IMLebanon

اقرار السلسلة فتح «شهية غيلان» اصحاب المحال التجارية

لا يدلّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب على أن شيئًا ما قد تغير بصورة جذريّة، على الرغم من تصاريح خرجت مغبطة أو مادحة أو معتبرة بأنّ ثمّة قفزة موضوعية أصابت مجتمع الأثرياء في لبنان، ودفعت باتجاه فرض الضرائب على الشركات وعلى المكاتب العقاريّة كما نوضّح في الفلسفة الجديدة لهذه السلسلة.

وفي هذا الاتجاه يتوقّع خبراء اقتصاديون تضخمًا للدين العام، ذلك أن البحث جار عن التمويل بحدود ألف مليار ليرة. فهل المطلوب وكأن لبنان متجه إلى زيادة في مديونيته فتبلغ بحدود المئة مليار دولار، فهل يملك القدرة على التحمل؟ ليست القضيّة مرتبطة بدورها في التحمّل بل أيضًا في القدرة على التسديد، فإذا كان البحث جاريًا عن تغطية السلسلة فسيدأب البحث في المقابل على إيجاد الموارد الممكنة لتسديد الدين، وقد بات معروفًا بأن تضخم الدين العام على لبنان سيعرّضه إلى المزيد من الانتهاكات السياسيّة والسياديّة، أي سيجعله رهينة سياسيّة وماليّة إلى أن يتمّ هذا التسديد. أو إلى أن تتم تسوية قد تكون على حساب لبنان كوطن ودولة.

في مقابل ذلك، يتساءل الناس العاديون والمعنيون، على ماذا استندت الدولة اللبنانية لإقرار هذه السلسلة وهي حقّ عادل للناس؟ في هذا المجال يخشى عدد من الخبراء أن تنعكس كالعادة سلبًا على كلّ القطاعات في لبنان، ليبدو النظام الاقتصاديّ أمام ازمة تهدّد اللبنانيين بلقمتهم وعيشهم. ففي كلّ مرّة كانت تقرّ السلسلة أو تقرّ الزيادة على الأجور والرواتب كانت أقساط المدارس ترتفع بصورة خطيرة، وقد شكت إحدى المعلمات في أحدى المدارس عن راتبها مقابل ما تجنيه المدرسة من أقساط فاحشة، وشكا في المقابل والد لطفل في صف KG2 من أن قسط ابنه يساوي قسط طالب في الجامعة، فأين التوازن في هذه المسألة فكيف ستكون الأقساط مع إقرار السلسلة؟

الخشية التي يبديها الخبراء الاقتصاديون والاجتماعيون من أن النظام الاقتصادي اللبنانيّ قد صار هشًّا في انعطافه ضمن مسيرة الحياة، وفي انسيابه داخل كل بيت ومؤسسة ومتجر ومدرسة وجامعة ومستشفى، ومؤثّرًا في حياة لمواطنين بانفلاشه غير المضبوط، ويتذكرون قولاً مؤلمًا وموجعًا بأنّ الأنظمة الاقتصادية وجدت للأثرياء ولم توجد للفقراء أو أصحاب الطبقة الوسطى. وبواقعيّة تامّة غير مغلّفة بفلسفات من هنا أو هناك، يتساءل هؤلاء كيف يمكن الفصل بين النظام الليبراليّ الحرّ المضبوط بسلّم قيم أخلاقية وروحية وإنسانيّة، وبمسلمات قانونيّة صارمة، وبين نظام لا يزال انفلاشيًّا مخيفًا بانفلاشه، وينعكس على الناس البسطاء في عيشهم.

وبعيدًا عن اصطفاف الأرقام والحسابات وما إلى ذلك، يكشف بعض هؤلاء بأنّ التجار الكبار، وأصحاب السوبرماركت والمتاجر قد خزّنوا بضائعهم ليستندوا على هذا الإقرار الواضح للسلسة من اجل وضع أسعار جديدة لبضائعهم. أمام هذا الأمر طرح أحدهم هذا السؤال البسيط، هل نزل أصحاب النفوذ في البلد وعدد من الوزراء والنواب مرّة إلى الأسواق وإلى «السوبرماركت» وإلى محلات الخضار والطعام ليكتشفوا على سبيل المثال لا الحصر ماذا يكلف سعر كيلو البندورة والخيار، وهو ما يستهلكه كلّ المواطنين، أو سعر كيلو اللبنة والجبن؟؟؟ ليست تلك الأسئلة مضحكة بل موجعة، ذلك أنّ معلومات توضحت بأنّ عددًا من تلك المحلات بدأت ترفع أسعارها بصورة وحشيّة غير قابلة للنقاش.

