IMLebanon

المسيحيون ومهامهم الاصلية والفرعية

هل المسيحيون في لبنان حاجة اسلامية؟

سؤال كبير يحمل في طياته العديد من المفارقات السياسية والدينية وصولا الى الوجودية، ذلك ان الوجود المسيحي في لبنان مع باقي الطوائف الاسلامية يتعايش مع شركائه في الوطن وفق قاعدة الندية ان كان في الآونة الحالية او لحظة كان المسيحيون يمسكون بزمام السلطة التنفيذية في البلاد، واذا جازت المقارنة هنا فهي بالفعل قائمة تاريخياً وخصوصاً في العمل السياسي وداخل السلطة التنفيذية، ومن كان يأخذ عليهم الاستفراد او اعتبار نفسهم سيشكلون قراءة ثقافية واجتماعية معينة فان المسلمين انفسهم يعتبرون المكون المسيحي يشكل بعداً حضارياً مميزاً في هذا الشرق.

وتوضح اوساط مسيحية سياسية ان الحكم الماروني للبنان منذ الاستقلال وحتى العام 1990 لم يكن استبدادياً على الاطلاق بل كان نابعاً من نفس توافقي بعيداً عن الهيمنة والتفرد والدلائل لهذه الوضعية متعددة ذلك ان الرئيس الماروني ما كان يوماً يختار رؤساء مكوناته غصبا عن ارادة المسلمين بالرغم من الصلاحيات التي كان يتمتع بها وكانت الاستشارات الملزمة الان لرئيس البلاد لاختيار رئيس للحكومة معمول بها شفهياً وعلى شكل عرف يلامس الدستور المكتوب وهذا يتجلى في الكثير من المحطات فالرئيس الراحل صائب سلام ومعه تقي الدين الصلح والرئيس رشيد كرامي وغيرهم كانوا زعماء الطائفة السنية في لبنان ويفرضون نفسهم على رئيس الجمهورية الذي كان يعي دون استشارات ان هذه الشخصية او تلك لا تشكل تحدياً لطائفته، لذلك كان الود والاحترام لدى رجالات الماضي من مسيحيين ومسلمين سائر على قدم وساق ولم يشهد تاريخ ما قبل الطائف هذا العمى الاختياري لرؤساء ما بعد العام 1990 بعد ان تم وضع بند الاستشارات الملزمة لرئيس البلاد ظناً انه يشكل رادعاً لاستفراد رئيس الجمهورية، ولكن العكس حصل تماماً اذ ان مجمل عمليات اختيار رئيس الحكومة بعد الطائف كان يشهد جرائم تضحية بشخصيات سنية لها الاحترام والخطاب المعتدل وشخصيتها القوية.

وتوضح هذه الاوساط ان مسألة او قضية الرئيس امين الحافظ لدى تسميته رئيسا للحكومة لم تفلح ليس لان رئيس الجمهورية يتحكم به العجز انذاك بمقدار احترامه للبيئة المذهبية التي ينطلق منها الحافظ ولذلك تمت التضحية به عرفياً وليس دستورياً.

وتستذكر هذه الاوساط قول احد حكماء الطائفة الشيعية ما بعد العام 2005 من ان المسيحيين سوف يتحولون الى ادارة تتولى اسعاف جرحى المسلمين، ودورهم لن يتعدى هذه المهمة بفعل انقضاء الدور المسيحي الفعال وانتقاله الى دارة المسلمين سنّة وشيعة لتظهر المصائب فيما بعد بين اهل الدين الواحد وتتفاقم على خلفية وحيدة تتمثل باقتسام ورثة المسيحيين في السلطة والادارة، وتشير هذه الاوساط الى صورة لا بد من ذكرها وهي ان البلاد كانت تعيش في فترة هدوء وازدهار حين كان رئيس البلاد يتمتع بسلطاته الدستورية الموضوعة قبل الطائف وعندما استلم المسلمون سنة وشيعة البلاد بدت وكأنها في حرب وجودية من نوع آخر واستعان اهل السنة بالسعودية لتقوية ذراعهم وذهب الشيعة نحو ايران لتمتين نفوذهم، ومعنى آخر ان الجمهورية اللبنانية لطالما كانت التدخلات فيها حتى الخارج فعالة حتى في اختيار رؤساء البلاد ولكنها لم تكن مستسلمة كمثل هذه الايام لارادة الخارج بشكل كلي وهذا مصدر خطر كبير يتجلى خلال هذه الايام بالعمل اليومي لمنع الفتنة بين المسلمين وهذا المشهد لم يحضر يوما خلال وجود رئيس للجمهورية مع سلطاته الدستورية التي تم نصبها من خلال ساعات او اشهر التخلي لدى المسيحيين، ولكن بارادة دولية شجعت الى تقاتلهم وانتحارهم وحتى تقديم العروض للهجرة والترحيل الى كندا وغيرها من الدول العربية الا ان المسيحيين يعرفون جيدا تداعيات تركهم لارضهم ولذلك قدموا التضحيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبقاء في بلد اعتبروه يوما من صنيعتهم مع ان الشكوى ترافقهم منذ ان اصابهم البلاء في الطائف.

