IMLebanon

رئيس من خارج« 8 و14 آذار»… ولِمَ لا ؟

ألا يكفي هذا الوطن خلافات وتشنّجات وانقسامات، وفراغ رئاسي وشلل حكومي ونيابي، وهجمات تكفيرية وإرهابية، وأعباء مالية واقتصادية ضاغطة، كي يأتي من يطرح فـي هذه المرحلة الحرجة وهذا الظرف العصيب، إجراء تعديل على الـمادة 49 من الدستور، التي تنقل آلية انتخاب رئيس الجمهورية من النواب إلى الشعب مباشرة ؟ إنّ انتخابَ رئيس الـجمهورية من الشعب هو قمّة الديموقراطية، لو لم يكن نظامنا الطائفي مُتفشياً وناخراً عظام كلّ أفراد المجتمع، وكلّ الطبقة السياسية التي تتحكّم بـمصير الوطن.

إنّ «التيار الوطني الحر» الذي اقترح هذا التعديل، يعلم جيداً أنّ تأمين ثلثي عدد النواب للموافقة على هذا الطرح، هو شبه مستحيل، لأنّ الحلفاء قبل الخصوم غير موافقين عليه، ولأنه يُدخِل البلاد في جدل بيزنطي لا ينتهي قبل عشرات السنين.

في الوقت الذي يجب التركيز على تطبيق الدستور لا على تعديله، والذهاب إلى المجلس النيابي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وإحياء عمل الـمؤسسات. ثمّ، إجراء الانتخابات النيابية في موعدها تحت أيّ ظرف، لأنّ الشعب لم يعُد يحتمل التمديد والفراغ والاهتراء.

إنّ انتخاب رئيس للجمهورية الآن وفوراً، أصبح ضرورة وطنية وميثاقية ووجودية، حتى وإن لم يكن هذا الرئيس على قدر طموحات المسيحيين وأحلامهم. فطموحاتهم بدَّدها الانقسام الكبير بين 8 و14 آذار ومَن يقف وراءَهما، من دوَل إقليمية ودولية». لا جدوى من الانتظار، فلن يتنازل أيّ فريق للفريق الآخر، ولن يصل إلى كرسي الرئاسة إلّا الرئيس التوافقي الذي لا يشكّل انتخابه تحدّياً لأحد.

لماذا إضاعة الوقت وتخريب البلد وانتظار الخارج ليسمّي الرئيس. فالخارج لن يسمّي إلّا مَن يدعم نفوذه ويؤمّن مصالحه، وآخرُ همّه لبنان والموارنة ومار مارون. بادِروا أنتم أيّها الزعماء واتفقوا على رئيس يحبّ وطنه قبل أيّ شيء آخر، ويكون على مستوى حاجات البلاد وتحدّياتها. إنزعوا من رؤوسكم فكرة «الرئيس القوي»، لأنكم دفنتموه جميعاً في مقبرة الأحقاد والأنانيات والأخطاء.

أمّا في ما يتعلّق بالاقتراح الذي تقدَّم به «التيار»، فهل تتحقّق المناصفة بانتخاب الرئيس المسيحي بـنسبة 65 أو70٪ من أصوات المسلمين؟ وهل التأهيل بالدورة الأولى كافٍ لإيصال الزعيم الـمسيحي الأكثر تمثيلاً؟ لنفترض أنّ الـمرشح الأوّل نال 50٪ من أصوات الـمسيحيين، ونال الثاني 30٪، والثالث 20٪. خرجَ المرشح الثالث من السباق الرئاسي وبقي الإثنان الأوّلان.

فهل يقبل المسيحيون، وتحديداً «التيار الوطني الـحر»، أن تأتي الغالبية المسلمة بالمرشح الثاني الذي نال 30٪ من أصوات الـمسيحيين، وإقصاء المرشح الأوّل الذي نال 50٪، بعد معركة أحدثت شرخاً كبيراً فـي كلّ عائلة وقرية؟ إنّ ما يطرحه «التيار»، مبنيّ على حسابات آنية قد تتغيّر بين ليلة وضحاها إذا تغيّرَت الـتحالفات الإقليمية والدولية.

فتحرير انتخاب الرئيس من قبضة الكتل النيابية ومن القرار الخارجي، سيوقع الرئيس فـي قبضة الأكثرية المسلمة، التي تتجاذبها الرياح الإيرانية والسعودية، والتي قد تقرّر عكس ما قرّرته الأكثرية الـمسيحية، وهذا يُعتبر انكساراً قاتلاً لمكوّن أساسي من مكوّنات الوطن، ويقضي على المناصفة التي يسعى إليها الـمسيحيون. إنّ التلاعب بأحكام الدستور، يؤدّي إلى تفكيك الأسس التي ارتضاها اللبنانيون ويشرّع الأبواب أمام كلّ فئة للمطالبة بتحسين دورها ونفوذها فـي السلطة.

فالمجلس التأسيسي جاهز للانطلاق، وشبح المثالثة مطروح، وحلم الـمداورة فـي الرئاسات الثلاث مطروح، والـمجلس الرئاسي مطروح أيضاً، وها هو اليوم يتجلّى بأبهى صوَره مع «حكومة الـمصلحة الوطنية»، التي تمارس مجتمعةً صلاحيات رئيس الجمهورية.

قد تكون هذه الحكومة تجربة أوّلية للمجلس الرئاسي الـمنتظر، وقد تكون آخر حكومة يوقّع على مرسوم تشكيلها رئيس جمهورية مسيحي ماروني، إذا بقيَ العناد مسيطراً، والمنطق غائباً، وحبّ الوطن مفقوداً.

كفى مقامرة بمصير الـمسيحيين، فنحن الذين نتألم ونُقتل ونُهاجر، ولبنان يدفع الثمن فـي أمنه واستقراره واقتصاده. لا تتركوا الوطن معلّقاً على خشبة الانتظار الضائعة فـي الصحراء النووية والنفطية، فالدوَل الكبرى والإقليمية مشغولة بـ«داعش» وأخواتها، ولن تلتفت إلى لبنان إلّا بعد خرابه، فأرجوكم ألّا تخربوه.