IMLebanon

المسيح لا يرضى

لو تهتم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بشؤونها والقداديس لكان أجدى وأنفع من التخبيص وإطلاق التصريحات المؤذية والمتهورة التي تتنافى مع جوهر الإيمان المسيحي الذي يقوم على المحبة والسلام لا على تقديس الحروب وكل حرب فيها رائحة الجريمة.

فلاديمير بوتين الذي يذهب الى الكنيسة ليس جوزف ستالين، وتاليا لن يسوق البطريرك كيريل الى المعتقل في سيبيريا، إن لم يصدر بياناً يؤيد قراره الدخول في الحرب دعماً للنظام السوري، لهذا جاء البيان الذي أصدره لتأييد التدخل مناقضاً للمسيح وروح المسيحية وفيه الكثير من المغالطات ومن الأذى الذي يمكن ان يلحق بصورة المسيحيين في الشرق الاوسط .

وإذا صحّ ما نقلته “فرانس برس” عن رئيس قسم الشؤون العامة في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الأب فيسفولود تشابلن من ان التدخل الروسي “معركة مقدسة” فمن المؤكد انه لا يفكر بوحي من جوهر الإيمان المسيحي، بل بتهور وانغلاق يعودان الى القرون الوسطى عندما تمادت الكنيسة في تهديم الروح المسيحي.

أنا المسيحي المشرقي والأرثوذكسي المتنوّر لا أتردد لحظة في القول، ان على البطريرك كيريل والأب تشابلن ان يسحبا كلامهما المستهجن والمؤذي للكنيسة الروسية قبل أذيته المعنوية والأخلاقية لأرثوذكس انطاكيا، وخصوصاً بعدما جاءت التوضيحات الصادقة والعميقة، التي نقلتها زميلتنا هالة حمصي عن مراجع دينية أرثوذكسية محترمة ونشرتها “النهار” أمس، لتصحح الصورة انطلاقاً من جوهر الإيمان المسيحي في سراطه المستقيم.

يستطيع طلعت تاج الدين رئيس الإدارة الروحية للمسلمين في روسيا وغيره من زعماء الطوائف ان يصدروا بيانات التأييد للتدخل الروسي، لكن السيد المسيح لا يرضى ولا يقبل ان يقول واحد من أبناء الكنيسة ان “المعركة مقدسة” أي معركة ولو كانت ضد الإرهاب، على ما أوحى اليهم بوتين الذي بدأ حربه الجوية على المعارضة الروسية، بعدما دعم الحل العسكري وأمده بالحديد والنار منذ خمسة أعوام.

يقول بيان البطريرك كيريل: “لقد اتّخذت روسيا قراراً مسؤولاً باستخدام القوة العسكرية لحماية الشعب السوري من المعاناة التي يلحقها بها الإرهابيون”. غريب فعلاً لأنه اذا كان بوتين يحتاج داخلياً الى هذا الردح فإن الكنيسة ليست في حاجة الى الردح، خصوصاً ان أحداً لم يضرب بوتين على خده الأيمن، وزيادة في الاستغراب ان البطريرك وصف استعمال القوة بأنه من المسؤولية، ولم يتنبّه الى ان الشعب السوري عانى ويعاني من النظام الذي يدعمه بوتين قبل معاناته من الإرهابيين!

ولو يهتم كيريل بالقداديس او بمعرفة الحقائق قبل ان يفجعنا نحن المسيحيين الأرثوذكس المشرقيين عندما ينادي بالسيف قائلاً “ان التدخل العسكري ضروري لأن العملية السياسية لن تؤدي الى تحسّن في حياة الأبرياء المحتاجين”، لكأن بوتين سمح بالعملية السياسية أو ساعد في إنجاحها!