اين تكمن الحاجة المسيحية للمسلمين؟

بعيدا عن النظريات المشرقية الواسعة الافق فان المسيحيين في لبنان بحسب الاوساط المسيحية لديهم دور مختلف في العمل السياسي عن مسيحيي سوريا والعراق والاردن ومصر بالرغم من مصيرهم الموحد الذي يظهر شيئا فشيئا في الاونة الحالية الا ان مسؤولية المسلمين تجاههم لم تكن يوما على قدر عال من التطلع نحوهم كما تطلع اليهم المسيحيون قبل الطائف ذلك ان الاخطار التي تواجههم في مصيرهم لم يلتفت اليها شركاؤهم في الوطن لانشغالهم في رؤية انفسهم يتسلمون السلطة بكاملها ليتخاصموا فيما بعد على اقتسامها او مصادرتها ولكن المسلمين وجدوا انفسهم بعد صراع خفي واخر معلوم فيما بينهم انهم بحاجة لجهة معينة كي تحكم بينهم او اقله تعمد الى لعب دور الاطفائي لنيرانهم المشتعلة وفي اقصى الحالات حاجتهم الى من ينقل جرحاهم من قبل جهة غير قادرة على الفعل في الوقت الحالي ولا تجلب الخوف لهما فكان دور المسيحي منذ اتفاق الطائف يتلخص بالتالي.

اولا: محاولة استنهاض الدور المسيحي قدر الامكان تمهيدا للقيام بمهام معينة إن كانت على صعيد الوطن ككل او رؤية بعيدة لاستعادة ما تم سلبه من صلاحيات ايذانا لتثبيت اقدامهم ومساعدة شركائهم في الوطن على قاعدة المساواة والتشبث ببلدهم الوحيد في الشرق.

ثانيا: منعا لتفاقم الاوضاع بين المسلمين ذهب البعض ولو بشكل غير دستوري الى التفتيش عن شخصية مسيحية قوية باستطاعتها الفصل بينهما او حتى استبدال بعض الوظائف الامنية والسياسية وتسليمها لمسيحي كي يكون صلة وصل وغير مرتهن لا للسنة او الشيعة، ومرد ذلك الى كون الحاجة تكمن في انعدام الثقة بينهما وبما ان المسيحي لا يخيف لا بد له من دفعه نحو اتخاذ دور يلائم مصلحتهما في المقام الاول ويدفش المسيحيين الى الامام ولو من باب لعب دور الاطفائي.

ثالثا: لا شك ان الهدوء الذي ينعم به لبنان قياسا على دول المنطقة الملتهبة وجود المسيحيين فيه كعامل فصل وتقارب بين وجهات النظر الاسلامية المتباعدة ومن هنا تأتي المطالبة المسيحية برجل قوي على رأس الدولة للتمكن اقله من ادارة الازمة ان كانت الحلول بعيدة المنال، وتسأل هذه الاوساط عن مشهد لم يتحقق بعد في لبنان والمتمثل برحيل المسيحيين عنه، فماذا سيحصل للبنان بترك الشيعة والسنة فيه وحدهما؟ هل هي الحرب الابدية؟؟!