IMLebanon

حساسيات مسيحية من «المغامرات المارونية»

استطلاع الآراء بين مفهومي «الحقوق» و«الشراكة»

حساسيات مسيحية من «المغامرات المارونية»

لا يبدو المسيحيون منشغلين بالاستطلاع العتيد الذي يتم التسويق له وكأنه مدخل الى الحل السحري لانتخاب رئيس للجمهورية. لا يأخذ حيزا من نقاشاتهم واحاديثهم، وسط هموم ومخاوف تبدأ من الارهاب وتمر على الاوضاع الاقتصادية الدراماتيكية ولا تنتهي بالبحث عن سبل للهجرة.

ومع ذلك يحتل موضوع الاستفتاء، او استطلاع الآراء، حيزا غير بسيط من الاهتمام الاعلامي والسياسي، في دلالة اضافية الى ابتعاد غالبية الطبقة السياسية عن محاكاة هموم الناس الفعلية وشواغلهم.

استفتاء لمعرفة من هو الزعيم الاقوى مسيحيا، وبالتالي من يستحق، وفق هذه المعادلة، ان يكون رئيسا للجمهورية.. فيما الجمهورية نفسها تهتز وتكاد تهوي.

اثار هذا الطرح اعتراضات مختلفة المنشأ والاسباب في كثير من الاوساط السياسية وقد جاهرت معظمها بها. واختصر موقف الوزير والنائب السابق جان عبيد مرارة من يستشعرون غياب اي نية بالتوافق الفعلي معتبرا انه «غيرمعني بترشيحات وترجيحات واستطلاعات لغياب فرصة لمرشح مستقل وتوفيقي».

لكن مرارة من نوع آخر سرت همسا في بعض الاوساط المسيحية. مسيحيون من طوائف مختلفة، وفي مناسبات متنوعة، ابدوا امتعاضهم من «مغامرات الموارنة التي لا تنتهي».

يعتبر احد السياسيين من الطائفة الارمنية ان «المسيحيين يتعرضون، ولو من غير ان يكونوا مستهدفين مباشرة، الى حملة تهجير تقتلعهم من بلدانهم في لبنان والشرق عموما. ومع ذلك، موارنة لبنان منشغلون، مع شديد الاسف، بمعرفة اي زعيم اقوى من الآخر وفي اي مدينة وعلى اي حيّ؟». يضيف «لا يملك اللبنانيون عموما، وخصوصا المسيحيين، ترف البحث في جنس الملائكة. جميعنا نقر بزعامة ميشال عون وسمير جعجع. لكن من الواضح انهما وحدهما يشكّان بزعامتهما، والا ماذا يبرر هذا الاستطلاع الذي تعلق عليه الآمال؟ وما الذي سيليه؟ خيبة اخرى تضاف الى خيبات المسيحيين؟».

في الاوساط الارثوذكسية انتقاد «تاريخي» لـ «التهور والخفة المارونية». لكن عند الحديث عن استطلاع الآراء يتساءل كثيرون بجدية عن جدواه. بعض النخب لا تتردد في الجهر بأن «من سيتم الاستفتاء حولهم هم من كانوا سببا في مأساة المسيحيين. لماذا لا يكتفون بمواقعهم ويسهمون في انتخاب رئيس يعطي لبنان فرصا بالانتقال الى عالم اكثر استقرارا وحداثة».

بديهي القول ان في كل الطوائف المسيحية مناصرين لـ «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية»، كما سائر الاحزاب والقوى المسيحية. هؤلاء يدافعون عن خيارات احزابهم وزعمائهم ويتبنون وجهات نظرهم. الا ان في اوساط المسيحيين آراء متعددة وملاحظات كثيرة، خصوصا في هذه الفترة التي يبدو ان مصيرهم، كما مصير المنطقة يُرسم ويحدد.

في معظم الاوساط الكاثوليكية تسليم بأرجحية مارونية في الشان السياسي. لكن ذلك لا يلغي الملاحظات على «اسلوب التعاطي مع الازمات، خصوصا في هذه المرحلة». يقول سياسي كاثوليكي «لا نقول سرا اذا قلنا ان معظم المسيحيين اللبنانيين هم موارنة في السياسة. موارنة في المعارضة او الموالاة. لكن هذا يرتب على الموارنة اعباء معنوية ومسؤوليات اضافية».

لهذا تحديداً، يرى ان «منصب رئاسة الجمهورية، منصب ماروني صحيح، لكنه يعني جميع مسيحيي الشرق برمزيته ودلالته. ومن منطلق الحرص على هذا الموقع يفترض الا يتم تقزيمه الى صراع بين تيارين او رجلين. الاحتكام للناس يكون في الخيارات المصيرية الكبرى، وليس في موضوع دستوري ومؤسساتي واضح. ثم ألسنا في بلد توافقي وتشاركي؟ هل يمكن فرض رئيس على اللبنانيين لمجرد ان اكثرية مسيحية صوتت له؟ هذا مفهومنا للتوافق والتعايش والمشاركة؟. واذا كان بعض المسيحيين يشتكون من هدر حقوقهم وتجاوزها، ويشككون في مدى حرص المسلمين على عدالة الشراكة، فهل يجوز ان يتصرفوا بالطريقة نفسها، وفي موضوع جوهري كانتخابات الرئاسة؟».

يردد كثر ان نسبة الحزبيين في المجتمع المسيحي نسبة ضئيلة. وان المستقلين هم من يصنعون الفرق عند كل استحقاق انتخابي. وكل الحملات الانتخابية تتركز على استمالتهم. لماذا، اذا، عند الاستحقاق الاهم، الذي يمثل جميع اللبنانيين وليس المسيحيين فقط، سيوضع هؤلاء امام المفاضلة ما بين رئيس حزب او آخر ليكون رئيسا للجمهورية؟