IMLebanon

«جوقة» الحزب… عندما تجسّد بكلمات!

عجيب أمر «الجوقة» الناطقة بلسان «حزب الله»، من نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم الى أدنى من يوكل له الحزب مهمة الكلام، عندما تتحدث عن انتخابات رئاسة الجمهورية ومن يعطل اجراءها طيلة عامين ونصف العام حتى الآن. لكأن هذه «الجوقة»، اما تفتقد الحد الأدنى من الرؤية والرؤيا، أو أنها تتهم الناس كلهم بهذه الفرية، فتخاطبهم بتلك اللغة الغوغائية: تيار «المستقبل» ورئيسه سعد الحريري، ومن ورائهما طبعاً المملكة العربية السعودية، وحتى دول مجلس التعاون الخليجي كلها، من يقف ضد انتخاب مرشح الحزب للمنصب العماد ميشال عون، ويعطل بالتالي انتخاب رئيس للبلد… فضلاً عن تعطيل البلد كله.

والعجيب أكثر، أمران اثنان في وقت واحد: أولهما، أن اللغة الغوغائية هذه تستمر فصولاً منذ البداية، أي على امتداد الفترة السابقة، والثاني، أن أحداً من المستمعين لم يجرؤ مرة واحدة على أن يقف في وجه مستخدميها (وغالباً، في مجالس عزاء أو لقاءات عامة) ليواجههم بأن الواقع غير ذلك، وبأنهم لا يفعلون في النهاية الا أنهم يزورون الحقائق، فضلاً عن أنهم يضللون الناس بشكل متعمد.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة يبقى كما يلي: لماذا يصرّ «حزب الله» على تضليل الناس، لا سيما ما يسميه جمهوره وبيئته الحاضنة، في موضوع الشغور في رئاسة الجمهورية وبالتالي تفريغ الدولة من مؤسساتها التنفيذية والتشريعية؟.

الحال أن الحزب لم يفقد فقط توازنه في الدفاع عن مواقفه في الداخل والخارج على حد سواء، بل فقد أيضاً الذريعة التي طالما اختبأ خلفها في مجال الدفاع عن نفسه أو حتى في تبرير وجوده. واذا كان صحيحاً أنه ارتكب ما يمكن وصفه بـ «الخطيئة الأكبر» في تاريخه عندما اعترف، في سياق المكابرة على انعكاسات الاجراءات المصرفية الأميركية عليه، بأن ميزانيته ومرتبات أفراده وطعامهم وشرابهم الخ.. تأتي كلها من ايران، فقد عثر في تيار «المستقبل» ورئيسه امتداداً الى المملكة العربية السعودية، ما يظن أنه قد يساعده على التخفيف من عواقب وتبعات خطيئته. ولأنه، في هذا السياق تحديداً، لا يملك ما يمكنه رفع الصوت به، كما عوّد جمهوره وبيئته، سواء باتهام «الشيطان الأكبر» الأميركي أو حتى «الأصغر» الاسرائيلي بالوقوف ضد خياره البائس في الرئاسة اللبنانية، فقد لجأ الى التمسك بما يجوز وصفه بـ «خشبة الغريق»، غير عابئ بما يعرفه هو قبل غيره عن الحقيقة التي تقيم في مكان آخر.

«واحدة بواحدة»، كما يقول المثل الشعبي، لكن مع فارق هذه المرة هو أن حملة الحزب على السعودية كانت تتم في السابق وعلى مدى عقود لحساب ايران وسياساتها في المنطقة، أما في حالة لبنان الآن فهي تتم لحساب الحزب دون غيره، ما دام هو المسؤول الأول والأخير عما يمرّ به البلد في هذه المرحلة.

وهكذا لم تجد «جوقة» الحزب نفسها تبلع لسانها بازاء حليفها رئيس مجلس النواب، رئيس حركة «أمل»، الرئيس نبيه بري، أو بازاء حليفها الآخر النائب سليمان فرنجية الذي يصرّ على الترشح للرئاسة ضد عون فقط، انما أيضاً عن أعضاء في كتلتي الحزب وعون النيابيتين نفسيهما ممن لا يشك الحزب ولا عون في أنهم سيصوّتون لصالح فرنجية، وليس لصالح عون، في اللحظة التي يتأمن فيها عقد جلسة انتخابات نيابية مكتملة النصاب.

والأنكى، أن الحزب يرى في ترشيح عون وفرنجية معاً للرئاسة تأكيداً لـ «انتصار» خطه السياسي وخط فريقه، فريق «شكراً سوريا« في 8 آذار، من دون أن يتزحزح قيد أنملة عن موقفه الرافض لانتخاب أي مرشح عدا عون للموقع. فرنجية «قرة العين»، قال الأمين العام للحزب حسن نصرالله، لكن عون شيء آخر… وعلى من لا يدرك الفرق في المعنيين أن يدركه!.

مع هذا، فليست هذه مشكلة الحزب الوحيدة في لبنان، لا مع حلفائه السياسيين (فضلاً عن خصومه) ولا قبلهم مع ما يسميه جمهوره أو بيئته الخاصة.

ذلك أن الحزب، الذي عاش ونما على نظرية «المقاومة»، لم يعد لديه منها الا ما تتندر به الناس عما يسمى «سرايا المقاومة»، بممارساتها على الأرض وأسماء عناصرها وتاريخ رموزها أيام الجهاز الأمني السوري – اللبناني، والا ما تتعمد «الجوقة» اياها اعادة التذكير به عند الحاجة… تهديداً بالانتقام لمصرع شهيد، أو احياء لذكرى مجزرة اسرائيلية في الجنوب أو في فلسطين، أو حتى على سبيل النوستالجيا لما تصفه بـ «المعادلة الذهبية» عن الجيش والشعب والمقاومة.

أما تورطه الميليشيوي في سوريا والعراق واليمن، بعد البحرين والسعودية والكويت، فلم يعد لديه ما يتحدث به عنه، لا تحت اللافتة المهترئة عن «المقاومة» ولا تحت اللافتة الأخرى الأكثر اهتراء عن «الممانعة»، بعد أن تبين بجلاء كامل دور الحزب في اشعال الحروب الأهلية (المذهبية قبل أي شيء آخر) في الدول الثلاث من ناحية، وفي التعاون والتنسيق بينه وبين «الشياطين» على أنواعها (واشنطن وموسكو وتل أبيب) في هذه الحروب من ناحية ثانية.

… وهل من تفسير آخر لمعضلات الحزب، وطريقة التعبير عنها؟.