لقد طرح سؤال خلال عشاء على وزير الاقتصاد رائد خوري كيف ستتمكنون من احتواء هذا الأمر وقد شكره السائل على سلسلة إجراءات كان هو شخصيًّا قد أصدرها وقام بها، ليأتيه الجواب التالي: الأجهزة عندنا تقوم بدوريات لا سيما جهاز حماية المستهلك، وعندما يضبطون هذا الغلاء يقومون فورًا بإغلاق المتجر، لكننا اكتشفنا بأن ثمّة من ينبئ باقتحام هذه الأجهزة للمتاجر فيعمدون فورًا على إظهار الأسعار الطبيعيّة والمعتادة، وما إن يأفلوا تعود الأسعار إلى الغلاء.

بهذا المعنى لم يعد النقاش محصورًا بسلسلة قد أقرّت بل بالتداعيات المتدليّة منها، او المتدحرجة كالصخر على أرض الواقع، وكيف يمكن الحدّ من خسائرها، سيّما أن لبنان يعتبر من بين أغلى البلدان في العالم. على هذا يجيب الخبراء بأنّ المهمة منوطة بوزير الاقتصاد رائد خوري وكيفيّة تعامله مع هذا الواقع،  وتقول مصادر مقربة منه بأنّه قد اتخذ سلسة إجراءات صارمة وهي متجهة نحو المزيد من التفاعل والتفعيل، وستكون قمعيّة بكلّ ما للكلمة من معنى لكل من يستلذّ التلاعب بالأسعار على حساب المستهلكين، وتحذّر المصادر المقربة من الوزير بأنّ أعين الوزير موجودة في كلّ مكان، ولن يكون بمقدور التجار أن يعرفوا كيف هي موجودة ولكنها موجودة، وسيتم الحساب الكبير والقاسي في لحظة الخطأ. وتكمل قائلة، نحن نؤمن بأنّ اقتصادنا حرّ ولكنّه مسؤول ومقيّد بشرائع تضمن الربح الطبيعيّ للتاجر ولكنها في المقابل تحمي المواطن من وحش الغلاء، والوزارة جاهزة لقلع أنيابه وتقليم أظافره.

وبالعودة إلى الخبراء، فإنهم يركزون بأنّ ما يتمّ تداوله يحتاج إلى المزيد من التقييم. فالإجراءات التي تأخذها الوزارة مفيدة، والجنّة الضرائبيّة ينبغي أن تكون متوازنة وغير متفلّتة، ولا تبيح بالتالي الوصول إلى الانفلاش الأعمى الذي لا يحمد عقباه. فالجنة الضرائبيّة إحدى الوسائل التمويليّة لسلسة الرتب والرواتب، وعلى الرغم من ذلك يجب أن تصيب الطبقة الثرية لا الفقيرة في حين أنها وبعد الدراسة اتضح أنها تصيب الجميع بلا تمييز. من هنا يؤكّد هؤلاء على أنّ الواقع يتطلّب تمتين الأنظمة الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، لتكون وعاء متكاملاً بأطرافه وأجزائه وتفاصيله، وليس مجزّأ بمبدأ الاستفراد الممارَس، بلا تمييز، ولا تنسيق، ولا توازن، ولا حفظ حقوق، ولا حماية. قوة النظام متكاملاً يكون بهذا التنسيق، حتى تتجذّر قيم المساءلة الصارمة ولا يفترسنا التفلّت الأعمى.

إقرار سلسلة لرتب والرواتب قاد ويقود إلى المزيد من التأملات والقراءات، الشيء الأساسيّ أن نجسّد كل فكر طيب ورصين وحسن، وندفعه نحو التطبيق، من أجل مواطن يريد أن يعيش، ومن أجل وطن يشاء أن يبقى دائم النموّ، ومن أجل اقتصاد حرّ ومسؤول، ومن أجل وقايتنا من أي انفجار ممكن ومتكرّر. فليس كل انفجار مستندًا على إرادة الآخرين، بل يستند إلى الفقر، إلى الفاقة إلى الغلاء الفاحشّ، كلّ التيارات العلمانويّة والتكفيرية ولدت من أحياء الفقر من وجع الظلم وأعدت لتكون عبوات ناسفة في أجسادنا وأمام متاجرنا. الخبز والحرية والقانون ثالوث متساو في جوهر حق الوجود وحق الحياة.

الحكومة اللبنانية التي أقرت سلسلة الرتب والرواتب امام مسؤولية حماية الناس من وحوش كثيرة متربصة ورابضة. واللبنانيون أمام مسؤولية مكافحة الوحوش بتنسيق كامل مع الدولة، فمتى تمّ هذا التنسيق نكون قد أقررنا سلسلة هي جق للجميع وحمينا انفسنا من فساد متوحش يتسربل الغلاء حينًا والرشوة احيانًا ويقودنا نحو موت عبثيّ فيما إرادة الحياة هي الحق الأغلى والأعلى والأثمن في الوجود.