IMLebanon

فوضى؟

 

تهديد اللبنانيين بالفوضى يوحي وكأنهم يعيشون راهناً في سوية طبيعية على كل المستويات.. من مستوى السلطة وتركيبتها الدستورية ووظائف مؤسساتها، إلى مستوى الشارع وظواهره الحركية والمطلبية.

وهذه، بمعنى ما، وضعية فوضى مدنية وسلمية.. ومضبوطة. والمقصود بالتهديد هو تزخيمها ورفعها الى نواحٍ سبق وأن خبرها اللبنانيون على مدى سنوات طويلة ودفعوا فيها أفدح الأثمان وأكثرها قتامة وسواداً. سوى ان الأمر، في خلاصته، لا يعود كونه مماحكة، ولا تستحق أكثر من هذا التوصيف، خصوصاً، إذا كان البديل المطروح عن الفوضى القائمة، هو في ذاته، وصفة مُثلى للفوضى الأسوأ.

عنوان هذه المماحكة، كان ولا يزال ترشيح النائب ميشال عون لملء الفراغ الرئاسي. والذهاب في محاولة ذلك الى اعتماد منطق الترئيس أو التيئيس، الموازي لمنطق «عون أو الفراغ« المستدام. أو التلويح بتلك الفوضى الاستثنائية (الدموية) التي جرت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي غداة إطلاق الأميركيين تلك الجملة التي دخلت التاريخ والتي خيّرت اللبنانيين بين القبول برئاسة النائب (يومها) مخايل الضاهر أو مواجهة الفوضى.

ضمور جدوى الاستعارة والتشبيه والتهديد، متأتٍ من واقعة صلدة صلبة هي ان الانقسام المرير في لبنان يحول دون ترئيس رمز كبير من رموز هذا الانقسام وعلامة من علامات الاصطفاف والتموضع الأحادي والفئوي النافر فيه.. بحيث إن النائب عون تخطّى منذ أزمان، القدرة على تقديم نفسه كنقطة تقاطع بين مختلفين، وكرمز توحيدي عابر فوق الانقسامات والمرارات، أو كمرجع يمكن في أي لحظة اعتباره حَكَماً بقدر ما هو حاكم.. وتلك كما يُفترض بأهل الحصافة الانتباه، هي لبّ دور الرئاسة في لبنان، وشيء من حاصل جمع مؤهلات الرئيس العتيد.

وظلمٌ الزعم، بأن القوة بالمفهوم العوني رديف لرئيس لبنان المأمول. خصوصاً وان الجنرال السابق منخرط في محور كل رموزه تقدّس البلطجة وليس الدستور. وصندوق الذخائر وليس صندوق الاقتراع. ولا تعرف من التعددية سوى تلك الخاصة بتعدد أنواع الأسلحة والأجهزة الأمنية وآليات الفتك بالآخر المختلف.. ولا تعرف عن تداول السلطة سوى ما يتصل منها بالهوامش العالقة على حافة الحزب الحاكم أو «الولي الفقيه»..

وظلمٌ موازٍ، نكران أو تجاهل السيرة الذاتية والسياسية والمسلكية للمرشح عون، والتي يحرص هو قبل غيره من الأخصام والأنداد، على إعادة تظهيرها، كلما بهتت بعض الشيء، أو غابت خلف الأزمات المتراكمة. وفي تلك السيرة ما يكفي من عدّة النبذ، الى حدّ ان أهل تيّاره ذاقوا مرّ علقمها مثلما ذاقها غيرهم في محطات كثيرة أبرزها واحدة تسمى «حرب الإلغاء» وأخرى تسمى «حرب التحرير»..

لا يمكن (مثلاً)، وعلى جاري موضة التشبيه السارية في هذه الأيام، هضم أنشودة عون المطالبة بـ»الاحتكام الى الشعب» وانتخاب رئيس بالاقتراع الشعبي المباشر، وهو لم يرضَ لـ»شعبه« في تياره، مباشرة تلك الممارسة النبيلة. ولا يمكن الركون الى تسليم أمانة رئاسة اللبنانيين، الى من يختصر كل الأمانات والكفاءات بـ»أهل بيته»..الخ.

بتلك المعاني وبغيرها الكثير، فإن عون هو مشروع فوضى مفتوحة وليس مشروع استقرار.. فوضى ولعانة، وليست كالحالية، باردة رغم حرارتها وناشفة رغم خطورتها!