IMLebanon

ثرثرة رئاسية

 

من أقوال الفيلسوف البريطاني الساخر برنارد شو، المأثورة، ان الافراط في الحديث عن شيء، ما هو إلاّ الدليل على غيابه وكل ما زاد منسوب الثرثرة السياسية في بلد ما حول استحقاق ما، كلما ابتعد هذا الاستحقاق عن دائرة الصيرورة.

والذين يقسمون بأن لا يفعلوا أمراً ما، غالباً ما يفعلونه، والشاهد على ذلك، ما كنّا نسمعه عن ديمقراطية تداول السلطة، في فترتي التمديد لمجلس النواب، لقد أصبح التمديد عنوان المرحلة اللبنانية الراهنة، منذ الشغور الرئاسي الذي دخل بالأمس، سنته الثالثة، ونحن نتحدث عن تداول السلطة، حتى كانت الانتخابات البلدية.

والشاهد الأكبر على ذلك، الاستحقاق الرئاسي الذي هو محط الثرثرة السياسية في لبنان منذ سنتين تماماً، ومع ذلك بقي الاستحقاق استحقاقاً مؤجلاً رغم بقائه على كل شفة ولسان، الجميع ينادي به ويسأل عنه ويلحّ عليه، بمن فيهم معرقلوه، بالطروحات المعطلة، أو بالمقاطعة المباشرة وغير المعللة لجلسات الانتخاب المجلسية، ولكن لا استحقاق وبالتالي لا رئيس…

والمشكلة في جوهرها مشكلة تداول سلطة، وليس شرطاً ان يكون القيّم على السلطة جزءاً منها، وغالباً ما يكون حولها، أمامها أو خلفها، المهمّ ان يكون مقود السلطة بيده، ومن خلال هذا المقود يأخذها الى حيث يشاء، أو يجرّها خلفه الى حيث يشاء، وهو هنا يجد نفسه في الجهة المتضررة من التداول الذي قد يفقده النِعَم المغدقة عليه من السلطة، لكنه مع ذلك، ينادي به ويدعو اليه، ويكثر من تسليط الأضواء على مضار استمرار غيابه، كما حالنا الآن مع الاستحقاق الرئاسي، حيث أكثر المنادين به هم معطّلوه، تارة بالمقاطعة وأخرى بالشروط، وثالثة بتفصيل الرئاسة على قياس غير ملائم، والدليل انه عندما تخلّى فريق ١٤ اذار عن طموحه الرئاسي لصالح مرشحي الثامن من آذار، العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجيه، بقي موضوع الرئاسة اللبنانية فالج لا تعالج.

لماذا؟ لأن الاستحقاق الرئاسي أساس في تداول السلطة، بل هو حجر العقد فيه، والمسألة ليست بين فريق لبناني متمسّك بامتيازاته في السلطة وآخر يذكره بالشراكة الوطنية في السرّاء والضرّاء، وعلى الحلوة والمالحة، بل في الأوصياء على هذا الفريق أو ذاك، أما الأطراف الداخليون، الظاهرون على المسرح الرئاسي، فمجرد بيادق على رقعة شطرنج بالية، لذلك قرأنا بالأمس عن معادلة مطروحة، تبادل موافقة التيار الوطني الحر وحليفه حزب الله على اعتماد قانون انتخاب ١٩٦٠، بالرئاسة للعماد عون، ثم جاءت تلبية عون الدعوة لعشاء السفير السعودي علي عواض عسيري، على شرف الفعاليات اللبنانية، بمثابة حفر وتنزيل، لكن فجأة جاء رفض قانون الستين من الأمين العام ل حزب الله السيد حسن نصرالله من النبي شيت، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا…

النائب عماد الحوت، واثق من أن الجميع لا يرون بديلاً عن هذا القانون، لكنهم يتبارون في رفضه، والمطالبة بسواه، كما حصل في موضوع الانتخابات البلدية، التي كادت ان تلحق تمديداً بمجلس النواب، لو لم ترفع سيغريد كاغ الصوت مهدّدة بوقف المساعدات الأوروبية…

بعض الأوساط في ١٤ آذار قرأت في رفض السيد نصرالله لقانون الستين ودعوته للنظام النسبي، في وقت كانت فيه اللجان النيابية تتناقش بمشروع القانون المختلط، رسالة موجهة الى أطراف التسوية والمعادلات الرئاسية – الحكومية المحكى عنها، كما الى أصحاب المبادرات الساعية الى الوصول للاستحقاق الرئاسي من نافذة الانتخابات النيابية المبكرة، مع التذكير بالحماوة المنتظرة على مستوى المنطقة خلال الفترة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل، ما يعني ان الاشارة الضوئية الاقليمية ما زالت على الأحمر، لا البرتقالي ولا بالتالي الأخضر…

هذه الأوساط، تقلقها التطورات الاقليمية الراهنة، وهي ترى غيوم الحزن تتلبّد في الأجواء…