IMLebanon

الحراك المدني والاصطفاف:  امتحان الرمز والفعل

لبنان يدار بأزمة الحكم والنظام من حيث يتصور البعض انه يدير الأزمة. ولم يكن من المفاجآت أن يبدو اللبنانيون المأزومون في حاجة الى الرمز، قبل الفعل، في حراك المجتمع المدني الأخير. فالدروس مكتوبة على الجدار حتى في تجارب الحراك الذي تقوده وتديره أحزاب وتيارات سياسية: ما لم تفعله الحروب لن تفعله التظاهرات مهما يكن عدد المتظاهرين في الساحة. تظاهرة ١٤ آذار ٢٠٠٥ أخرجت الجيش السوري من لبنان وسميت ثورة الأرز ومحطة الاستقلال الثاني، لكنها لم تؤد الى حلّ لأزمة الحكم والنظام. واعتصام قوى ٨ آذار الذي دام أكثر من عام وقاد الى ٧ أيار ثم مؤتمر الدوحة الذي فتح الباب لملء الشغور الرئاسي واعتماد قانون انتخاب وتعديل الموازين في الحكومة، ولكن في اطار أزمة الحكم والنظام. حتى اتفاق الطائف الذي أخذتنا اليه حرب انتهت وظيفتها المحلية والخارجية بعد ١٥ عاماً فان الاصلاحات التي أحدثها لم تحل أزمة الحكم والنظام بل جعلتها أعمق.

وليس قليلاً عدد النصائح المقدمة الى المسؤولين المعلومين والمجهولين عن حراك المجتمع المدني. وهي في معظمها مطالب في ثياب نصائح. قليلها لتصحيح الرماية في تحديد الأهداف وامكان الحصول عليها، وكثيرها لإغراق الحراك بالفوضى وشلّه في النهاية. لكن ما يكرّس ثورة الرمز، بصرف النظر عن الفعل، ويعطي اللبنانيين قوة دفع للتمرد على الاصطفاف السياسي بطابعه الطائفي والمذهبي هو التصرف على أساس أن الحراك مسار طويل لا رحلة قصيرة.

ولعل ما يحتاج اليه الحراك في البداية هو القراءة الواقعية في كتاب الوقائع اللبنانية، قديمها والجديد، لتجنب الوقوع في أمرين: أولهما المبالغة في تصوير ما فعله الحراك والمسارعة الى القول انه احدث خرقاً كبيراً في الاصطفاف، ثم المغالاة في طرح المواقف والمطالب وتحديد ساعات لتنفيذها. فما جرى مهم جداً، لكن اللعبة تبقى في أيدي قوى ٨ و١٤ آذار. وثانيهما تصديق خطاب التعاطف مع الحراك والذي تعلنه يومياً قوى ٨ و١٤ آذار. فليس صحيحاً أن هذه القوى، علي العموم، متعاطفة مع حراك مدني يأخذ أدوارها ويطالب بالمحاسبة، ويضع حل ازمة النفايات والكهرباء والماء في اطار الدعوة الى انهاء المحاصصة لبناء دولة مدنية.

وأبسط امتحان هو في مادة القدرة على التأثير في المناخ السياسي العام ودفع النواب الى فعل ما يطلبه الجميع يومياً في الخطاب: انتخاب رئيس للجمهورية. لا لأن انتخاب الرئيس يحل ازمة الحكم والنظام بل لأنه الممر الالزامي الوحيد لمعاودة الانتظام العام في المؤسسات، وبالتالي لادارة الأزمة بسلاسة بدل الدوران فيها، كأن قدرنا هو الانتحار الوطني.