلة حول المستقبل. أوّل الأسئلة: ماذا يريد «القيصر» من انخراطه رسمياً في «الحروب» السورية؟ هل لديه القوّة الاقتصادية الكافية لمواجهة أعباء هذه الحرب وروسيا تمر في مسلسل من المصاعب الاقتصادية؟

هل هو مستعد لإنزال برّي مكمّل للإنزال الجوّي والبحري خصوصاً أنّ كل الأسطول البحري والجوّي الذي استقدمه إلى طرطوس واللاذقية لن يقدّم كثيراً في حسم الحرب وإنهاء «داعش».. لأنّ الطيران يدمّر لكنه لا يصنع انتصاراً؟ هل يضمن عدم انزلاق روسيا نحو «السورنة» التي أين منها «الأفغنة»، لأنّ تجييش السُنَّة لا يحتاج إلى الكثير من الفتاوى والإقناع؟ كل صورة في سوريا لطفل قتيل (وقد بدأت الحملة بعد أقل من 24 ساعة على الغارة الأولى) هي دعوة مفتوحة لتشريع التطرّف؟ هل يريد «القيصر» «سوريا المفيدة» أم كل سوريا؟ هل نسّق مع إيران المستقبل ابتداء من التعاون الميداني وحجمه إلى رسم خريطة تقاسم النفوذ والمصالح؟ أين تقع حدود التعاون الروسي الأميركي في سوريا؟ هل يأمن «القيصر» من «خبث» الرئيس باراك أوباما، بحيث لا تتحوّل كل غارة إلى مساحة إضافية من الرمال المتحرّكة؟ هل يكفي سحب بطاريات «باتريوت» من تركيا ليتأكّد «القيصر» من «سكوت» اردوغان؟ هل نجح «القيصر» في تعاون نتنياهو، وماذا قدّم له من ضمانات أمنية لا يمكن تأمينها إلاّ من شريكته إيران وامتداداً إلى «حزب الله»؟ نتنياهو أفهَمَ «القيصر» أنّ الجولان خط أحمر، وأنّ منع وصول سلاح كاسر للتوازن إلى «حزب الله» مسألة لا تقبل التفاوض.

«القيصريون» الذين تزايد عددهم يردّدون أسئلة لا تُحصى، وإجابات قليلة. يجب المزيد من الوقت لقراءة أوضح. «القيصر» لاعب شطرنج من الطراز العالي. لقد نزل في سوريا بهذه القوّة، ليبقى وليس لينسحب. «الدب» الروسي بحاجة للساحل السوري ولأوكرانيا، ولإبعاد الخطر «الداعشي» عن «حدوده الإسلامية» وحتى عن داخله الروسي (يوجد 20 مليون مسلم روسي في روسيا). أيضاً لم يكتفِ «الدب» الروسي بالشاطئ الشرقي للبحر المتوسط. «القيصر» وبحركة بارعة على رقعة الشطرنج تقدّم من سوريا إلى العراق بعد أن حرّك «حصان» الأمن. هذه الحركة منحته عبر «اللجنة الرباعية« وجوداً في العراق إلى جانب الأميركي وبالشراكة مع الإيراني، وهو الذي كان قد شطب العراق من حساباته طوال السنوات العشر الماضية!

يشدّد «القيصريون» أنّ روسيا هي الدولة الوحيدة حالياً التي تملك «شبكة» من العلاقات لا مثيل لها رغم أنّ ما يجري هو شكل متقدّم من أشكال الحرب الباردة. روسيا وحدها تملك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية رغم التنافس والتزاحم، ومع الصين الشعبية إلى درجة التحالف الكامل (خلال أيام تصل حاملة الطائرات الصينية «ليا وتيننغ» بعد أن عبرت قناة السويس إلى طرطوس وهي تحمل سرباً من طائرات جي.15 أو «القرش الطائر» ومروحيات «زكاجي») وإيران (التي تتعاون موسكو معها على تقوية وتوسيع نفوذهما معاً على طول ما يطلق عليه «الهلال الخصيب» في مرحلة تؤشّر بعمق إلى حصول تغير جدّي في منطق الشرق الأوسط). وأوروبا (تمت إزالة العقبات مع فرنسا الدولة العصيّة الوحيدة على التعاون مع موسكو حتى الآن)، ومع المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج العربية وتركيا. هذه «الشبكة» من العلاقات هي التي تؤهّل موسكو لأن تنتشر في سوريا وهي غير خائفة من «الأفغنة» رغم أخذها في كل حساباتها. 

يبقى ماذا يفعل «القيصر» أمام عقدة «الأسد إلى الأبد»؟ من المؤكد أنّ «القيصر» لم ينزل بهذه الطريقة وهذا الحجم في سوريا لخدمة «اسد» فَقَدَ القدرة على القتال المنتج. مصلحة روسيا فوق كل شيء، وهي تتقدّم على الجميع. الأسد ليس أكثر من «حصان» على رقعة الشطرنج الروسية. «القيصر» قادر على التضحية حتى «الملكة« فكيف «الحصان« ليبقى «الملك«.

الجيش السوري لم يعد بعد أربع سنوات من الحروب الجيش القادر على المواجهة. «القيصر» كان وما زال مع بقاء المؤسسة العسكرية السورية، وهو نجح في تسويق هذا الشرط للحل في سوريا. حتى لا تتحوّل سوريا إلى ليبيا ثانية يجب المحافظة على الجيش العمود الفقري لسوريا وتقويته ودعمه وهذا ما يقدّمه «القيصر» للأطراف المعنية بسوريا. لم يعد السؤال بالنسبة للعالم هل يبقى الأسد أم لا يبقى وإنما متى يرحل الأسد في البداية أم في مرحلة متقدّمة من الحل؟

نجاح «القيصر» بوتين في سوريا ولاحقاً في الشرق الأوسط الجديد هو في إنجاز «الموت الرحيم» للأسد. أي دفعه لأن يكون خروجه من السلطة قراراً ذاتياً أو التسليم (كما يحصل من العائلة) بأن لا أمل من استمراره في الحياة أو السلطة!