IMLebanon

“المدني” لا يمتلك برنامجاً… والطبقة السياسية!

أتمنى أن لا ينزعج الحراك المدني الشاب والواعد من تساؤلي في “الموقف” يوم أمس إذا كانت “الطبقة السياسية” ستدجِّنه. ذلك أن القصد منه التنبيه والحرص على فرصة لم يكن قادة هذا الحراك، أصحاب الإمكانات المادية المتواضعة والقدرات الشعبية المتواضعة أيضاً، متأكدين أنها ستسنح لهم وستسمح لهم باستقطاب مجموعات شعبية كبيرة متألمة من زعمائها الطائفيين وقادتها المذهبيين، ومن إهمالهم مطالبها الأساسية وحقوقها في الحياة والحرية والكرامة والعمل والتعليم والطبابة والأمن والبيئة النظيفة والإدارة غير الفاسدة أو غير الخاضعة للمفسِدين سواء بمبرِّرات دينية أو سياسية، والمؤسسات الأمنية القادرة على مواجهة أي تحدٍ لسلطة الدولة سواء كان مصدره الداخل أو الخارج أو كان داخلياً مدعوماً من الخارج.

وكي لا نسترسل في هذا الكلام الذي يرضي كاتبه قبل أن يرضي الناس وجماعات الحراك المدني، علماً أن ذلك ليس هدفه، أتَنَاول مباشرة الأسباب التي تجعل الخوف من “التدجين” أو من “الضرب” مبرراً. أولها أن الحراك المدني الشعبي يحصل في ما تسميه الطبقة السياسية بفريقيها 8 و14 آذار وبوسطييها إذا وجدوا فعلاً “الوقت الضائع”. أي الوقت الذي لا يبدو أنه مناسب لإيجاد حل للحرب الأهلية – المذهبية في سوريا وكذلك للإرهاب الذي استشرى فيها رغم كل الاتصالات والتحرُّكات الأممية والدولية والإقليمية. ولا يبدو أن هذا الوقت سيكون قريباً. ويعني ذلك لبنانياً أن وقت حل الأزمة اللبنانية، أو بالأحرى الحرب الأهلية المذهبية الطائفية في لبنان المستمرة ولكن من دون دم ومنذ انتهاء الحروب الدموية عام 1990، لم يحن بعد لارتباطها بأزمة سوريا، ولارتباط الأخيرة بصراعات دولية – إقليمية لم يبدأ العمل التفاوضي لوقفها بإزالة أسبابها رغم الإنجاز التاريخي المتمثِّل بالاتفاق النووي بين المجتمع الدولي وإيران الإسلامية. علماً أن ذلك متوقّع بعد تصديق العواصم المعنية مباشرة الاتفاق المذكور وأبرزها واشنطن وطهران. انطلاقاً من ذلك تراقب الطبقة السياسية على تنوعها حراك الوقت الضائع من قرب وستدعه يتحرَّك ولكن على النحو الذي يخدم مصالحها أو لا يهددها. وعندما تشعر بخطره يقترب منها فإنها ستضربه سواء بصدام بين أبناء “الشعوب” اللبنانية المشاركة فيه، أو بصدام بينه وبين القوى الأمنية أو بتطور كبير يجعل التحرُّك غير ذي موضوع. وليتذكَّر “حراكيو” سلسلة الرتب والرواتب “طلعاتهم ونزلاتهم” وتزايد أعداد تظاهراتهم ثم انكفاءهم المستمر حتى الآن، رغم محاولة قادتهم المبرّرة للتذكير بمطالبهم من خلال حراك “الزبالة” أي الذي فرضته “الزبالة”. وليس القصد من التسمية هذه الإهانة. وثاني الأسباب ملاحظة الناس بداية انقسام بين أبرز قادة الحراك المدني وجمعياته وخوفهم منه في الوقت نفسه. وقد أظهره الإعلام وأكدته التحرُّكات التي حصلت يوم الثلثاء الماضي داخل وزارة البيئة وفي محيطها والتي تمَّت من دون تنسيق بينهم كلهم. كما أظهرته محاولات قسم من المخضرمين في السياسة والشأن العام والتحرُّك المدني العمل مع فريق منهم بغية توجيهه وإرشاده ومدِّه بالخبرة اللازمة في ظل غياب برنامج له. وأظهرته أيضاً محاولات شخصيات سياسية وانتهازيين العمل مع فريق آخر تحقيقاً لطموحات سياسية كبيرة، أو لمنع التحرُّك من الميل في اتجاه فريق سياسي لبناني كبير فاعل على الأرض.

في أي حال أسمح لنفسي في هذا المجال بتوجيه الدعوة الآتية إلى قادة الحراك المدني، رغم انقساماتهم غير المعلنة بعد والتي أتمنى أن لا تُعلن أو بالأحرى أن تنتهي: لا تخافوا لأن لا برنامج لديكم ولا مخططات. فهذا أمر طبيعي لشباب في مقتبل العمر مليئين بالحماسة والنشاط. ولا تخجلوا من ذلك. فـ”الطبقة السياسية” التي حكمت لبنان منذ الاستقلال، والتي جدّدت نفسها بضمّ الذين على شاكلتها في السنوات الـ72 التي مرّت عليه إلى صفوفها ربما باستثناء “حزب الله”، لم تمتلك يوماً رغم خبرتها الطويلة وعملها السياسي أي برنامج وطني فعلي ينهي العطل البنيوي ويعيد “الشعوب” اللبنانية شعباً واحداً، ويبني دولة العدالة والديموقراطية والحرية والمحاسبة والاستقلال والسيادة والرعاية الاجتماعية. فهي امتلكت فقط البرامج التي تمكِّنها من تعزيز نفوذها ومن البقاء في مواقعها، ومن تحقيق المصالح الخاصة والمكاسب حتى على حساب لا مصالح الناس بل الحد الأدنى من حقوقهم في الحياة الآمنة والكريمة وفي القوت. لكن ذلك لا يعني أن تستمروا من دون برنامج.

هل يمكن في ظل الوضع المشروح أعلاه وفي “الموقف” يومي أمس وأول من أمس توقُّع التطورات المقبلة؟ وما الذي يمكن فعله عملياً؟