IMLebanon

الصين: التنِّين النائم… هل توقظه الحرب السوريّة؟

تأخذ الصراعات الدولية مساراً تصاعدياً على مختلف الاتجاهات، خصوصاً في المناطق ذات الأهمية الجيوسياسية. فتحت شعار «الغاية تبرّر الوسيلة» مارست الدول امبريالاتها عبر الزمن. ومنذ أن تحرّكت الشعوب بحثاً عن مواردها الأوّلية والعالم يتخبّط في حروب مستمرّة.

مرّت البشرية بمحطات فاصلة شكّلت تاريخها الحديث. فالحرب العالمية الثانية أنهت زمن الاستعمار الأوروبي، وأطلقت صراعاً دولياً جديداً، عرف بصراع القطبين المتمثل بالولايات المتحدة الغربية ونظامها الليبرالي، والاتحاد السوفياتي ونظامه الشيوعي. إذ انبثق عنهما معسكران متصادمان، المعسكر الغربي وحلفه «الناتو»، والمعسكر الشرقي وحلفه «وارسو».

في عام 1990 انهار الإتحاد السوفياتي، وأصبح الغرب المهيمن الوحيد على العالم. لكنّه لم يتمكّن من القضاء على العقيدة الشيوعية، لأنّ النظام الصيني – الشيوعي لم يسقط. بل دخل العالم كقوة اقتصادية كاسحة للحدود، مشكّلاً خطراً حقيقياً على الأنظمة الغربية من انهيارها اقتصادياً، وعسكرياً في المستقبل.

وسط التخبّط الدولي، تجد الصين نفسها معنيّة بكلّ ما يجرى. من المؤكّد أنّها لن تقف مكتوفة أمام التهديد الحقيقي المتمثّل بالاستفزازات الأميركية الساعية إلى تقويض نظامها من بوابة بحر الصين الجنوبي. فمرور حاملة الصواريخ التابعة للبحرية الأميركية على بعد 12 ميلاً من الشواطئ الصينية، وتحليق الطائرات الأميركية فوق المياه المتنازع عليها، تعتبرها الصين رسالة واضحة تهدّد أمنها وسلامة نظامها.

هذه التحرّكات للولايات المتحدة، تشكّل تهديداً لأمن الصين من خلال استيلائها على جانب بحر الصين الجنوبي. هذا الجانب الذي يتميّز بموقع جغرافي يربط الشرق الأوسط بمنطقة القارة الهندية بشمال شرق آسيا، حيث تمرّ به ثلث الشحنات البحرية العالمية. الأمر الذي يسبّب خسائر استراتيجية للصين، واقتصادية ومالية، قد تصل قيمتها إلى نحو 7 ترليون دولار.

إنّ التنين الصيني سيستيقظ حتماً دفاعاً عن مصالحه أولاً. وثانياً، سيعمل لتقويض المصالح الأميركية خصوصاً في الشرق الأوسط. تلك المنطقة التي تشكّل موقعاً استرايجياً وعسكرياً واقتصادياً وتمويلياً للإدارة الأميركية لتنفيذ سياساتها.

لذلك، فالحرب الدائرة بسوريا ستكون أولى التدخّل الصيني العسكري المباشر في المنطقة والعالم. فقد تواترت الأنباء حول تعزيز الصين وجودها البحري العسكري في شرق المتوسط، سواءٌ عبر ارسال أحدث القطع الصينية إلى الساحل السوري، إلى ارسال حاملة طائراتها الوحيدة «لياونينغ»، وطلب الصين تخصيص قاعدة بحرية لها في سورية. لقد عبّر عن ذلك الدبلوماسي الصيني وعميد كلية الدراسات العربية في جامعة الدراسات شوي غوتشينغ أنّ «هناك اختلافاً في وجهة النظر الصينية، فيما يتعلّق بالملف السوري مع الولايات المتحدة الأميركية».

أما الدوافع الصينية للتواجد في سوريا فتكمن في:

– توجيه ضربة معنوية إلى الإدارة الأميركية، التي تجد من الشرق الأوسط قاعدة لتوجيه الاستفزازات إلى الصين. هذه الضربة ستكون عبر دعم النظام السوري، الذي شكّل عقبة في وجه الخطط الأميركية في المنطقة. الأمر الذي جدّت الإدارة الأميركيه بالعمل على إزالته، لتتمكّن من بسط نفوذها بشكل كامل على المنطقة.

– حماية حليفها التاريخي الروسي من جهة. وحماية الأنظمة ذات الاقتصاد المغلق المتمثّل في النظام السوري من جهة ثانية. فالصين الشعبية أدركت خطورة النظام العولمي الذي بدأ يدكّ سور الصين، ليدخل الهوية الصينية في منظومة التلاشي والضياع.

الأمر الذي يضعف قدرة النظام الحاكم على فرض هيمنته على الصين. لذلك عليها تشكيل قوة عالمية تقف في وجه الانفتاح، الذي يقوده النظام الليبرالي، لضرب الدول وكسر الحدود تمهيدًا لدخول شركاتها العملاقة واستعداداً لاستعمارها.

– حماية بلادها من خطر التطرّف الإسلامي، الذي بدأت تظهر ملامحه مع مشاركة آلاف «الإيغور الصينيين» للقتال في سوريا إلى جانب داعش.

والذين سيشكلون خطراً كبيراً على استقرار الصين في حال مغادرتهم سوريا.

أدركت الصين أنّ خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وللدفاع في وجه الوجود الأميركي في جنوب شرق آسيا، هو الضغط على الولايات المتحدة في مناطق أخرى من العالم، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في سوريا.

أخيراً، نقول إنّ التنين الصيني في ظلّ أمواج الصراعات التي تضرب الدول، لن يبقى نائماً إلى ما لا نهاية. خصوصاً أنّ الأزمات الاقتصادية والنزاعات المسلّحة العقائدية باتت تجتاح الحدود وتهدد حكومات الدول، وأوّلها الصين. لذلك، سيستفيق هذا التنين لأنّ الخطر أصبح قريباً جداً من حدوده وعلى اقتصاده وصناعاته.